كيف تمخضت صفقة كريدي سويس عن مطالبات قانونية؟
تمكنت الحكومة السويسرية من تجنب أزمة مصرفية أوروبية متصاعدة عندما قامت بتنسيق عملية استحواذ بنك يو بي إس على بنك كريدي سويس مقابل 3.3 مليار دولار قبل ستة أشهر - لكن الألم الذي سيمتد على مدى طويل قد بدأ للتو، مع رفع مطالبات قانونية حاليا بلغت قيمتها تسعة مليارات دولار، وهناك مزيد من القضايا قيد الإعداد.
خسر مستثمرو الديون عندما تم شطب 17 مليار دولار من ديون بنك كريدي سويس إلى الصفر خلال عملية الإنقاذ التي تم التفاوض عليها على عجل، في حين حصل المساهمون على ما يقرب من عشر القيمة التي كانت تساويها أسهمهم قبل ثلاثة أعوام.
يسعى المطالبون المحتملون وراء ثلاثة أهداف: فينما، الهيئة التنظيمية السويسرية التي أمرت بشطب17 مليار دولار من "سندات المستوى الأول الإضافية" الصادرة عن بنك كريدي سويس، والحكومة السويسرية، التي هندست صفقة الإنقاذ وأدخلت قانونا للطوارئ لجعلها ممكنة، وبنك يو بي إس نفسه.
هيئة فينما
حتى الآن، كانت الهيئة التنظيمية السويسرية الهدف الرئيس. تتعلق النزاعات هنا بشكل رئيس بسندات المستوى الأول الإضافية، وتعد شكلا من أشكال الديون المصرفية التي يمكن تحويلها إلى أسهم أو شطبها عندما يواجه المقرضون مشكلات. يدعي حاملو سندات المستوى الأول الإضافية من بنك كريدي سويس أن السبب الذي كان سمح بشطب السندات – الذي يسمى بحدث الجدوى - لم يحدث، وبالتالي تصرفت "فينما" بشكل متهور في شطبها.
ومن خلال فرض الخسائر على مستثمري سندات المستوى الأول الإضافية بينما سمحت لمستثمري الأسهم بالحصول على بعض القيمة مقابل أسهمهم، قلبت "فينما" التسلسل الهرمي التقليدي لرأس المال: وهي خطوة سارع البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إلى النأي بنفسيهما عنها.
لكن "فينما"، التي تبحث عن رئيس تنفيذي بديل بعد استقالة أوربان أنجيرن بسبب التوتر الشهر الماضي، جادلت باستمرار بأن سندات المستوى الأول الإضافية مصممة لحماية دافعي الضرائب من تحمل تكلفة البنوك المفلسة وحدهم. وأصرت على أنه دون شطب سندات المستوى الأول الإضافية، لم يكن بنك يو بي إس ليرغب في شراء كريدي سويس. ومع عدم وجود مشتر بديل في الصورة، كان التأميم البديل الوحيد.
قدمت شركة كوين إيمانويل أوركهارت آند سوليفان الدولية للمحاماة شكاوى إلى المحكمة السويسرية في سانت جالن نيابة عن 1000 مستثمر يمتلكون أكثر من ستة مليارات دولار من الحيازات لسندات المستوى الأول الإضافية. وهناك قضية مشابهة رفعتها شركة بالاس ومقرها لندن، ومعها ما يقرب من 800 مطالب يمتلكون بشكل جماعي 2.5 مليار دولار من سندات المستوى الأول الإضافية لبنك كريدي سويس.
كما بدأت شركات، من بينها ويذرز وشركة درو آند نابير في سنغافورة، في تقديم مطالبات حيث كانت سندات المستوى الأول الإضافية تحظى بشعبية خاصة بين المستثمرين الآسيويين الأثرياء بسبب ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بالسندات الأخرى والأمان الذي يعتقد أنها توفره مقارنة بالأسهم. وتمثل الشركتان السنغافوريتان في المجموع نحو 300 مطالبة و250 مليون دولار من سندات المستوى الأول الإضافية. وهناك قضايا أخرى قيد الإعداد في المحاكم الدولية والمحلية.
