بيانات أيرلندا الجامحة تحير الاقتصاديين
عندما يصدر عدد أكثر من أجهزة آيفون من خطوط الإنتاج في الصين أو يصنع مصنع في كوريا الجنوبية عددا أقل من الأدوية لشركة فايزر، من الصعب التصديق أن مثل هذه التحولات قد تحرف بيانات أوروبا الاقتصادية بشكل خطير. لكنها تحرفها. في الحقيقة، كثيرا ما يحدث ذلك.
يعود السبب إلى أن عدد كثيرا من أكبر شركات التكنولوجيا والأدوية في الولايات المتحدة قد جعلت من أيرلندا مقر عملياتها العالمية للاستفادة من معدل ضرائب الشركات المنخفض نسبيا في الدولة الذي يبلغ 12.5 في المائة.
تستخدم مجموعات مثل أبل وفايزر بشكل متزايد التصنيع التعاقدي أو الترتيبات التجارية لتصنيع منتجاتها في دول منخفضة التكاليف، عادة في آسيا، لكنها تبقي حقوق الملكية الفكرية والدخل في فروعها الأيرلندية.
يأتي جزء كبير من الإيرادات التي تسجلها هذه الشركات في وحداتها الأيرلندية من نشاطات تقدم وظائف أو مدخولات قليلة لسكان أيرلندا أو في أي مكان آخر في أوروبا. لكن لا يزال لها تأثير كبير في التصورات حول أداء الاقتصاد في المنطقة.
أتى آخر مثال عندما أظهرت أرقام الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو، التي صدرت هذا الشهر من ذراع الاتحاد الأوروبي للإحصاءات يوروستات، نموا يبلغ 0.5 في المائة على أساس شهري في يونيو، ما يدحض توقعات المحللين بانخفاض طفيف.
كان سبب النمو بالكامل هو ارتفاع أيرلندا 13.1 في المائة. باستبعاد "التحولات والانحرافات الإحصائية" في البيانات الأيرلندية، قدر مارك كوس بابيك، اقتصادي في باركليز، أن الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو كان سينخفض 0.9 في المائة في يونيو.
بينما يعد التحرك بنسبة مكونة من رقمين في الإنتاج الصناعي نادرا بالنسبة إلى معظم الدول، سجلت أيرلندا 14 منها في الـ24 شهرا الماضية.
"عادة ما يسبب جذب هذه الصناعات الكبيرة إلى أيرلندا عن طريق نظام الضرائب فوضى في البيانات الاقتصادية الأيرلندية"، كما يقول ستيفان جيرلاك، نائب محافظ البنك المركزي الأيرلندي سابقا الذي يشغل الآن منصب كبير الاقتصاديين في البنك السويسري أي إف جي، مضيفا أن المسألة "لا تقدم شيئا يذكر لتحسين سمعة أيرلندا".
اكتشفت ميلاني ديبونو، اقتصادية في شركة بانثيون ماكروإيكونوميكس للاستشارات، مشكلة أخرى في مساهمة أيرلندا في أرقام الإنتاج الصناعي الأخيرة في منطقة اليورو: ليست منطقية.
أشارت ديبونو إلى أنه عندما جمعت القطاعات الفرعية ووزنت بحصتها من إجمالي الإنتاج، كانت النتيجة انخفاضا عاما بنسبة 0.6 في المائة – عوضا عن الارتفاع 0.5 في المائة. "يوجد خطأ ما"، كما قالت.
أخبرت يوروستات "فاينانشيال تايمز" بأن "بعض التضارب" بين الرقم الرئيس الذي يبلغ 0.5 في المائة ومجموع أرقام القطاعات الفرعية كان "سببه بيانات دولة واحدة"، التي رفضت ذكر اسمها.
المتهم؟ يكاد يكون من المؤكد أنها طريقة أيرلندا في تعديل بياناتها موسميا. أخبر مكتب الإحصاءات المركزي في الدولة "فاينانشيال تايمز" أنه بسبب حسابه لكل قطاع فرعي على حدة مقابل رقم إجمالي الإنتاج الصناعي، فمن الممكن أن يختلف الإجمالي عن مجموع أجزائه.
يستخدم أعضاء آخرون في منطقة اليورو طريقة التعديل الموسمي نفسها. لكن بسبب عدم تقلب بياناتهم مثل أيرلندا فإن أهميتها أقل.
كما تؤثر التقلبات الكبيرة في الإنتاج الصناعي في أيرلندا في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، حتى بالنسبة إلى منطقة اليورو. في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، يرجع أكثر من نصف نمو المنطقة الذي بلغ 0.3 في المائة عن الربع السابق إلى توسع أيرلندا 3.3 في المائة في تلك الفترة.
قال مكتب الإحصاءات المركزي: إن معظم نمو الدولة في الربع الثاني كان "مدفوعا بزيادات في القطاعات التي يهيمن عليها تعدد الجنسيات". بعبارة أخرى، إن أنشطة أبل وفايزر ومجموعات أمريكية أخرى كبيرة مثل ميتا وإنتل وجوجل – في الأغلب في آسيا – تحرف الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا.
يكافح المحللون والمسؤولون من أجل الحلول.
ذهب أوليفر راكاو، اقتصادي في شركة أوكسفورد إيكونوميكس للاستشارات، إلى حد بعيد ليقترح أن على يوروستات نشر بعض البيانات الاقتصادية باستثناء أيرلندا "حيث تأثير تحولات البيانات الأيرلندية يكون أكبر".
يفكر إحصائيو الدولة في تحولات إلى أسلوب مختلف. في الوقت الراهن، أرفقوا تحذيرا لبيانات الإنتاج الصناعي واقترحوا أن يأخذ المحللون "نظرة طويلة المدى أكثر".
قال رونان دانفي، محلل أبحاث في شركة جودبودي الأيرلندية للوساطة، إنها كانت تميل إلى تجاهل البيانات التي كانت "ذات قيمة مشكوك فيها للغاية على أساس شهري".
تستفيد أيرلندا بالفعل من عمليات الشركات متعددة الجنسيات. إنها تصنع بعض المنتجات في مصانع هناك وساعدت أرباحها على تعزيز الإيرادات الضريبية للشركات لأيرلندا 48 في المائة العام الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 22.6 مليار يورو.
لكن طالما تستمر بتحريف بيانات أوروبا الاقتصادية، فإن التعزيز الزائف من ضيوف أيرلندا الذين يقللون من الضرائب سيزيد من شدة المطالبات باتخاذ إجراء لتخفيف الأرقام الجامحة التي تأتي من جزيرة الزمرد.