"باوربوينت" البرنامج الرديء المكروه .. كيف انتصر؟

"باوربوينت" البرنامج الرديء المكروه .. كيف انتصر؟

لقد تشكلت الجمالية في عصرنا في باريس عام 1992، في فندق ريجينا. حيث تمت إدارة المناسبة بعناية من قبل فريق من الفنيين الذين كانوا يدققون في جهاز ضخم للعرض الملون تساوي تكلفته منزلا صغيرا. جاء الكشف الكبير عندما صعد روبرت جاسكينز، مهندس البرمجيات في شركة مايكروسوفت، إلى المنصة، وقام بتوصيل حاسوبه المحمول الكبير بكابل فيديو وبدأ عرض شرائح باوربوينت بألوان كاملة، مباشرة من جهازه. وكان التصفيق بحسب جاسكينز "يصم الآذان".
بالطبع، كانت الوسائل البصرية المساعدة متوافرة قبل 1992. فعلى المستوى العالي، كانت هناك عروض شرائح منسقة بالحاسوب يتم فيها تصميم العشرات من أجهزة العرض لتتناسب مع الموسيقى والنصوص وفيما بينها، معطية نتائج مذهلة بتكلفة باهظة. كان المستوى المتوسط في السوق عبارة عن ورقة شفافة أحادية اللون أو ملونة يتم وضعها على جهاز عرض علوي (أوه إتش بي). في ذروة أجهزة العرض العلوية، كان يتم بيع أكثر من ألفي جهاز منها في الولايات المتحدة كل أسبوع. (للاطلاع على تاريخ مفصل وماتع للوسائل البصرية المساعدة، أوصي بقراءة مقال Absolute PowerPoint لكاتبه إيان باركر في مجلة ذا نيويوركر عام 2001، وأخيرا مقال Next Slide Please لكلير إيفانس في مجلة تكنولوجي ريفيو الصادرة عن معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا - إم أي تي).
أو كانت هناك الطريقة القديمة: الكتابة على السبورة السوداء أو البيضاء أو اللوحة الورقية القلابة. وقد تم دفع وسائل المساعدة البصرية المنافسة هذه إلى حافة الانقراض من قبل برنامجي باوربوينت وكي نوت، المصنوع من قبل شركة أبل.
هذا الأمر غريب، لأن قلة من الناس فقط يحبون برنامج باوربوينت. يقع فندق ريجينا على بعد خمس دقائق سيرا على الأقدام من متحف اللوفر، لكن باوربوينت يعد عالما بعيدا كل البعد عن الفنون الجميلة. تمكن جاسكينز وزميله دينيس أوستن، الذي توفي في وقت سابق من هذا الشهر، من صنع منتج رخيص وواسع الانتشار لدرجة أنه لا مفر منه ومكروه على نطاق واسع. كيف انتصر برنامج باوربوينت الرديء؟ وماذا يمكننا أن نتعلم من ذلك النصر؟
أحد الدروس هو أنه عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، نصبح كسالى. حيث نصل إلى أقرب أداة مألوفة لنا دون التفكير فيما إذا كانت هذه الأداة مناسبة للوظيفة، أو حتى التفكير بوضوح في ماهية الوظيفة. هل نحاول التفكير في مشكلة ما؟ أو إطلاق نقاش ما؟ أو نري الناس تلك الصورة التي تساوي ألف كلمة؟ إننا نتجاوز تلك الخطوة التأملية الحيوية لنضع بدلا منها قالب شرائح. ونظرا إلى أن الجميع يستطيع استخدام باوربوينت، فإن الجميع يفعل ذلك. هكذا ينتهي الأمر بالمديرين والمهندسين والمحامين الذين يتقاضون أجورا عالية منزعجين من الأحرف المطبعية ولوحات الألوان المستخدمة.
اللوم في هذا لا يقع على برنامج باوربوينت، تماما كما لا يجب أن ألوم الشركة الصانعة لسكين الجيش السويسري على النتائج السيئة إذا كنت أعتمد عليها لتثبيت بعض الأرفف، بدلا من استخدام مجموعة كاملة من الأدوات. الخطأ هو نزعتنا إلى استخدام أي شيء كان في متناول اليد.
يمكن للمرء أن يرى ذلك من خلال ملاحظة النزعة نفسها تقريبا في استخدامنا الكسول والعشوائي لبرنامج إكسل، شقيق برنامج باوربوينت. اكتب SEPT1 أو MARCH1 في إكسل وسيقوم البرنامج تلقائيا بتحويل هذه المدخلات إلى تواريخ. في العادة، هذا أمر لا بأس به، ولكنه مؤسف إذا كنت باحثا في علم الوراثة ولا تشير إلى هذه التواريخ، بل إلى الجينات التي تحمل الأسماء نفسها.
تم اكتشاف مشكلة التصحيح التلقائي للجين الوراثي منذ ما يقرب من 20 عاما ويبدو أنها تزداد سوءا. حيث تم تقدير نسبة الأوراق البحثية في علم الوراثة التي تحتوي على أخطاء بسبب التصحيح التلقائي في 2020 بأنها بلغت 30 في المائة. وقرر اتحاد تسمية الجين البشري إعادة تسمية الجينات المعنية، وقبل بحكمة منه أن ذلك سيكون أسهل من منع الباحثين من استخدام برنامج إكسل.
عند مقارنتها بالطريقة التي سيتم بها إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بصورة مشابهة، قد تبدو هذه المشكلات صغيرة. سنطلب من برمجية بارد، الذكاء الاصطناعي من جوجل، رسم حجة أو من برمجية دال-إي رسم صورة لنا، حتى لو كانت النتائج غير مكتملة في كثير من الأحيان. لماذا؟ لأنه في تلك اللحظة الصعبة، عندما نحدق في صفحة فارغة ونتساءل عما يجب القيام به، فإن هذه الأدوات توفر مخرجا لنا. كان باوربوينت يتضمن في السابق ميزة "المحتوى التلقائي Autocontent". وهذا يظهر رؤية ثاقبة كبيرة: نحن البشر سنستغل أي تكنولوجيا قد تحررنا من الحاجة المرهقة للتفكير بأنفسنا.
في كتاب التفكير السريع والبطيء، يلاحظ دانيال كانيمان أننا عندما نواجه سؤالا صعبا، فإننا في الأغلب ودون وعي منا نجد سؤالا أسهل يبدو أن له ارتباطا ما، ونقوم بالإجابة عنه بدلا من السؤال الصعب. قد يكون هذا النهج مفيدا، لكن الخطر يكمن في أن عملية الاستبدال هذه لا تتطلب جهدا بالمرة لدرجة أننا قد لا ندرك حتى أننا قمنا بها.
في عالم العروض التقديمية، في الأغلب ما يلعب برنامج باوربوينت دورا في هذا التحول اللاشعوري. حيث نواجه سؤالا صعبا: عندما أقف أمام جمهور، ما الذي أريد حقا إيصاله وكيف أفعل ذلك؟ من الأسهل بكثير أن نسأل، ما أول 50 نقطة تتبادر إلى الذهن عندما أفكر في إلقاء كلمة؟ ثم نتظاهر لأنفسنا بأن السؤالين يعادلان الشيء نفسه.
والنتائج هي خطابات مضجرة ومحشوة بحيث تلصق ملاحظات المتحدث مسبقا على الحائط خلفه. من الأفضل طباعة هذه النقاط على بطاقات ملاحظات بمقاس 3x5 بوصات، ولكن هذا من شأنه أن يهزم الهدف اللاشعوري المتمثل في السماح للمتحدث بالابتعاد قدر الإمكان عن مركز الاهتمام. عديد من مقدمي العروض يتمنون لو أنهم اختفوا ببساطة. وعند استخدام باوربوينت بهذه الطريقة، فقد يرغبون في ذلك أيضا.
أنا لا أحب برنامج باوربوينت، ولكن بوصفه تكنولوجيا، لا يوجد خطأ كبير فيه. يمكنه أن يفعل أي شيء تقريبا يمكنك فعله باستخدام عدد كبير مصمم بالحاسوب من أجهزة عرض الشرائح، وأكثر من ذلك بكثير. ويمكنه أن يفعل ذلك بشكل أكثر مرونة، وأكثر موثوقية، وأكثر رخصا بكثير.
لكن هذا هو الفخ. إلقاء الكلمة الرائعة يبدأ برسالة. يجب اختيار كل شيء آخر - سواء كانت نكتة أو قصة أو إحصائية أو صورة - لدعم تلك الرسالة. لطالما كان من السهل نسيان ذلك. في عالم يتوافر فيه باوربوينت، قد يكون من المستحيل تذكر ذلك الأمر.

الأكثر قراءة