سوق الملابس المستعملة .. متعة وفائدة
إذا كنت ستصل إلى منزلك ليلة الأحد من إجازتك بعد قيادة السيارة لعدة ساعات، أتخيل أنك ستقصد كرسيك المريح مع مشروب طيب المذاق، تستمتع بالسويعات الأخيرة من إجازتك السنوية.
لكني لست منكم يا سيدي. يقال إن عشية العودة إلى العمل أفضل وقت لتحميل إعلانات مبيعات جديدة على موقع فنتيد، فقد أمضيت تلك الأمسية الثمينة والأخيرة من العطلة متسمرة أمام جهاز الحاسوب المحمول، أفكر في أفضل طريقة لوصف سروال قصير للمراهقين والمستخدم مرة واحدة للمشترين المحتملين على سوق الملابس عبر الإنترنت.
قبل عدة فصول صيف ماضية، في زمن راحة البال وقبل أن تؤثر البيئة في العقل الجمعي كثيرا، لوجدتني نهاية يوليو عند تخفيضات متاجر هارفي نيكولز، أبحث عن سترة من ماركة دولتشي آند جابانا التجارية بسعر بخس. لكن هذه الأيام، أتلقى وملايين مثلي علاج التسوق ببيع الملابس "التي نحبها" عبر الإنترنت، نطارد شعور السعادة الذي يأتي من البيع. على حد تعبير دولي بارتون، حياتي مثل متجر خصومات – ولست وحدي في ذلك.
يبيع ثلث البريطانيين الآن ممتلكاتهم في منتديات عبر الإنترنت من نوع ما، ونسبة كبيرة منها ألبسة. حتى أن عددا أكبر منا (أربعة من كل عشرة) يشترون بضائع مستعملة عبر الإنترنت، وتضخمت سوق الملابس المستعملة إلى 6.5 مليار جنيه استرليني العام الماضي، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم بحلول 2027.
إنها ظاهرة نادرة وسعيدة، فهي هواية تمنحك جرعة من الدوبامين جراء البيع والشراء ومقترنة بخطوة نحو تقليل التأثير الناتج عنك في البيئة.
تعمل مؤسسة إلين ماك آرثر، التي أسستها محطمة الأرقام القياسية في الإبحار وحدها، على طرائق تجعل صناعة الأزياء أكثر استدامة، بنظام حلقة التدوير التي تركز على الألبسة عالية الجودة بحيث يمكن إعادة استخدامها وتدويرها. وفقا للبحث الذي أجرته المؤسسة، فإن عدد المرات التي يتم فيها ارتداء قطعة ما من الملابس قبل التخلص منها يتراجع حول العالم. حيث يتم ارتداء بعض الملابس سبع مرات فقط قبل أن ترمى في سلة المهملات.
أضف هذا التبذير إلى البيع النشط للأزياء السريعة، وسيصبح كابوس مطمر النفايات مخيفا أكثر. حتى التبرع لمتجر خيري يبدو غير كاف بعد أن ترى أكياس قمامتهم ملقاة في الشارع مملوءة بقطع غير مبيعة. على الأقل إذا اشترى شخص ما بدلة الجينز الكبيرة لابنتي من موقع فنتيد مقابل 4.99 جنيه استرليني، فهو فعلا راغب باقتنائها. الأمل في أن يجدها "متبضع اقتصادي" بعد أن يبحث بجهد بين رفوف "متجر صغير للبضائع المستعملة" خيري، يبدو مخاطرة. لا تشعر بسعادة عندما تدفع مالا مقابل شيء منظره أو ملمسه أو – ها سأقولها – رائحته تدل على أنه مستعمل.
تقدم موجة الإنترنت طرائق متنوعة كي تتلذذ بمتعة التسوق.
أولا، متعة إعادة اكتشاف الطرز القديمة للألبسة. مشاهدتي في الآونة الأخيرة لمسلسل سينفيلد جعلتني أركز على سترات كريمر المصنوعة من الحرير الصناعي بطراز الخمسينيات والستينيات وقمصان البولينج، ملابس الشخصية جذبت مجموعة كبيرة من المعجبين على "إنستجرام".
