إصلاح شامل لاقتصادات العالم العربي «2 من 4»

مع ارتفاع تكاليف خدمة الدين يضيق الحيز المتاح للتصرف من المالية العامة مع استمرار الحكومات في مواجهة الأخطار من الصدمات المستقبلية، والالتزامات الاحتمالية، وتفاقم الضغوط المناخية.
مع قيام الحكومات بسداد ديونها، ينبغي أن تعكف على تعبئة الإيرادات، عن طريق إلغاء الإعفاءات غير الفاعلة وتعزيز العدالة الضريبية، والحد من الإنفاق على الدعم غير الموجه، والسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام. فمثل هذه المصروفات تتسم بالجمود وتقيد قدرة الحكومات على الاستجابة للصدمات أو تمويل التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية. وفي تونس، على سبيل المثال، يلاحظ أن هذا النوع من الإنفاق يمثل أربعة أخماس الإيرادات.
على صعيد السياسة النقدية، ينبغي أن تواصل البنوك المركزية تنفيذ سياساتها الاستشرافية، من خلال التركيز بوضوح على استقرار الأسعار مع المحافظة على الاستقرار المالي حسب الحاجة. ويتعين تعديل السياسات كي تواكب البيانات الجديدة والتطورات في الأوضاع العالمية، إضافة إلى أوضاع السياسات في كبرى البنوك المركزية.
غير أن مجرد المحافظة على الاستقرار الاقتصادي الكلي لن يتحقق معها التغير التحولي المطلوب. فالاستقرار يمثل الأساس وليس البناية. والإصلاحات الهيكلية ستكون ضرورية أيضا لتحقيق النمو الشامل لجميع شرائح المجتمع.
تشكل شبكة الأمان الاجتماعي القوية وجيدة التصميم عاملا ضروريا للحفاظ على التماسك الاجتماعي. فمعظم الإنفاق الاجتماعي في المنطقة يذهب إلى الدعم العام غير الموجه للمستحقين. ورغم أن هذا الدعم العام يساعد على ضمان سهولة حصول الفقراء على الغذاء والوقود، إلا أنه يقترن بقدر هائل من الهدر، حيث يعود الجانب الأكبر من المنافع على الأثرياء، كما أنه يحد قدرة الحكومات على الاستثمار في البرامج الموجهة بصورة أفضل للمستحقين.
من شأن إحلال الدعم الموجه محل إعانات الدعم المعممة للأسعار أن يتيح لمن هم أشد احتياجا استشعار التحسن الفوري والملحوظ. وعلى هذا النهج ذاته، قامت المغرب بإلغاء دعم الوقود في 2016، واستحدثت مصر آلية مؤشر تسعير الوقود التلقائي في 2019، وخفضت موريتانيا دعم الوقود غير الموجه بدرجة كبيرة مع زيادة التحويلات النقدية على أساس تصاعدي إلى الفئات الأشد تأثرا.
يمكن كذلك التعجيل بتنفيذ آليات أعلى كفاءة لتوجيه المساعدات للمستحقين. ففي خلال فترة الجائحة، استطاع المغرب أن يصل بسرعة إلى العمالة في القطاع غير الرسمي باعتماد برنامج للتحويلات النقدية يستخدم نظام المدفوعات الرقمية. وبالمثل، قام الأردن بتحسين استهداف المستحقين من خلال نظام التحويلات النقدية، ولا سيما بتوسيع نطاق تغطيته.
وبشأن توسيع نطاق القطاع الخاص لأنه من شأن ضمان اضطلاع القطاع الخاص بدور أكثر شمولا أن يكون عاملا أساسيا لإيجاد فرص العمل. فالقطاع الخاص يوفر أكثر من 90 في المائة من الوظائف في الدول النامية. ومع اضطلاع القطاع العام بالعمل على إيجاد بيئة تمكينية، ينبغي أن تضطلع مؤسسات القطاع الخاص بمسؤولية زيادة الاستثمار والإنتاجية والقدرة التنافسية مع تدريب القوى العاملة للاستفادة من عالمنا التكنولوجي المتغير ... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي