لدى الناس في كيكويو مصطلح يلخص حقبة جديدة من الاختناقات المرورية، والارتفاع الكبير في أسعار العقارات، والمعارك من أجل الموظفين "صدمة تي إس إم سي".
لقد شهدت هذه البلدة اليابانية الصغيرة واقتصادها تحولا جذريا منذ أن بدأت شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية "تي إس إم سي" في بناء أول مصنع لها في اليابان قبل خمسة أشهر.
وقال تاكاتوشي يوشيموتو، عمدة مدينة كيكويو، في مقابلة أجريت معه في مكتبه "كان وصول شركة تي إس إم سي مفاجئا للغاية. لقد أصبحنا مشهورين على الفور، وكان الأمر كما لو أن كيكويو أصبحت فجأة بالغة بعد أن كانت طفلة".
أصبحت مدينة كيكويو ومحافظة كوماموتو المحيطة بها، في جزيرة كيوشو غرب اليابان، مرتبطتين بشكل وثيق الآن بمسعى البلد لإحياء سمعته كمركز دولي لتصنيع الرقائق، بينما يسعى العالم للحصول على إمدادات متنوعة من أشباه الموصلات للتخفيف من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة.
كما تقدم التغييرات في كوماموتو لمحة عن التحديات الأوسع التي يواجهها الاقتصاد الأكثر تقدما في آسيا بعد فترة طويلة من ركود النمو وأجور الموظفين. ومن النقص الحاد في العمالة إلى القيود المفروضة على البنية التحتية، فإن وصول شركة تي إس إم سي يجبر اليابان على مواجهة المشكلات التي ظلت مستعرة لأعوام.
وقال كازوفومي أونيشي، عمدة مدينة كوماموتو "نطلق عليها صدمة تي إس إم سي، لكنني أعتقد أن هذه فرصة كبيرة لتغيير هيكل المجتمع والاقتصاد الياباني. وبعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى هذا النوع من الصدمة لكي نتغير".
كوماموتو بالفعل موطن لعشرات من مصانع الرقائق اليابانية، كيكويو، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها نحو 44 ألف نسمة وتحيط بها حقول الذرة، لديها مصانع تصنع أجهزة استشعار الصور لشركة سوني ومعدات الرقائق لشركة طوكيو إلكترون. لكن وصول شركة تي إس إم سي له أهمية مختلفة.
إنه يشير إلى مرحلة أخرى من دورة الازدهار والكساد في صناعة أشباه الموصلات في اليابان، التي صعدت شركاتها إلى الهيمنة في الثمانينيات قبل أن تتخلى عن تفوقها لمنافسيها في كوريا الجنوبية، وتايوان والصين في النهاية.
ولضمان إمدادات مستقرة من الرقائق، قدمت الحكومة اليابانية إعانات بقيمة 3.2 مليار دولار لتغطية نحو نصف تكاليف البناء لـ"تي إس إم سي"، أكبر شركة لتصنيع الرقائق بموجب عقود في العالم.
وقال أونيشي "إن وصولها يمثل فرصة عمر لإحياء المنطقة كمركز عالمي لأشباه الموصلات".
ووفقا لمجموعة كيوشو فاينانشيال، وهي جهة إقراض إقليمية، من المتوقع أن يؤدي دخول شركة تي إس إم سي لكوماموتو إلى تعزيز الاقتصاد المحلي بقيمة 4.29 تريليون ين "29 مليار دولار" على مدى العقد المقبل عبر توفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية وجذب شركات أخرى إلى المنطقة.
لكنه يطرح أيضا مشكلات للاقتصاد المحلي.