عندما كنا مراهقين، كنا نمضي أياما في متجر فليب أوف هوليوود، وهو متجر رائج في كوفنيت جاردن، حزن على إغلاقه كثير، نقرر أي سروال من سراويل ليفاي 501 البالية سيليق بقمصان المربعات من حدث بيع القطع المستعملة في المدرسة.
الآن، عدت إلى جنة الملابس القديمة، لقد اشتريت للتو قميصا رائعا بتفاصيل غربية مقابل ثمانية جنيهات استرلينية، وكما تقول دولي، "مع تصليحات قليلة ستصبح بجودة قطعة جديدة".
لكن الذي يسرع دقات القلب في الغالب هو إتمام الصفقات. على موقع إيباي، قبل تلاشي مشتري أزياء العمل خلال الإغلاق، كنت أستمتع بقليل من المراجحة. بالطبع، لم أكن لأتخلى مطلقا عن خمسة جنيهات استرلينية قد أكسبها في المزاد، مثلا، لسترة "لا يمكن استرجاعها" لم تكن تناسب مقاسي. العملية كانت مسلية وأيقظت شخصية صاحب المتجر في داخلي. لكن العكس صحيح على موقع فنتيد، فأسعار العرض متواضعة جدا لدرجة أن كل شيء تقريبا يبدو صفقة رابحة. إنه جنة البخلاء.
تكثر الحكايات المروعة، لكن جميعها جزء من رحلة حماية البيئة. هل كنت تعتقد أن لا أحد يريد سترتك القديمة التي قرضها العث؟ حسنا، فكر مرة أخرى يا صديقي. تم تصميم هذه الأسعار التي تبدأ من 99 بنسا في مزادات "إيباي" لإثارة شهية المزايدين المنافسين. أما "فنتيد"، فهو البحث المستميت عن أحد ما، أي أحد، للحيلولة دون أن ينتهي المطاف بمعطفك الرياضي البلاستيكي، مثلا، على متن قارب متجه إلى كومة القمامة الأكثر ازدحاما في العالم في كوريا الجنوبية، أو أن يسهم في زيادة بقعة النفايات الضخمة التي توجد في المحيط الهادي، تلك الدوامة الهائلة من القمامة العائمة.
يمكنني التخمين بأن بعض القراء يشعرون بالغرابة تجاه مثل هذه الاعترافات المخجلة. لكن الدافع الكامن وراء مقايضة مجموعة متنامية منا على قطع قماش هو رعب خالص، وبأنه لكوننا بهذه الدونية قد نكون في طريقنا إلى الارتقاء. لدى الحكومة الاسكتلندية الآن وزير للاقتصاد الدائري، سأقول إن جيشا من تجار الملابس الهواة على الإنترنت بدأوا بتشكيل طليعة سياسية بالفعل، وإن كانت الطليعة ترتدي ملابس غريبة الأطوار. (سيكون أمرا غير لائق أن نرى القوميين الاسكتلنديين وشركاءهم في تحالف الخضر كدائرة تتراشق الاتهامات أكثر من كونهم مناصرين للاقتصاد الدائري هذه الأيام).
أحيانا العودة إلى النقطة نفسها يصبح مبالغا قليلا، لكن "فنتيد" مصدر رائع لاستبدال قطع الملابس التي ندمت على عرضها في "إيباي" أو تبرعت بها للجمعيات الخيرية قبل بضعة أعوام، بجزء بسيط من السعر الأصلي. أمر جنوني؟ حسنا، ربما. لكن من المؤكد أن النشطاء سيسعدون بمحاولتي لاستخراج ملابس أكثر من هذه العناصر بدلا من شرائي ملابس جديدة. وعلى الأقل فأنت تعلم أنه عندما يكون ردي على مجاملة هو: "ماذا، تقصد هذه القطعة القديمة؟"، فهذا ليس انتقاصا لذاتي.