الحرب ليست حتمية لا فكاك منها «2 من 2»

الواقع أن العبارات المبتذلة حول "الجنوب العالمي" أو التضامن بين أعضاء مجموعة البريكس "البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا" مضللة إلى حد بعيد، لأنها تتجاهل الخصومات الداخلية ضمن هذه الفئات. علاوة على ذلك، ستظل ثروات الحلفاء الديمقراطيين الغربيين مجتمعة متفوقة على ثروة الصين "إضافة إلى روسيا" لعقود طويلة في قرننا هذا.
لكي تحرز الاستراتيجية الأمريكية النجاح في التعامل مع الصين فلا بد أن تحدد أهدافا واقعية. إذا كانت الولايات المتحدة تعـرف النجاح الاستراتيجي على أنه النجاح في تحويل الصين إلى ديمقراطية غربية، فمن المرجح أن تفشل، ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني يخشى التحرير على طريقة الغرب، والصين أكبر من أن يتسنى غزوها أو تغييرها جوهريا بأساليب قسرية. وتنطبق هذه الحقيقة على الجانبين، فالولايات المتحدة لديها مشكلات داخلية، لكن من المؤكد أن هذه المشكلات لا تدين بأي شيء لجاذبية الشيوعية الصينية. في هذا الجانب المهم، لا تشكل الصين ولا الولايات المتحدة تهديدا لوجود الأخرى ما لم تتورط في حرب كبرى.
لا يتمثل أفضل تشبيه تاريخي هنا في أوروبا ما بعد 1945 أثناء الحرب الباردة، بل أوروبا ما قبل الحرب العالمية الأولى في 1914. لقد رحب قادة أوروبا بما تصوروا أنه سيكون صراعا قصير الأمد في البلقان، لكنهم حصلوا بدلا من ذلك على سنوات الحرب العالمية الأولى الأربع الرهيبة. الآن، يتنبأ بعض المراقبين بأن تنزلق الولايات المتحدة والصين إلى حرب مماثلة حول تايوان، التي تعدها الصين إقليما متمردا. عندما التقى نيكسون وماو تسي تونج في 1972، لم يتمكنا من الاتفاق على هذه القضية، لكنهما ابتكرا صيغة تقريبية لإدارتها التي دامت نصف قرن من الزمن. لا استقلال لتايوان بحكم القانون، ولا استخدام للقوة ضد الجزيرة من جانب الصين. ويتطلب الحفاظ على الوضع الراهن ردع بكين وفي الوقت ذاته تجنب أي استفزاز قد يتمثل في دعم استقلال تايوان بشكل قانوني. الحرب مجازفة، لكنها ليست مجازفة حتمية.
ينبغي للولايات المتحدة أن تتوقع صراعات اقتصادية منخفضة الحدة مع الصين، لكن هدفها الاستراتيجي يجب أن يكون تجنب التصعيد، وهو ما أطلق عليه أنتوني بلينكين وزير الخارجية الأمريكي أخيرا وصف "التعايش السلمي". هذا يعني استخدام الردع لتجنب اندلاع حرب ساخنة، والتعاون كلما أمكن، والاستفادة من القوة الأمريكية الصارمة والناعمة لاجتذاب الحلفاء، وحشد الأصول المحلية اللازمة للمنافسة بنجاح. يجب أن يكون الهدف تشكيل سلوك الصين الخارجي من خلال تعزيز تحالفات أمريكا ومؤسساتها الدولية.
على سبيل المثال، يتمثل المفتاح في تعزيز المصالح الأمريكية في بحر الصين الجنوبي في اليابان، الحليفة الوثيقة التي تستضيف قوات أمريكية، ولكن لأن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى تعزيز مزاياها الاقتصادية والتكنولوجية، فمن الحكمة أن تتبنى سياسة تجارية آسيوية أكثر نشاطا، وتقدم المساعدة إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل التي تتودد إليها الصين. تشير استطلاعات الرأي العالمية إلى أن الولايات المتحدة قادرة، إذا حافظت على انفتاحها الداخلي وقيمها الديمقراطية، على اكتساب قدر أعظم كثيرا من القوة الناعمة مقارنة بالصين.
الواقع أن الاستثمار في قوة الردع العسكرية الأمريكية يلاقي ترحيبا من قبل دول عديدة راغبة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين لكنها لا تريد الخضوع لهيمنتها. وإذا حافظت الولايات المتحدة على تحالفاتها وتجنبت شيطنة الآخرين واللجوء إلى قياسات تاريخية مضللة، فستصبح "المنافسة التعاونية" هدفا مستداما.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي