«المهمة المستحيلة 7» في مواجهة خوارزمية الذكاء الاصطناعي

شكلت سلسلة "المهمة المستحيلة" في أجزائها الستة عنصر جذب أساسي في أفلام الأكشن ووضعت النجم الهوليوودي توم كروز في دائرة من النور لم تنطفئ رغم كل ما قدمه، وحصرت وجوده في هذه النوعية من الأفلام، والتي مهما حاول الخروج منها يبقى اسمه مرتبطا بشخصية هانت والمهمة المستحيلة الموكلة إليه.
في الجزء السابع من هذه السلسلة، لم يخرج كروز من الإطار العام لشخصية هانت لكنه قدم مادة تتلاءم مع متطلبات العصر والسرعة التي تحكم بها تطورات التكنولوجيا وخوارزمية الذكاء الاصطناعي عالمنا، والتي بقدر ما يمكنها أن تفيد البشرية إلا أنها تملك قوة تدمير الوجود البشري وقلب موازين القوى. إنها المرة الأولى التي يتم فيها التحضير لمهمة مستحيلة في جزأين مستقلين، على أن يعرض الجزء الثاني من العمل الذي يحمل العنوان ذاته: "المهمة المستحيلة.. الحساب الميت" بداية الصيف المقبل.
المهمة المستحيلة
في الجزء السابع من السلسلة يقوم العميل "إيثن هانت" (توم كروز) وفريقه بتتبع سلاح خطير، لمنع وقوعه في أيدي منظمة إجرامية ويركز على مخاطر الذكاء الاصطناعي إضافة إلى تقديم كثير من الأكشن الذي لا يتباطأ أبدا. قد لا يكون أفضل فيلم ضمن السلسلة لكنه الأكثر طرافة، والمنافس الأكبر للحصول على لقب أكثر الأفلام ترفيها بفضل الطريقة التي يتمكن بها هانت من تنفيذ مهمته بإطار لا يخلو من الكوميديا، ما يشكل عامل جذب إضافي للعمل الذي يحمل معاني إنسانية كبيرة، فهو قدم السهل الممتنع ونجح المخرج والمؤلف كريستوفر ماكواري بأخذنا في رحلة مليئة بالمنعطفات التي تتضمن بعض أكثر المشاهد دقة وإيقاعا وإثارة في تاريخ السلسلة، ما جعله يتصدر قائمة الأفلام الأكثر حضورا.
المهمة في جزأين
هذه هي المرة الأولى التي تنقسم فيها مهمة من سلسلة المهمة المستحيلة على فيلمين، وهو ما سيحدث بسبب تعقيدات التقلبات الدرامية في القصة، ووصف توم كروز الجزأين قائلا، "حجم هذين الفيلمين ملحمي بكل معنى الكلمة"، بينما عد المخرج كريستوفر ماكوري أن تقديم القصة في جزأين هو مغامرة كبرى لهذا يجب على هذه المهمة أن تتفوق على الأجزاء السابقة بالكامل، هذا هو المستوى الذي نطمح إليه.
هذا وتمكن فيلم المهمة المستحيلة في نسخته السابعة من تحقيق إيرادات تخطت الـ300 مليون دولار خلال الأيام الأولى من عرضه في دور العرض السينمائي في جميع أنحاء العالم، وهو ما يعد افتتاحية ضخمة في سباق شباك التذاكر بعد جائحة كورونا وأزمة غلق دور العرض.
المشاهد من قلب أبوظبي
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها توم كروز بتصوير أصعب مشاهده وأكثرها إثارة في بلد عربي، وقد نجح في الجزء السادس من تسلق برج خليفة في إمارة دبي، وفي الجزء السابع وقع الاختيار على إمارة أبوظبي، حيث حملت تفاصيل عديد من المشاهد ظهور مواقع مختلفة في العاصمة الإماراتية حيث تظهر "صحراء ليوا" أحد أبرز المناطق والمعروفة بجمالها الخلاب من رمال وكثبان جعلتها من المواقع المحببة لصناع السينما حول العالم، كما أن مبنى مطار العاصمة أبوظبي الجديد تم تصوير بعض المشاهد فيه قبل افتتاحه. وقد تم تصوير المشاهد الصعبة في الفيلم، وتحديدا أصعب مشهد في السلسلة على الإطلاق وفي تاريخ السينما، وهو القفز بالدراجة النارية من أعلى قمة الجبل في صحراء "ليوا" في أبوظبي، وقد ظهر كروز مرتديا زي الكندورة التقليدي الإماراتي في بعض المشاهد.
