علم السلوك والجميع نوع من التحيز .. ثق بغرائزك
يعاملنا علماء السلوك جميعا على أننا حزم من التحيز. نتأثر بالمعلومة الأولى التي نراها (التحيز الراسخ)، ولا نشك في أنفسنا بما فيه الكفاية (التحيز المفرط في الثقة) ولا نحب التغيير (التحيز للوضع الراهن). سنكافح بضراوة لتجنب الخسائر بدلا من تحقيق مكاسب مكافئة (النفور من الخسارة) وسنبالغ في تقدير احتمال تمديد سلسلة الانتصارات (مغالطة اليد المحظوظة). لكن هذه الأفكار لاقت رد فعل عنيفا، فارتكاب خطأ من سمات البشر، ولا علماء السلوك ولا منتقديهم معصومون.
لقد تم إغواء كثير منا. كتاب نودج "وكزة"، بقلم ريتشارد ثالر وكاس سنستين، الذي نشر عام 2008، بيع منه أكثر من مليوني نسخة.
وفي 2010، تبنت حكومات تعاني ضائقة مالية فكرة أن التدخلات الدقيقة (والرخيصة) مثل تغيير الخيار التلقائي في نموذج ما يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة، وهو تطبيق لنظرية الوكز (إدخال محفزات غير مباشرة للتأثير في السلوك).
اليوم، تدرج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر من 150 وحدة تتبنى الاقتصاد السلوكي وتشكل جزءا من الحكومات الفيدرالية. استبعدت عملية صنع السياسات القديمة المملة. وأدخل تصميم الخيارات والقرارات.
جادل منتقدون بأن بائعي كلام التحيز يبيعون أكثر مما في أيديهم، من كلا الناحيتين النظرية والتطبيقية. بعض الأوراق البحثية التي توضح قوة تأثير التهيئة الاجتماعية لم تصمد أمام التدقيق، وآخرها إحدى الأوراق التي زعمت أن وضع إقرار مصداقية المعلومات في أول الإقرار الضريبي بدلا من آخره يشجع على تقديم معلومات صادقة أكثر. شكك بعض النقاد في النتيجة الأساسية التي مفادها أن الخسارة أشد وطأة من الكسب. ورفض ناقدو العلوم السلوكية عمليا مفهوم نظرية الوكز بأن لها تأثيرات بسيطة، وتصرف الانتباه عن المشكلات الهيكلية مثل الفقر أو تغير المناخ. كما ذكر في بودكاست أخيرا تعليقا ساخرا، "ماذا لو توقفت الحكومة عن ممارسة السياسة وبدأت في التسويق؟"
إذن، هل العلم السلوكي أفضل أو أسوأ شيء على الإطلاق وصل إلى أرفف مكتبة المطار؟ الإجابة المملة تقول إن التقدم في العلوم الاجتماعية فوضوي، وفي حين أن ملاحظة كيف تحدث أخطاء من استنباطاتنا قد يكون أمرا مفيدا، إذا أردنا إنقاذ الكوكب، فإننا بحاجة إلى شيء أقوى. لكن الملل لن يلفت انتباهك لبقية هذا العمود. ما يلي دروس مقدمة للمجال في التحيزات التي يدرسها.
أولا، احذر من الميل إلى إهمال التفاصيل وتشكيل العموميات. تجمع دراسة قادمة في مجلة الأدب الاقتصادي 607 تقديرات للنفور من الخسارة، ووجدت أن الناس يكرهون الخسارة نحو ضعفي ما يقدرون المكاسب. لكن في حين قد يستمر النفور من الخسارة في فرض سيطرته على المتوسط، فإنه ليس قانونا. يحذر كولين كاميرر، أحد المؤلفين، من أنه ضمن أي مجموعة من الناس تظهر أقلية كبيرة التحيز المعاكس، أي تحمل الخسارة. يشير بحث آخر حديث إلى أنه عندما تكون المخاطر منخفضة، يزول النفور من الخسارة.
بعد ذلك، تجنب تعليق التوقعات على نتائج مبهرة للغاية. وجدت مقارنة بين تأثير الوكزات التي تم قياسها بواسطة أكاديميين وبين التي قاستها وحدات دراسة تأثير الوكزات في الحكومات أنه في حين أظهرت دراسات متوسط 6.4 نقطة مئوية لتأثيرات في بعض السلوكيات المرغوبة، فإن الأطباء قد رأوا تأثيرات تبلغ خمسها. وإذا قارنتها بالتأثيرات في الأوراق البحثية الأكاديمية، فإن كل شيء يبدو صغيرا، كما تقول اليزابيث لينوس، أحد المؤلفين. لكن ربما هناك تأثير صغير يستحق الدراسة، وهو إذا كان رخيصا بدرجة كافية.
ثالثا، لا تقلل من شأن قوة الوضع الراهن. استكشفت دراسة أخرى 73 تجربة عشوائية مضبوطة في أمريكا عدلت تعديلات طفيفة على الاتصالات الحكومية، ووجدت أن نحو 30 في المائة فقط من التعديلات تم وضعها موضع التنفيذ بعد انتهاء التجارب. إن أفضل مؤشر يدل على توضيح ما إذا تغير شيء بالفعل هو إذا كان هناك قناة اتصال مع الجمهور مسبقة يمكن الاستناد عليها لقياس النتائج. ومهما كانت أفكارك متطورة، فإن صانعي السياسات هم أناس أيضا، لديهم أولويات متنافسة وانتباه محدود.
أخيرا، احترس من التحيز تجاه التحيز. هذا لا يعني أن عليك القلق بشأن عمليات الاحتيال المنتشرة على نطاق واسع، بل يعني أن تكون حذرا من النتائج المفردة لكن جذابة. وربما يعني ذلك الثقة في غرائزك. خذ مثلا مغالطة اليد المحظوظة، التي أظهرت ورقة بحثية عام 2018 أنها لم تكن مغالطة على الإطلاق. عندما أصلح المؤلفون عيبا رياضيا في الدراسة الأصلية، ظهر دليل على تحقيق سلسلة انتصارات في كرة السلة. فالمدربون واللاعبون الذين كانوا مقتنعين بأن اليد المحظوظة أمر حقيقي، كانوا على حق.
يحاول بعض الممارسين في المجال أن يحسنوا مستواهم. في مارس، نشر فريق الرؤى السلوكية البريطاني، الذي اندرج من مكتب مجلس الوزراء في 2014، بيانا لتطبيق العلوم السلوكية، وصف بأنه رد على الحركة الارتجاعية. تضمن تطلعات للتعرف على "كيف تتشكل العمليات المعرفية العالمية عبر سياقات محددة". وبشكل غريب، كان لديها درسا مقدما إلي. ربما قوائم التحيزات متاحة وشائعة، لكنها "قد توجد تفكيرا مفرطا في الثقة بأن استهداف تحيز معين (منعزلا) سيحقق نتيجة معينة". الكل يخطئ.