أمضى محافظو البنوك المركزية الأعوام القليلة الماضية في صراع مع المجهول. هل ستنخفض أسعار الأشياء، حيث أصبح الحصول عليها أقل كابوسا؟ هل يمكن أن تبطئ الشركات عملية التوظيف دون الدخول في فورة من التسريحات؟ وهل سيتم إنفاق الأموال النقدية التي تم جمعها خلال الجائحة؟ والآن، مع احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي بإيقاف رفع أسعار الفائدة مؤقتا، فإن المصدر الثالث لعدم اليقين بدأ يتلاشى.
بشكل عام، بينما اختارت الأسر في أمريكا إنفاق أموالها الإضافية، فإن الأسر في بريطانيا ومنطقة اليورو امتنعت عن ذلك.
ليس من غير المعتاد أن يزيد الناس على أموالهم التي يدخرونها لوقت الحاجة خلال فترات الركود. لكن الزيادة في المدخرات خلال الجائحة كانت غير عادية. ففي الذروة خلال الربع الأول من 2020، كانت الأسر في منطقة اليورو وبريطانيا وأمريكا تخزن ربع دخلها المخصص للإنفاق. وقد ذهب هذا إلى ما هو أبعد من الاحتياطات العادية، أو حتى الرغبة في تحويل الإنفاق من اليوم إلى الغد. كانت تدخر لأن عمليات الإغلاق منعتها من القيام بأي شيء آخر.
مع عودة الحياة إلى طبيعتها، راقب محافظو البنوك المركزية الأمر بحذر. حيث كانت ظروف ما بعد الجائحة معقدة بما فيه الكفاية، ومن شأن الاندفاع في الإنفاق أن يعوم الأسعار ويجعل مكافحة التضخم أصعب، إذ تشير التجربة التاريخية إلى أنه ينبغي عليهم الحذر. فخلال الحرب العالمية الثانية، أسهم التقنين الأمريكي في زيادة هائلة في المدخرات، فقد وجدت ورقة عمل أعدتها جيليان برونيت من كلية سميث وسانديل هلاتشوايو من مجلس المستشارين الاقتصاديين أن الأماكن التي شهدت أكبر الزيادات شهدت نسبة أكبر من الناس ينفقون الأموال على الحمامات الحديثة والثلاجات الكهربائية والسيارات.
وبعد التعديل وفقا للتضخم، شهد 2022 انخفاضا في المداخيل الحقيقية في أمريكا. ولكن في الوقت نفسه زاد الإنفاق الحقيقي. وانخفض معدل الادخار إلى أقل من مستواه قبل الجائحة. لقد كان الناس يحاولون الحفاظ على مستويات معيشتهم – وهذا عادل بما فيه الكفاية. لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يشكرهم.
إن الرهان ضد المستهلك الأمريكي أمر جريء. ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن مصدر فورة شرائهم قد يجف. توقع خبراء الاقتصاد في مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه ابتداء من الربع الثالث من هذا العام (أي الآن) سيكون قد تم إنفاق المدخرات الفائضة للأسر الأمريكية. ويشير التحليل الذي أجراه كريس ويت من بنك جيه بي مورجان تشيس إلى أنه قبل الجائحة، كان الناس يميلون إلى الاحتفاظ بما يعادل إنفاقهم في أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع في حساباتهم المصرفية، وكانت الأسر الفقيرة تحتفظ بقدر أقل قليلا، بينما تحتفظ الأسر الأكثر ثراء بأكثر قليلا. وفي الذروة ارتفع ذلك إلى نحو أربعة أسابيع. أما الآن فقد عاد السلوك في الغالب إلى ما كان عليه من قبل.
كانت التجربة في منطقة اليورو مختلفة تماما. وبالاستثناء الملحوظ لإيطاليا، كانت الأسر تميل إلى الإحجام عن الإنفاق. ولم ينهر معدل الادخار في منطقة اليورو، بل عاد إلى مستويات ما قبل الجائحة تقريبا. (في بريطانيا، يعني ارتفاع مساهمات المعاشات التقاعدية أن الادخار لا يزال مرتفعا).
لماذا كانت الاستجابة على جانبي الأطلسي مختلفة تماما لهذه الدرجة؟ ففي الـ21 من سبتمبر، أشار أعضاء لجنة السياسة النقدية في بريطانيا إلى أنه من الممكن أن ارتفاع ثقة المستهلك في أمريكا قد أسهم في ذلك. وبالنظر إلى مؤشرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يبدو أن البريطانيين كانوا أكثر كآبة من الأمريكيين منذ بداية 2022. لكن رغم الحرب الدائرة على عتبة أبوابهم، فإن مستخدمي اليورو لا يبدون كئيبين.
قد يرجع الاختلاف إلى طبيعة الدعم الحكومي أثناء الجائحة. فقد ركز الدعم الأوروبي بشكل أكبر على إبقاء الناس في وظائفهم. وكانت شيكات التحفيز الأمريكية غير مستهدفة وتقدمية نسبيا، لذا من المرجح أن يتم إنفاقها. لكن على الرغم من أن الدور الذي تلعبه تلك الإعانات النقدية لافت للنظر، إلا أنه لا ينبغي المبالغة في تقديره. ونظرا لأدلة الاستطلاع التي تشير إلى أن نحو ثلث الأشخاص قد ادخروا الإعانات، فإنها لا تمثل سوى عشر الفائض.
مع مرور الوقت، يبدو من المرجح بشكل متناقص أن تحاكي بريطانيا ومنطقة اليورو السلوك الأمريكي. فقد وجدت نشرة أصدرها خبراء اقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي أنه بينما احتفظت الأسر الأمريكية بمدخراتها الفائضة في شكل ودائع نقدية، فإن الأسر في منطقة اليورو لم تفعل ذلك. بل زادت المدخرات في الأشكال الأقل سيولة بشكل أكبر مما كان متعارفا عليه قبل الجائحة. وهذا له آثار كبيرة في فرص إنفاق الأموال. وفي حين إن الناس يميلون إلى استهلاك نحو نصف الزيادة في أصولهم السائلة، فإن الحصة تقترب من 5 في المائة في أصولهم غير السائلة.
رأى الاقتصاديون في بنك جولدمان ساكس أن المدخرات المتراكمة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة للغاية من صافي القيمة المالية للأسر، وتتم إدارتها على نحو متزايد كالأصول الأخرى. ويبدو من غير المرجح أيضا أن يكون هناك كثير من الطلب المكبوت الذي لم يتم إطلاق العنان له بعد. فإذا أراد الأجداد الذهاب في رحلة على متن قارب سياحي، فمن المحتمل أن يكونوا قد ذهبوا الآن. وربما يمكن استخدام المدخرات لتخفيف الإنفاق في حالة حدوث الركود. لكن خطر حدوث زيادة آخذ في التراجع.

ماذا حدث للمدخرات التي تم الاحتفاظ بها خلال الجائحة؟

أضف تعليق