ارتداد «وقفلي»
تقتضي أنظمة البلديات الارتداد نحو سبعة أمتار من الشارع التجاري بهدف توفير مواقف أمامية لخدمة المحال التجارية، فيضطر طالب ترخيص البناء التقيد بالنظام ولن يستطيع الحصول على تصريح البناء قبل الإذعان لهذا الشرط على وجه التحديد، وفي المقابل لا يستطيع استخدام تلك المساحة المقتطعة من ملكه الخاص للغرض الذي قامت من أجله، حيث تظل مشاعة للجيران وجيران الجيران والمسافرين وأصحاب خدمة صف السيارات "وقفلي" دون أن يتسنى لمالكها حمايتها للغرض النبيل الذي اقتطعت من أجله، ولتوضيح الصورة بجلاء، دعونا نقول لو كنت طالب ترخيص لمبنى تجاري على أحد الشوارع الرئيسة، فيجب أن تترك مساحة سبعة أمتار بطول ضلع الأرض على الشارع من أملاكك الخاصة الداخلة ضمن الصك العائد لك، المدفوع ثمنها ريالا ينطح ريالا بهدف توفير مواقف طولية لنشاطك التجاري، لكن هذا النشاط لن يستفيد من تلك المساحة خاصة إذا جاورك مقهى أو مطعم مرخص بعدد مواقف لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وأحرمك بقوة النظام من استخدام الجزء المقتطع من أرضك ولن تنقذك سوى مهادنة البعض وخجل ومروءة البعض الآخر ويزداد الطين بلة إذا تمكن أحد جيرانك من الاستعانة بنظام "صف السيارات" فيا لها من خدمة، إذ تمكن المفتقر للمواقف من استخدام مواقف الجيران وفق النظام ولا تكلف السائقين سوى اقتياد سيارات العملاء لإيداعها في أقرب موقف فارغ.
هناك من يدرك معاناة المتضررين من الذين تفي مساحة ارتدادهم لخدمة نشاطهم التجاري، ولذلك يبتعد هؤلاء عن الوقوف أمام تلك المحال من باب الذوق ليس إلا، وهناك من يستغلون التساهل المجاز نظاما فيودعون سياراتهم بالأسابيع في مواقف مجانية أمام الصيدليات والأنشطة التي تعمل 24 ساعة مغادرين أحيانا إلى خارج المدينة ومطمئنين على مركباتهم في الظلال وتحت الرقابة وعلى نواصي الشوارع الرئيسة، فالموضوع لا يحتاج لأكثر من اعتذار عند العودة، والنظام يجيز هذا الفعل، ولعل مشهد السيارات المتوقفة في نهاية طريق الأمير ماجد بجدة وأمام مدخل مطار الملك عبدالعزيز الرئيس، إضافة إلى مشاهد مماثلة وملاحظة داخل المدن خير دليل على أهمية إعادة النظر بشؤون وشجون مواقف السيارات التي أضحت أكثر أهمية من التوسع بإنشاء المباني التجارية.
لماذا يا سادة لا يتم إلزام الحاصل على تصريح خدمة "صف السيارات" من توفير مواقف تتوافق وحجم وهيئة النشاط التجاري حتى لو كانت داخلية لتلافي مضايقة أصحاب الأنشطة المجاورين؟ والأهم، لماذا لا يتلاءم عدد كراسي وطاولات المقاهي والمطاعم مع عدد المواقف التي يجب توفيرها قبل الترخيص؟ وفي المقابل لماذا نتشدد في توفير مواقف تفيض عن حاجة أصحاب بعض الأنشطة الأخرى المختلفة؟