كنوز معرفية في أرشيف أمتنا

يحق لكل أمة الافتخار بمنجزاتها ومنتجاتها المعرفية والصناعية والزراعية والتقنية، وما من شك أن محور هذه المنجزات يتمثل في الإنسان ولا غير، ذلك أنه بعقله وعلمه وجهده البدني يحقق ما يعتقد أنه من المستحيلات، فالمنجزات ليست حكرا على الحاضر أو الماضي، بل تشمل الاثنين معا، إضافة إلى ما يتحقق مستقبلا. وما من شك أن دولا في الغرب والشرق تمكنت في الوقت الراهن من امتلاك ناصية العلم، وبرز فيها علماء وجامعات ومراكز بحث متقدمة قدمت لمجتمعاتها وغيرها عطاءات ليست لها حدود. وما يعيشه العالم في الوقت الراهن خير شاهد على دور العلم ومؤسساته والعلماء والباحثين في التطور والنقلات الهائلة التي يشهدها العالم.
برز كثير من أبناء المملكة في كثير من المجالات، ما مكنهم من الحصول على الجوائز، والعمل في جامعات ومراكز أبحاث خارج الوطن، حتى أصبحوا علامات بارزة في تخصصاتهم، وأصبحوا مقصد الباحثين عن خدماتهم الطبية، أو غيرها، وأصبحوا فخرا لوطنهم وأهليهم. وما من شك أن هذا امتداد لعلماء الأمة في زمن مجد الأمة، حين كان العلم والعلماء منجزا بقيت آثاره إلى الوقت الراهن.
دار الحكمة في بغداد تمثل مؤسسة رائدة في وقتها، ليس على مستوى محيطها، بل على مستوى العالم الغارق في حينه في الجهل والظلام، وجامعة القيروان، ودور العلم في الأندلس، كلها كانت منارات علم جاذبة لطلاب العلم من أوروبا كافة، إذ كانت الأندلس في ذلك الوقت تعج بنشاط العلماء في مجالات المعرفة كافة، من طب، وهندسة عمران، وفلك، وهندسة سدود وري، وحساب، وفقه، ولغة، حتى إن المنصفين من علماء أوروبا في الوقت الراهن يتحسرون على آلاف الكتب التي أحرقها الحقد النصراني، ويعزون ما يشهده العالم من رقي معرفي لعلماء الأندلس، حتى إن عالم فيزياء فرنسيا يقول: إن تطورنا الحالي يعود لـ30 كتابا نجت من الحرق، ولو قدر لبقية الكتب وسلمت لكنا نتجول بين المجرات الآن.
الزهراوي، وابن الهيثم، والخوارزمي أعلام في زمنهم، وآثارهم العلمية لا تزال قائمة حتى الوقت الراهن، فالزهراوي في مجال طب العيون، والأنف والحنجرة والأذن، والمسالك البولية، ويعد رائد الجراحة، حتى إنه كان يصنع أدواته بنفسه كالمشارط، والمقصات، والمثبتات، كما كان يعالج الأمراض النفسية. أما ابن الهيثم، فهو أول من اخترع الكاميرا والعدسة، كما اكتشف قانون الجاذبية قبل نيوتن بـ600 عام، كما اكتشف قانون كيبلر بشأن حركة الكواكب بـ500 عام، وهو أول من أسس المنهج العلمي، وأول من اكتشف أن سرعة الضوء ثابتة، وأن الأجسام في الكون تتأثر بالجاذبية فيما بينها. الخوارزمي يعد عالم الرياضيات الغائب الحاضر، فعلم الجبر والخوارزميات الأساس لكثير من أنظمة التقنيات الحديثة، وأفرزت جهوده عن حل المعادلات والوصول إلى القيم المفقودة، كما أفضت جهوده في تطبيقات على المعاملات المالية الإسلامية.
ما من شك أن وعي العلماء الغربيين والشرقيين، وإنصافهم للحضارة الإسلامية والعربية، وإقرارهم بالدور الرائد لها في تأسيس حضارة الحاضر تمثل شهادة يفترض تذكير الأجيال بها لتحفيزهم، ليس لمجرد الفخر بهذه الإنجازات، وإنما لشحذ الهمم لمواصلة المسيرة في بناء الحضارة العالمية المهددة بانحرافات الأفكار والمعرفة، والسياسات الشاذة التي أنهكت العالم والبيئة، وولدت اليأس والقنوط مما يسمى القوانين الدولية المجحفة، وسياسة الغاب القائمة على القوة، ولا غير..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي