لا مأمن من غزو التسويق .. العامة أولوية ثانية
ألا توجد نهاية لأفكار التسويق؟ هل يقع أي جانب من جوانب الحياة العصرية في مأمن من الجهود الحثيثة لتصميم العلامة التجارية وترويجها وبيعها؟
طرأ هذا السؤال أثناء توجهي إلى المنزل من مطار هيثرو في لندن على مترو الأنفاق في وقت متأخر من الأحد الماضي، وعند الوصول إلى رصيف محطة شارع بوند، وجدت مفاجأة مبالغ بها إلى حد ما.
أخبرتني الغرائز التي شحذتها أعوام من التنقل عبر مترو الأنفاق أني كنت على الرصيف الصحيح لكن عيناي أخبرتني شيئا آخر. بدلا من لافتات المحطة بالأحمر القاني المعتادة المكتوب عليها "شارع بوند"، وجدت لافتات بالأزرق الصافي تقول "شارع بربري".
في كل مكان حولي، رأيت متنقلين حائرين يبدو أنهم يتساءلون، مثلي، "ماذا يحدث هنا؟".
لا أتذكر رؤية شيء ما عن بدء أسبوع الموضة في لندن.
لكن هل سمح الأشخاص في هيئة النقل في لندن الذين يديرون مترو الأنفاق حقا بإعادة تسمية محطة بأكملها على اسم ماركة أزياء بربري؟ على محطة مترو يستقلها زوار منحوسون قادمون من هيثرو؟
في اليوم التالي اتضح أنهم سمحوا بذلك، وأكد سيل من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي أني لست الوحيدة التي تسأل عن السبب.
لم يقتصر الأمر على احتمال أن يضيع سياح، أو أن يفوت الناس محطاتهم. ماذا لو كنت على كرسي متحرك، فاتتك المحطة ونزلت في إحدى محطات مترو إنفاق لندن العديدة دون مصعد؟
إلا أن هذا ليس الجزء الأهم في القصة.
ما يربك أكثر هو حقيقة أنه بحلول الأربعاء، كانت الضجة تتلاشى وفكرة التسويق التي استمرت أربعة أيام كانت، وفقا لخبراء، ناجحة.
كان الناس يتحدثون عن ذلك وينشرون عنه على إنستجرام، وعموما يجعلون "بربري" تتصدر على محرك جوجل، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
في أسبوع الموضة المقبل، إذا أصبحت محطة شارع جودج شارع جوتشي، أو استولت "برادا" على محطة بيكاديللي سيركس، فلن أتفاجأ.
لكني سأتساءل، كما أتساءل معظم الأحيان، ما الذي يجعل بريطانيا تقبل تسليم مساحة عامة قيمة من أجل مقايضة سريعة.
لماذا، مثلا، لافتات المعلومات على رصيف مترو الأنفاق التي توضح ما إذا كنت على المسار الصحيح تحشر بين لوحات إعلانات كبيرة حتى إنه يصعب العثور عليها في كثير من الأحيان؟
وحال دخولك إلى العربة، لم عليك مد رقبتك لرؤية الخرائط الرسمية العالقة فوق مزيد من الإعلانات حتى أو بينها؟
أنت لا تدرك لأي درجة مزعج هذا حتى تستقل قطارا تحت الأرض في مدينة مثل طوكيو. هناك، تحتوي الجدران قليلة الإعلانات التي تسر الخاطر على لافتات تساعدك على الانتقال من وجهة أ إلى ب فحسب، وليس لشراء هاتف جديد أو رحلة عطلة.
الأمور ليست أفضل كثيرا في مطار لندن العادي، حيث يستحيل تقريبا ركوب طائرة دون المشي أولا عبر أفدنة من أرفف السوق الحرة ذات المواقع الاستراتيجية لكن غير الضرورية أبدا.
أدرك أن هذه ليست مشكلة تنفرد بها المملكة المتحدة. لكن بعد أن اضطررت إلى العدو عبر معوقات مسارات المتاجر الإلزامية هذه لتجنب تفويت رحلات جوية من لندن، فأنا أكثر تقبلا لوجودها المزعج هنا.
مرة أخرى، من غير الواضح لم يجب وضع أولويات الركاب في المرتبة الثانية بعد أولويات أصحاب متاجر السوق الحرة.
على المرء ألا يتوقع إلا القليل من مطار بريطاني، على ما أعتقد. حتى وقت قريب، كان من الممكن فعل ما لا يزال الناس يعدونه مسلما في المطارات المزدحمة حول العالم، ألا وهو إنزال شخص ما عند صالات المغادرة مجانا.
الآن عليك دفع خمسة جنيهات استرلينية في مطارات جاتويك وهيثرو، وسبعة في ستانستيد، التي تعطيك 15 دقيقة. أي دقائق أخرى تكلفك 25.
على الأقل لا تتعرض لتسويق لا طائل من ورائه في هذه العملية.
لا يمكن قول الشيء نفسه عن عديد من المتاحف والمعارض الفنية التي جعلت الهروب مستحيلا منذ فترة طويلة إلا من طريق متجر الهدايا.
أميل إلى مسامحة المسؤولين عن هذا الإزعاج بالذات. البضائع الموجودة في المتحف لن تحجب خريطة مهمة أو تسهم في تفويت رحلة على الأقل.
لكن الأماكن العامة من الأنواع جميعها يجب أن تخدم العامة أولا. نعيش أوقاتا كثيرة من الحياة على الإنترنت حيث لا مفر من التسويق الرقمي. إن تكديس العالم الحقيقي بالإعلانات التي لا يريدها أحد، والترويج لأشياء لا نحتاج إليها، خطوة تجاوزت الحد بسرعة.