FINANCIAL TIMES

صناديق التحوط تتزاحم في سوق سندات الخزانة .. الخوف من اضطراب مفاجئ

صناديق التحوط تتزاحم في سوق سندات الخزانة .. الخوف من اضطراب مفاجئ

صناديق التحوط تتزاحم في سوق سندات الخزانة .. الخوف من اضطراب مفاجئ

قبل عام، انفجر جيب من الأموال المقترضة على حافة أسواق السندات البريطانية بقوة كافية للإطاحة برئيس الوزراء، وجر بنك إنجلترا إلى عملية إنقاذ طارئة.
الآن، تعمل الهيئات التنظيمية الأكثر نفوذا في العالم على تكثيف تدقيقها للمخاطر المحتملة المتزايدة التي تهدد ابن عم سوق السندات الحكومية الأكبر منها بكثير: سوق السندات الحكومية الأمريكية البالغة قيمتها 25 تريليون دولار.
وخلال الشهر الماضي، أشار بنك التسويات الدولية، هيئة تجمع البنوك المركزية في العالم، ومعه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى تراكم سريع في رهانات صناديق التحوط في سوق سندات الخزانة.
ينطوي ما يسمى بالتداول الأساسي على اللعب بسعرين متشابهين للغاية للديون ضد بعضهما بعضا - بيع العقود الآجلة وشراء السندات - واستخراج المكاسب من الفجوة الصغيرة بين الاثنين باستخدام الأموال المقترضة.
ويختلف الطرفان الرئيسان والاستراتيجية نفسها عن أولئك المشاركين في انهيار الاستثمار المدفوع بالالتزامات في المملكة المتحدة العام الماضي. لكن هناك شيئا واحدا مشتركا بينهما: اصطدام الاستدانة الثقيلة مع تحركات السوق المفاجئة وغير المتوقعة، والسرعة التي قد يؤدي بها ذلك إلى مشكلات خطيرة محتملة.
من الصعب تحديد نطاق التداول الأساسي. وحتى الاحتياطي الفيدرالي يفتقر إلى بيانات دقيقة. لكن المراكز القصيرة لصناديق الاستدانة في العقود الآجلة الأكثر سيولة وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند نحو 900 مليار دولار في أواخر أغسطس، وفقا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع. حتى لو لم يتم استخدام كل ذلك في التداول الأساسي، فقد قال الاحتياطي الفيدرالي إن الاستراتيجية تشكل "ثغرة في الاستقرار المالي"، بينما قال بنك التسويات الدولية إن لديها القدرة على "إحداث خلل" في التداول.
المخاطر من هذا النوع مهمة لأن سوق سندات الخزانة الأمريكية تدعم النظام المالي العالمي. ويمثل العائد على ديون الحكومة الفيدرالية ما يسمى بالمعدل الخالي من المخاطر الذي يعد المعيار لكل فئة من فئات الأصول. وقد سلطت أزمة السوق البريطانية القصيرة لكن المدمرة التي وقعت قبل عام الضوء على مدى السرعة التي يمكن أن تصبح بها الأسواق غير منظمة عندما يتم استخدام الاستدانة - وهو مصدر قلق متزايد الضغط بالنسبة إلى الهيئات التنظيمية التي تركز على المشكلات المحتملة التي تراكمت خلال أكثر من عقد من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.
ويرى المحللون، والخبراء والمستثمرون أن تدخلات الاحتياطي الفيدرالي في سوق الخزانة في سبتمبر 2019 ومارس 2020، من بين أمور أخرى، أدت إلى الاعتقاد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيتدخل في أي حالة من عدم الاستقرار الشديد في السوق، ما يدعم ضمنيا تداول المضاربة.
ويقول مورجان ريكس، أستاذ في كلية فاندربيلت للحقوق، حيث يتخصص في التنظيم المالي: "أعتقد جازما أن الخطر الأخلاقي حقيقي للغاية هنا. لذا لا أعتقد أنه من غير المعقول الاعتقاد بأن دعم الاحتياطي الفيدرالي الضمني لهذا التداول يشجع على حدوث مزيد من التداول".
لكن صناديق التحوط ترد بأنها أصبحت الآن مصدرا حيويا للسيولة في هذا القطاع. يقول فيليب جوردان، رئيس كابيتال فاند مانيجمنت، وهو صندوق تحوط تبلغ أصوله عشرة مليارات دولار: "السوق بحاجة إلى مراجحين. بدونهم سيكون إصدار الأوراق أكثر تكلفة للحكومة، وأكثر تكلفة لصناديق التقاعد للتداول. هناك سبب وراء وجود هذا النظام البيئي".

العودة إلى الأساس

لعبت صناديق التحوط -ولا تزال- دورا متزايد الأهمية في أداء سوق الخزانة في الأعوام الأخيرة.
انسحب المتعاملون الأساسيون، وهم البنوك الـ24 التي تتعامل مباشرة مع وزارة الخزانة وتسهل التداول للمستثمرين، من دورهم منذ 2008، بسبب القواعد التي جعلت الاحتفاظ بالسندات أكثر تكلفة بالنسبة إليهم.
مع نمو سوق سندات الخزانة - من نحو خمس تريليونات دولار في بداية 2008 إلى 25 تريليون دولار اليوم - قامت صناديق التحوط والمتداولون بسرعة عالية، الذين هم أقل شفافية وأقل تنظيما مشددا من البنوك، بتعويض التراخي. إنهم يلعبون الآن دورا أساسيا، حيث يشترون السندات ويحددون الأسعار للمستثمرين الآخرين، جزئيا عبر التداول الأساسي.
لقد تكاثرت عمليات التداول الأساسي هذا العام مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ونمو حجم سوق سندات الخزانة. وقد أدى كلا العاملين إلى ارتفاع العوائد، ما أدى إلى زيادة الطلب في سوق العقود الآجلة من مديري الأصول الذين يتطلعون إلى تأمين العوائد، وقد وصلت مراكزهم الطويلة في بعض عقود سندات الخزانة إلى مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة.
يعمل التداول الأساسي عن طريق استغلال الفجوة في الأسعار بين عقود سندات الخزانة، التي تلزم المستخدمين بالشراء بسعر معين في تاريخ مستقبلي، وعلى السندات النقدية. وتبيع صناديق التحوط العقود الآجلة وتشتري السندات النقدية، التي يمكنها تسليمها إلى الطرف المقابل عندما يحين موعد استحقاق العقود الآجلة.
إن الفرق بين أسعار سندات الخزانة وأسعار العقود الآجلة ضئيل، وفي الأغلب ما يكون مجرد أجزاء قليلة من نقطة مئوية، وبالتالي فإن العائد ضئيل. لكن صناديق التحوط يمكنها تضخيم رهاناتها على أن الفجوة ستغلق باستخدام الأموال المقترضة لتمويل التداول.
ولأن سندات الخزانة تعد الضمانات الأعلى جودة، فإن أقسام الوساطة الرئيسة في بنوك وول ستريت الكبرى تكون سعيدة بالإقراض مقابلها، وفي الأغلب ما يكون ذلك بقيمتها الاسمية الكاملة وليس بخصم طفيف. في سوق الريبو (سوق إعادة الشراء) - إقراض قصير الأجل يسهل كثيرا من تداول سندات الخزانة - تحتاج صناديق التحوط إلى نشر مبالغ صغيرة فقط من النقد مقابل خطوطها الائتمانية، وفي بعض الأحيان تزيد الاستدانة بأكثر من 100 ضعف.
هناك اقتراض على الجانب الآخر من التداول أيضا، العقود الآجلة بطبيعتها منتجات استدانة، ومرة أخرى، تحتاج صناديق التحوط إلى تقديم كمية صغيرة فقط من الضمانات لتلبية متطلبات الهامش لبورصات العقود الآجلة. على سبيل المثال، تسمح عقود الخزانة الآجلة لعشرة أعوام التي تقدمها مجموعة البورصة الأمريكية سي إم أي بتداولات تصل إلى 54 ضعف الهامش النقدي المسجل.
وعبر الاستفادة من القدرة على الاقتراض على جانبي التداول، يمكن لصناديق التحوط استخدام استدانة ضخمة. ويقول رئيس أحد الصناديق التي شاركت في هذا التداول إن المتداولين تمكنوا في الماضي من الاستدانة بما يصل إلى 500 مرة.
وقد اجتذبت هذه الاستراتيجية أنواعا مختلفة من صناديق التحوط. حيث يقول المتداولون إن مجموعات متنوعة مثل سيتاديل، وميلينيوم منجمنت وروكوس كابيتال منجمنت، إضافة إلى متخصصين مثل سيميتري إنفسمنتس وجاردا كابيتال بارتنرز هي من بين كثير من الشركات التي تستخدم التداول الأساسي بشكل روتيني. رفضت الصناديق المعنية التعليق، أو لم تستجب لطلبات التعليق.