كذلك "فينما" هدف لمجموعة أخرى خسرت مئات الملايين من الدولارات في عملية الاستحواذ: وهم الموظفون الحاليون والسابقون في بنك كريدي سويس الذين تلقوا شكلا من أشكال المكافآت شبيهة بسندات المستوى الأول الإضافية.
ويعود تاريخ منح المكافآت المالية الطارئة إلى عام 2014 عندما تم عرضها على الموظفين على مستوى المدير العام ومديري الإدارات كجزء من مكافآتهم.
ومع ذلك، تم القضاء على 400 مليون دولار من المكافآت المالية الطارئة عندما ألغت "فينما" سندات المستوى الأول الإضافية في مارس. ورفعت شركات المحاماة في سويسرا التي تعمل نيابة عن موظفي كريدي سويس الحاليين والسابقين دعاوى قانونية في سانت جالن ضد الهيئة التنظيمية.
سويسرا
بدأت عديد من شركات المحاماة في تجميع دعاوى التحكيم ضد دولة سويسرا من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن العاصمة.
وتستند هذه الدعاوى إلى معاهدات الاستثمار التي أبرمتها سويسرا مع أكثر من 120 دولة حول العالم، التي تم تصميمها لحماية المستثمرين من مخاطر قيام الحكومات بمصادرة الأصول من خلال التأميم.
وقال كير شنج لي، الرئيس المشارك لرابطة إدارة الاستثمار البديل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي نظمت هذا الشهر حدثا لحملة سندات المستوى الأول الإضافية في المنطقة: "من الناحية التقليدية، كانت معاهدات الاستثمار وسائل الحماية التي اتخذها المستثمرون الغربيون في الأسواق الأقل نموا، للحماية من المعاملة غير العادلة من قبل الحكومات المضيفة".
وأضاف لي: "الآن، نشهد انقلابا رائعا في الأدوار، حيث يستخدمها المستثمرون من هذه الأسواق الناشئة لتحدي سويسرا، التي كان من المفترض أن تكون معقلا للاستقرار المالي".
تتابع شركة درو آند نابير إحدى هذه القضايا، في حين تقوم شركة ألين آند أوفري بحث المطالبين على رفع قضية منفصلة تمولها مجموعة أومني بريدجواي لتمويل التقاضي.
وتحاول شركة كوين إيمانويل استكشاف نهج بديل: مقاضاة سويسرا من خلال المحاكم الأمريكية. عادة ما تكون الدول ذات السيادة محصنة ضد المقاضاة في الولايات المتحدة. لكن الشركة تعتقد أن بإمكانها إقناع القاضي بأن المستثمرين يجب أن يكونوا قادرين على مقاضاة سويسرا في القضية.
فقد فاز مستثمرون في قضية أخرى رفعتها شركة كوين إيمانويل تتعلق بشركة النفط الأرجنتينية الكبرى وأي بي إف، أخيرا، بتعويض قدره 16 مليار دولار من خلال محاكم نيويورك بعد أن حكم قاضي بأن الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية أعادت تأميم الشركة بشكل غير قانوني.
وكان ذلك واحدا من أكبر الأحكام الصادرة ضد دولة أجنبية ذات سيادة من قبل المحاكم الأمريكية، وقد يخدم كسابقة مفيدة لمساهمي بنك كريديت سويس الذين يجادلون أنه عبر إقرارها قانونا لهندسة بيع البنك بسعر مخفض إلى بنك يو بي إس، قامت الحكومة السويسرية فعليا بمصادرة أصولهم.
ومن الممكن أن ترفع شركة كوين إيمانويل دعوى قضائية ضد سويسرا بحلول نهاية العام الجاري.