خوارزمية "أنتيتي"
يبدو جليا من المشهد الافتتاحي المثير على متن غواصة روسية أن خوارزمية "أنتيتي" تكاد تكون خارقة للطبيعة، لكنها في نهاية المطاف ترتكز على أرقام الواحد والصفر التي تهيمن على جميع أشكال الحياة العصرية. سرعان ما يصبح كل جدار بنته البشرية نقطة ضعف، ما يرغم هانت على الخروج من الظلال خشية الوقوع في الأيدي الخطأ، وهذا يعني أيدي أي فرد أو وكالة. يعاود ظهوره من جديد وهو مثقل بالهموم ويحمل تصميما كبيرا في داخله، حيث إن إنقاذ العالم هو شيء يجب أن يفعله، لكن مع وصوله إلى هذه المرحلة من حياته المهنية كجاسوس محترف فإنه شيء يريد أن يفعله أيضا.
يعود الفريق بأكمله إلى الفيلم، بداية من لوثر ستيكل (فينج ريمز)، إلى بينجي دان (سايمون بيج)، ووصولا إلى إلسا فاوست (ريبيكا فيرجسون)، والتي تعد الفتاة الوحيدة المناسبة ليهتم هانت لأمرها لأن نمط حياتهما متشابه. لكن هذا الفريق القوي هو في الوقت نفسه نقطة ضعف بطلنا. فبعدما شهد فريقه بأكمله يتعرض لإطلاق النار في الفيلم الأول، لطالما أصبح ممزقا بين إكمال المهمة في متناول اليد وضمان سلامة أصدقائه. قد يكون التقى هذه المرة نده خوارزمية "أنتيتي"، حيث إنها آلة لا تفكر ولا تشعر ويتعارض نهجها المنطقي مع تعاطف هانت، وقد وجدت لنفسها تجسيدا بشريا يقوم بأعمالها، وهو الإرهابي جابرييل (إيساي موراليس)، شبح من ماضي هانت. قد يكون جابرييل إضافة جديدة إلى طاقم ممثلي ولكن بفضل بعض لقطات الفلاشباك في المكان المناسب، والأداء البارد والمرعب لموراليس، فهو يبدو وكأنه كان يتربص دائما في الظل منتظرا. ونظرا إلى أنه يلعب دور مرسال لذكاء اصطناعي قادر على الوصول إلى أي معلومات وحتى التلاعب بطبيعة الحقيقة، يصبح جابرييل شخصا يصعب قهره.
قوة رقمية
لطالما اعتمدت قوة المهمة المستحيلة على تقنيات التجسس الخيالية خاصتها، مثل الأقنعة الشهيرة، لكن هذه المرة تنقلب أدواتهم ضدهم من خلال قوة رقمية قادرة على التلاعب بكل شيء يرونه ويسمعونه، ما يضفي شعورا مستمرا بالتشكيك طيلة الوقت. وبعد فترة تجد الشخصيات نفسها غير قادرة على الوثوق بحواسها حتى. لكن ما يمكنهم الوثوق به، وما يثق به الجمهور أيضا بعد ما يقرب من 30 عاما للسلسلة، هو الأكشن الملموس والحركة المندفعة. لم يعد بإمكان دان الجلوس ببساطة خلف جهاز كمبيوتر لجعل مهمة هانت أسهل. إن كل شخصية مساعدة يجب أن تنضم إلى المطاردة.
ويستخدم الفيلم هذا كمبرر للأشياء التي تحدث بشكل ملائم جدا في القصة، لكن ينجح ذلك أيضا ببناء التوتر والإثارة من خلال لقطات رد الفعل وحدها. إن المعلومات اللوجستية لا تضيع والوضوح العاطفي موجود دائما بل حتى تم تحسين ذلك بفضل الموسيقى التصويرية النابضة بالحياة من لورن بالفي.
لا يمر كثير من الوقت قبل أن يحصل المرء على انطباع أن كروز صنع مع المهمة المستحيلة هدف الحفاظ على سينما الأكشن الكلاسيكية على الشاشة الكبيرة، وبالطبع لأنه يستمتع بالجنون المطلق لتأدية المجازفات العملية الخطيرة، وذلك في عصر أصبح فيه الذكاء الاصطناعي والخوارزميات تشكل تهديدا وجوديا للفن نفسه.