ماذا عن المخاطر؟

لكن البنوك المركزية والهيئات التنظيمية تخشى أن يتصاعد تأثير أي اضطراب مفاجئ في السوق بسرعة ويشكل حلقات ردود فعل بشعة.
لقد تم بالفعل إطلاق عدة طلقات تحذيرية. إذ قال الاحتياطي الفيدرالي إنه يعتقد أن الضغط على هذا التداول لعب دورا للتأثير في أسعار سندات الخزانة عندما بدأت عمليات الإغلاق الناجمة عن كوفيد- 19 في الولايات المتحدة في مارس 2020، وعد أيضا عاملا في توقف وجيز في سوق الريبو في سبتمبر 2019.
هناك عدة طرق يمكن أن ينهار بها التداول. الأول هو أن البنوك يمكن أن تتجنب المخاطرة في لحظات ضغوط السوق، وتقليص الاستدانة التي تسمح للصناديق بنشرها، أو زيادة تكلفة الإقراض قصير الأجل.
ويكمن السبب الآخر في أن غرف المقاصة التي تسهل عمليات التداول في العقود الآجلة يمكن أن تزيد من كمية الضمانات التي تحتاج إليها مقابل مركز التداول. وقد حدث هذا عندما انهار بنك وادي السيليكون في مارس، مع تسبب المخاوف من العدوى في إشعال شرارة ارتفاع سريع في الطلب على سندات الحكومة الأمريكية الآمنة. وردا على ذلك، قامت سي إم أي للمقاصة بزيادة هوامش سندات الخزانة الآجلة لعشرة أعوام بنسبة 15 في المائة.
كلاهما يجعل التداول أقل ربحية ويترك صندوق التحوط مع خيار: الحفاظ على التداول بتكلفة أعلى أو تفكيكه، ما يحتمل أن يؤثر في الأسواق الأوسع. التداول معرض بشكل مشابه للتحرك في أسعار سوق الريبو، ما قد يقلل من المبالغ التي ترغب البنوك في إقراضها مقابل صفقات صناديق التحوط.
ويقول مسؤول تنفيذي في هذا المجال في أحد البنوك الأمريكية الكبيرة: "كل هذه الاستراتيجيات معرضة لخطر كبير إذا ساءت السيولة. على سبيل المثال، إذا لم يتمكنوا من الدخول في صفقات جديدة في سوق الريبو الخاصة بهم أو زادت تكاليف عمليات التداول تلك".
تقول الهيئات التنظيمية إنه يمكن لعدد قليل فقط من الشركات الكبيرة التي تخرج من رهاناتها أن تشجع أو تجبر الآخرين على القيام بالشيء نفسه، ما يؤدي بسرعة إلى حلقة مفرغة من البيع بخسارة كبيرة في سوق الأصول الأكثر أهمية في العالم.
يقول ماثيو سكوت، رئيس تداول أسعار الفائدة في شركة أليانس بيرنشتاين: "أكثر ما يقلقني هو أننا إذا حصلنا على تفكيك كبير في هذا التداول المدين، فقد يؤدي ذلك في الواقع إلى جفاف السيولة في سوق سندات الخزانة".
وفي مثل هذا الوضع، سيكون من غير المرجح إلى حد كبير أن يقف البنك المركزي الأمريكي ببساطة ويراقب. يقول المسؤول التنفيذي في البنك الأمريكي الكبير: "الافتراض هو أن الاحتياطي الفيدرالي سيتدخل لإنقاذ سوق الريبو، كما فعل في السابق، لذلك وجهة نظري هي أنهم سيتدخلون مرة أخرى إذا حدث أي شيء".
وقد يشتمل التدخل على شراء السندات، وبالتالي تقويض مهمة البنك المركزي في تشديد السياسة إلى أن يهزم التضخم، ويصبح بمنزلة شبكة أمان رسمية للتداول.
تقول بعض الشركات إنها بدأت الانسحاب من هذا التداول. ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد صناديق التحوط الكبيرة: "إنه وضع شائك للغاية في الوقت الحالي وهناك مخاطرة كبيرة، وبالتالي فإن المخاوف هناك ليست بالضرورة مبالغا فيها".
لكن معظم صناديق التحوط النشطة في هذا المجال تقول إن المخاوف تم توجيهها بشكل خاطئ، وأن أي حملة صارمة يمكن أن يكون لها آثار كبيرة قاتمة.
يقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في أحد أكبر صناديق التحوط في العالم إن الكيانات ذات الإدارة الجيدة لا تقدم على مخاطر لا داعي لها. يقول المسؤول التنفيذي: "إنها ليست حلقة من مسلسل بيليونز. إنك تتحدث عن هوامش ربح ضئيلة في المراكز الكبيرة. إذا توقفت صناديق التحوط عن شراء سندات الخزانة، فلا أعرف من سيشتريها".
ويقول أحد متداولي الدخل الثابت في صندوق تحوط كبير آخر إن التداول الأساسي "موجود منذ نصف قرن، وهو مضمون بصورة مقصودة". وشريطة إدارته بشكل صحيح، فإنه "يلعب دورا أساسيا في الأداء السليم للنظام البيئي لسوق سندات الخزانة الأمريكية".
وتجادل الصناديق أيضا بأن السوق تتمتع بحماية أفضل بفضل إنشاء الاحتياطي الفيدرالي لتسهيل الريبو الدائم، الذي سيشتري سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري من البنوك مقابل قروض نقدية لليلة واحدة. ورغم أن صناديق التحوط لا تستطيع الوصول إلى هذا التسهيل، إلا أنها تساعد على منع الارتفاع المفاجئ في أسعار فائدة الريبو.