بنك يو بي إس
الهدف الثالث الذي يسعى المستثمرون وراءه المستفيد الأكبر من عملية الاستحواذ: بنك يو بي إس.
تقترب شركة بالاس البريطانية من بدء الإجراءات ضد البنك في سويسرا بسبب دور بنك كريدي سويس في شطب سندات المستوى الأول الإضافية، على الرغم من توجيهه للقيام بذلك من قبل الحكومة وهيئة فينما حتى يصبح من الممكن المضي قدما في عملية الاستحواذ.
وقالت فيونا هنتريس، الشريكة في بالاس: "كان رد الفعل المعقول من جانب بنك كريدي سويس - الآن بنك يو بي إس - هو تحدي التوجه لشطب سندات المستوى الأول الإضافية. ليس من الجيد بما يكفي أن أقول: لقد طلب مني المنظم الخاص بي أن أفعل ذلك".
وتم رفع دعويين على الأقل من مجموعات من مستثمري الأسهم في بنك كريدي سويس إلى المحكمة التجارية في زيورخ، بحجة أنه ينبغي لبنك يو بي إس تعويض المساهمين عن المساومة على الصفقة المخفضة التي تفاوض عليها.
وبموجب القانون السويسري، يمكن للمساهمين في الشركة التي تم الاستحواذ عليها، والذين شعروا بأنهم لم يتلقوا تعويضا عادلا، أن يطعنوا أمام القاضي للحصول على تعويض "مناسب". وفي هذه الحالة، يجادل المحامون بأن بنك يو بي إس يجب أن يدفع أي تعويض يتم يقرره القاضي.
وكشف البنك السويسري النقاب عن أرباح فصلية بقيمة 29 مليار دولار الشهر الماضي - وهو رقم قياسي لبنك - الذي يرجع بالكامل تقريبا إلى مكاسب محاسبية حققها من صفقة كريدي سويس.
وقال أريك روشكي، الأمين العام لجمعية حماية المستثمرين السويسرية (إس أيه إس في)، التي رفعت دعوى في المحكمة التجارية في زيوريخ بالنيابة عن 1500 من المساهمين في كريدي سويس في أغسطس الماضي: "إذا نظرت إلى هذه الأرباح الاستثنائية، فهذا مؤشر على أن السعر الذي دفعه بنك يو بي إس مقابل بنك كريدي سويس كان منخفضا للغاية".
واجتذبت دعوى قضائية أخرى نظمتها شركة ليجال باس الناشئة في لوزان، ثلاثة آلاف مطالب. ورفضت كل من جمعية حماية المستثمرين السويسرية وليجال باس الكشف عن حجم مطالباتهما.
وجادل بنك يو بي إس بأنه لا ينبغي النظر إلى المكاسب المحاسبية البالغة 29 مليار دولار على أنها ربح تقليدي، لأنها ستستخدم في الغالب لدعم أصول كريدي سويس وتعزيز القوة الرأسمالية للبنك المدمج.
ومع ذلك، فإن مبلغ 3.3 مليار دولار الذي دفعه بنك يو بي إس مقابل بنك كريدي سويس كان أقل من نصف القيمة السوقية للبنك في يوم التداول الأخير قبل إبرام الصفقة وجزء صغير من قيمته الدفترية.
يهدد احتمال استمرار التحديات القانونية التي ستمتد لأعوام تشتيت انتباه المديرين التنفيذيين الذين يحاولون إنجاح أهم اندماج مصرفي منذ الأزمة المالية العالمية.
وقال روشكي من جمعية حماية المستثمرين السويسرية: "عليهم أن يقرروا ما إذا كان من الأفضل أن تكون النهاية مؤلمة أو أن يكون الألم لا نهاية له".
وامتنعت هيئة فينما وبنك يو بي إس والحكومة السويسرية عن التعليق.