نشرت شركة تي إس إم سي إعلانات وظائف في الربيع للمهندسين، حيث عرضت أجورا شهرية أعلى بنحو الثلث من متوسط الأجور لخريجي الجامعات في شركات التصنيع المحلية. ومن المتوقع أن يوفر مصنعها في كوماموتو 1,700 وظيفة مهنية في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
قالت شركة تي إس إم سي "إن الأجور تم قياسها مقارنة بتلك الموجودة في شركات التكنولوجيا المشابهة لتكون قادرة على المنافسة"، مضيفة أنها "واثقة بأن اليابان ستوفر موظفين متميزين".
لكن بالنسبة إلى الشركات المحلية، فإن الزيادة المفاجئة في الأجور التي أثارتها شركة تي إس إم سي أدت إلى تسريع اتجاه الموظفين الأصغر سنا إلى تبديل وظائفهم بشكل متكرر للحصول على أجور أعلى وظروف عمل أفضل وسط نقص في العمال.
كان الحد الأدنى للأجور في كوماموتو من بين الأدنى في اليابان، ونحو 40 في المائة من خريجي المدارس الثانوية يبحثون عن وظائف في أماكن أخرى.
خسرت كونجو، وهي شركة تصنيع أنظمة تخزين مقرها كوماموتو، نحو 5 في المائة من عمالها البالغ عددهم 300 عامل خلال العام الماضي، بعضهم لمصلحة شركة تي إس إم سي وغيرها من الشركات ذات الصلة بأشباه الموصلات.
قال توشيهيكو تاناكا، الرئيس التنفيذي لشركة كونجو، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة اتحاد كوماموتو الصناعي "من السهل إلقاء اللوم على شركة تي إس إم سي عندما يغير موظفونا وظائفهم. لكن حركة الموظفين هي اتجاه لا مفر منه.. ونحن بحاجة إلى تغيير عقليتنا للتركيز على كيفية رفع أداء كل فرد مع تقلص القوى العاملة لدينا".
وقال تاناكا "إن اليابان بحاجة إلى أن تتعلم أن تنجز بـ80 موظفا، ما كان يتطلب 100 موظف".
ومع ذلك، قال بعض قادة الشركات "إن هناك حدا لقدرة الشركات على معالجة نقص العمالة من خلال زيادة الإنتاجية ومزيد من الأتمتة".
تعد شركة يابان متيريال، ومقرها مقاطعة مي، مزودا لخدمات الصيانة التي تستخدمها شركة تي إس إم سي بشكل متكرر لمصانعها. ورغم خبرة الشركة، إلا أن هيساو تاناكا الرئيس التنفيذي قال "إن التحدي المتمثل في تأمين الأشخاص في كوماموتو كان شاقا".
يتعين على كثير من الموظفين اجتياز اختبار والحصول على ترخيص مهني للعمل المطلوب في شركة تي إس إم سي. يتطلب إجراء شركة يابان متيريال، الذي يستغرق 30 دقيقة لاستبدال أسطوانة غاز واحدة في مصنع تي إس إم سي، ثلاثة عمال مرخصين، وتتوقع الشركة استبدال ما يصل إلى عدة مئات من الأسطوانات شهريا. كما أنها تحتاج إلى موظفين مرخصين للقيام بأعمال صيانة المياه على مدار 24 ساعة.
كما تقوم اليابان بمراجعة قواعد العمل في العام المقبل للحد من العمل الإضافي لسائقي الشاحنات، لذلك ستحتاج شركة يابان متيريال إلى مزيد من السائقين لتوصيل العدد نفسه من المنتجات إلى شركة تي إس إم سي. وهي تخطط لنقل بعض أسطوانات الغاز بالقطار.
قال تاناكا "يمكنك بناء مصنع لأشباه الموصلات إذا وفرت الحكومة الأموال، لكن ماذا تفعل بالأشخاص اللازمين لعملياته؟".
وتتفاوض شركة يابان متيريال للحصول على مئات الموظفين في الشركات اليابانية المرتبطة بأشباه الموصلات والتي من المتوقع أن تغلق الشركات غير المربحة في العام المقبل. ومن خلال مثل هذه الإجراءات، يأمل تاناكا تأمين نحو 300 عامل لدعم شركة تي إس إم سي.
وقال تاناكا "إذا نظرت إلى الشركات الأخرى، فستجد أن هناك كثيرا من الحالات التي يرفضون فيها إجراء عمليات الصيانة حتى لعملائهم الحاليين الذين يرغبون في زيادة الإنتاج، لأنه لا يوجد عدد كاف من الأشخاص. إنه وضع لا يصدق".
وبحلول الوقت الذي تبدأ فيه شركة تي إس إم سي الإنتاج في أواخر عام 2024، من المرجح أن يؤدي الانتعاش المتوقع في سوق أشباه الموصلات العالمية إلى جعل العثور على العمال أكثر صعوبة. في يوليو، كان هناك 1.3 وظيفة مفتوحة لكل متقدم في كوماموتو. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة عندما يتم استنفاد وفرة الرقائق وتعزز شركات أشباه الموصلات الإنتاج.
وقال أشخاص على دراية بالمحادثات "إن شركة تي إس إم سي تدرس بناء كثير من مصانع الرقائق الأخرى في اليابان". وقالت الشركة "إنها تدرس ما إذا كانت ستبني مصنعا ثانيا"، لكنها امتنعت عن الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وقال مينيو نيتا، المدير العام لمكتب العمل في المحافظة "بحلول نهاية العام المقبل، سيكون الوضع صعبا للغاية ونتوقع أن يصبح نقص العمالة وضعا دائما في كوماموتو".
يمتد النقص في كيكويو إلى ما هو أبعد من القوى العاملة. هناك طلب مرتفع على كل شيء، من الطرق والممتلكات إلى المدارس الدولية وحتى حقول الأرز، التي تعتبر بالغة الأهمية للحفاظ على موارد المياه الجوفية.
بعد قرار شركة تي إس إم سي بناء المصنع في كوماموتو، قفز متوسط أسعار الأراضي التجارية في كيكويو بنسبة 26 في المائة في العام المنتهي في يوليو، وفقا لبيانات وزارة الأراضي.
يزدحم الطريق الرئيس الوحيد المؤدي إلى المصنع، القريب من مصنع سوني، بالسيارات والشاحنات في أوقات الذروة. طلبت المدينة من الشركات تشجيع الموظفين على تنظيم أوقات التنقل لتخفيف الازدحام إلى أن يتم تشييد مزيد من الطرق.
وتستخدم مصانع الرقائق أيضا كميات هائلة من المياه، ما يثير القلق المحلي بشأن الإمدادات.
وهناك خوف محلي أكبر حتى وهو الحفاظ على المياه الجوفية في المنطقة، نظرا لأن مصانع الرقائق تستخدم كميات هائلة من المياه. وتعهدت الوحدة المحلية لشركة تي إس إم سي بتجديد كميات من المياه الجوفية أكثر مما تستخدمه، ومن المتوقع أن تتبنى طريقة ساعدت شركة سوني في ابتكارها قبل 20 عاما، وهي إغراق حقول الأرز خارج موسم النمو حتى يمكن إعادة امتصاص المياه.
لكن نظرا لانخفاض أسعار الأرز -وشيخوخة المزارعين في اليابان- فقد أصبح من الصعب على نحو متزايد تأمين حقول أرز جديدة لتجديد المياه الجوفية.
وقال يوشيموتو "الأرض محدودة، ونظرا لقدراتنا، لا أعتقد أنه يمكننا استيعاب مزيد من الشركات الجديدة".
ومع ذلك، يقول "إنه بالنسبة إلى كيكويو، أظل أقول لمسؤولينا إنه لا يوجد سوى تأثير إيجابي من شركة تي إس إم سي، لأننا سنكون جزءا من مشروع تاريخي".

صدمة عملاق الرقائق .. فرصة عمر لبلدة صغيرة

أضف تعليق