"تأمين مجاني"

يقول ريكس، من كلية فاندربيلت للحقوق، إن احتمال التدخل إذا أصبحت ظروف السوق جامحة هو بمنزلة "تأمين مجاني". "أعتقد أنه ينبغي أن نشعر بالقلق بشأن استخراج الإيجار من قبل الصناديق التي تشارك في هذا التداول، التي تعتمد على دعم الاحتياطي الفيدرالي".
ويقول المسؤول التنفيذي في البنك الكبير إنه في حين أن التداول الأساسي "يعاني حالة فرط الاستغلال بحيث إنه لم يعد يأتي بالنتائج المرجوة"، فإنه يمكن أن "يستمر لبعض الوقت بسبب هذا الخطر الأخلاقي".
اقترحت هيئة الأوراق المالية والبورصة، بقيادة رئيسها جاري جينسلر، كثيرا من الأنظمة الجديدة التي من شأنها أن تقيد صناديق التحوط والمتعاملين بسرعة عالية في سوق سندات الخزانة.
وبموجب إحدى القواعد، سيطلب من هذه الأنواع من المشاركين في السوق التسجيل كمتداولين، الأمر الذي سيزيد الرقابة والشفافية في نشاطهم التداولي. لكن النسخة النهائية من هذه القاعدة لم يتم نشرها أو تنفيذها بعد، ويعتقد أحد المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن أن صناديق التحوط ستقاوم أي قاعدة شديدة التقييد للمتداول عبر التقاضي.
ومع ذلك، فإن الحجة الأوضح التي تقدمها صناديق التحوط ليست أن التداول خال من المخاطر، بل إنه أصبح أساسيا في بيئة السوق الحالية لعمل النظام.
يقول دون ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة دي آر دبليو، إحدى أكبر شركات التداول المملوكة للقطاع الخاص في العالم: "إن المبلغ الإجمالي لديون الخزانة الأمريكية آخذ في النمو، والعجز موجود ليبقى، تماما كما يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتقليص حجم ميزانيته العمومية".
"ستستمر الحاجة إلى مشاركين ذوي استدانة في السوق لتسهيل هذا التحول من النقد إلى المشتقات في النمو، وسيؤدي تثبيطها إلى عواقب سلبية كبيرة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES