كيف تتعايش مع خدود تصطبغ بحمرة؟
لا أتذكر كثيرا من الإيطالية التي تعلمتها في المحاولة الفاشلة التي حاولتها لتعلم اللغة في بيروجيا وأنا ابنة 18 عاما. لكن، ثمة بضع كلمات عالقة في ذاكرتي.
"روسو، روسا!" صاح المعلم موجها انتباه الفصل إلي، مشيرا إلى خدي المحمرين الأقشرين. وهكذا تعلمت كلمة أحمر بالإيطالية. لا يعني هذا أني قلت الكلمة بصوت عال على الإطلاق.
كنت طفلة خجولة صارت مراهقة خجولة. في أول ليلة لي في الجامعة، وقفت محرجة خلف عدد من طلاب جدد آخرين كانوا يلعبون لعبة غزاة الفضاء في غرفة الألعاب، وددت لو يستدير أحدهم ليقول مرحبا، عاجزة عن اتخاذ الخطوة الأولى. كوني خجولة لم يكن سيئا كليا. فيما يتعلق بالعلاقات، فغالبا ما كان يساء فهم هذا على أنه لا مبالاة فاترة. على مدار الأعوام الثلاثة التالية، خفت حدة ارتباكي الاجتماعي قبل أن أتحلى بثقة كبيرة عندما بدأت العمل. كانت تجربتي المهنية الأولى باحثة في البرلمان ثم في التلفزيون. لم يبد أن لهذه السمة الشخصية أي محاسن هناك. إذ قد تخدم الانطوائية رئيس شركة أو موظفا متألقا، لكن ليس يافعة مجهولة تأمل في ترك انطباع جيد.
وضعت لنفسي تحديات صغيرة، أقول شيئا واحدا في الاجتماع، ثم شيئين، أو أتحدث إلى الذي على يساري في مناسبة ما، أو خلفي في طابور بوفيه مؤتمر. بدا أنها أفلحت. أو لعلي كنت أتقدم في السن فحسب. شعرت خجلي يتبدد. لم أسد حوارا قط لكن كان بإمكاني ضبط نفسي، والأهم من ذلك، بعد أن أصبحت صحافية، استطعت تكوين علاقات مع من أجريت معهم مقابلات في جزء من وظيفتي. بصرف النظر عن النوبات العرضية خلال حديثي أمام الناس أو في ندوات، لم أحمر خجلا أثناء التفاعلات الاجتماعية، أو أشعر بقلبي يخفق سريعا، أو أسمع طقطقة فمي الجاف يفتح ويغلق. لأعوام، لم أفكر في الخجل على الإطلاق.
ثم ضربت الجائحة، وعاودني ارتباكي الاجتماعي. ليس في البداية، طبعا، لأني لم أر أحدا باستثناء عائلتي. لكن بمرور الوقت، تسللت حماقة خلال مكالمات الفيديو الجماعية، أفقدتني الكلام أحيانا حتى عندما كان "ميكروفوني مفتوحا. لم أكن وحدي من تخالجني هذه المشاعر. وجدت دراسة أجريت أثناء الجائحة أن الطلاب في إحدى الجامعات أبلغوا عن مستويات أعلى من الخجل من أسلافهم. في بعض الأحيان كنت أرغب في إخبار زملائي، أن أشرح لهم سبب التزامي الصمت. لكن في الوقت نفسه، بدا وصف نفسي "بالخجولة" مثيرا للشفقة، كما لو أني بقول الكلمة عاليا أجعل شعورا طبيعيا يبدو كمرض أو أطلب اهتماما.
بلغ ابني الثامنة من عمره في العام الأول من الجائحة. لاحظت أحيانا أنه يجد صعوبة في الاختلاط بآخرين. عندما انضم إلى ناد جديد لكرة القدم، ظل منعزلا، واقفا لم يبرح مكانه إلا أثناء المباريات. سألته ذات يوم، "لم لا تتحدث مع الآخرين؟ ستستمتع في المباريات أكثر". أجابني، "لم لا تفعلي أنت ذلك؟". لقد كان اتهاما عادلا. قلما تحدثت إلى أحد والدي زملائه. هل أصبحت قدوة في الخجل أم أنه سلوك فطري؟
في 1974، كان راي كروزير في وظيفته الأولى محاضرا في علم النفس في معهد ساوث جلامورجان للتعليم العالي في ويلز، الذي أصبح الآن جامعة كارديف متروبوليتان. أثناء عمله في المكتبة ذات يوم، عثر على دراسة من عام 1965 أجراها عالم النفس الأمريكي، أندرو كومري، والتي أدرجت الخجل إلى جانب القهر والعداء والعصابية كونها سمات شخصية قابلة للقياس. كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها الخجل مذكورا في سياق أكاديمي. قال، "أثار ذلك اهتمامي حقا". كان كروزير يبلغ 28 عاما حينها وأكمل لتوه درجة الدكتوراه في علم اتخاذ القرار، لكن الدراسة أعطته اهتماما جديدا، وبدأ تمشيط الدراسات السابقة عن الخجل. وجد أنه تمت الإشارة إليه بشكل مختلف على أنه الانطواء أو السلوك الانعزالي أو اجتماعية متدنية، كومة من المصطلحات التي "أدت إلى التباس لا نهائي".
في 1979، نشر كروزير ورقة بحثية تشير إلى أن "قلق الانشغال بالذات" - وهو قلق شديد بشأن كيفية ظهور المرء أمام الآخرين - كان في قلب الخجل والتكتم الناجم. كان عمله جزءا من اهتمام أكاديمي متزايد في هذا المجال، وأيضا عمل فيليب زيمباردو، عالم النفس وراء تجربة سجن ستانفورد سيئة السمعة عام 1971، حيث أصبح الطلاب الذين أعطوا أدوار حراس السجن ساديين شيئا فشيئا. عد زيمباردو الخجل بمنزلة "سجن صمت" مفروض على الشخص من قبل نفسه، ثم أنشأ لاحقا عيادة لمساعدة المرضى على التحرر من الخجل.
نما الاهتمام بالموضوع في عدد من المجالات خارج علم النفس - الطب النفسي والتعليم والثقافة. قال كروزير، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ فخري في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة كارديف، "إنه أمر استثنائي حقا كيف توسع الموضوع على مر الأعوام". تعريفه العملي للخجل هو الرغبة في التفاعل مع آخرين والشعور بخيبة أمل من الطريقة التي تنتهي بها هذه التفاعلات. "أنت بالتأكيد تفضل الانخراط مع الناس، لكنك تجد صعوبة بالغة في العثور على دور في ظروف معينة".
عندما سألت كروزير ما إذا كان يعتقد أني خجولة، تردد. بعد دراسة الموضوع خمسة عقود تقريبا، تعلم عدم تقييم الأشخاص بناء على مظهرهم الخارجي. "نربط الخجل بأنه مجرد انعزال، وكثير من الخجولين كذلك. لكن بعدها ستلتقي بأشخاص يبدون رصينين جدا ويقولون، أوه لا، أنا خجول حقا. عليك احترام ذلك". قال إن هذا ما يجعل الموضوع مثيرا للاهتمام، ويجعل البحث أصعب. الخجل ليس صفة فحسب، بل حالة أيضا. مثل السعادة أو الحزن، سيشعر معظم الناس بالخجل في مرحلة ما في حياتهم، عند تقديم عرض أو الذهاب إلى حفلة لا يعرفون أي شخص فيها... يعتقد كروزير أن الاهتمام الأكاديمي بالموضوع يعكس فقدان الثقة المتزايدة بشأن الكيفية التي ينبغي أن نقدم بها أنفسنا في المواقف الاجتماعية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى دقرطة المجتمع - المساواة وحرية الرأي والتفكير. في الماضي، "إذا كنت مزارعا، فكنت تتصرف كمزارع، وإذا كنت أرستقراطيا، فأنت تعرف مكانك. كانت التفاعلات الاجتماعية أكثر تنظيما باتباع الدور الذي تؤديه".
أخبرني كروزير أن ثمة إيجابيات للخجل. يقول إن الابتسامات الخجولة مهمة حتى يوطد الرضع علاقة مع من يرعاهم، والتي تشير إلى تأثرهم وحاجتهم إلى المودة. وجدت دراسة نشرت في 2012 أن الأطفال بعمر أربعة أشهر يظهرون ابتسامات خجولة أثناء التفاعل مع شخص غريب أكثر مما يظهرونها مع والديهم. أطلق المؤلفون على هذا "الخجل الإيجابي" - العاطفة ذات "الوظيفة الاجتماعية المحددة لتنظيم تفاعلاتنا عبر تحسين الثقة والإعجاب والتأدب".
في الأعوام الأخيرة، كان كروزير يحقق في ظاهرة احمرار الوجه. يميل ذوو الخدود المحمرة إلى كره الظاهرة اللاإرادية، والتي يمكن أن تلفت الانتباه إلينا عندما لا نرغب في أن يلاحظنا أحد أبدا. لكن الاحمرار يمكن أن ينقل اعتذارا أو يبدي شعورا بالتواضع، كما ذكر. إذا أوقعت علبا في متجر واحمر وجهك بشدة، فسيتعاطف الناس معك. ويمكن لاحمرار وجهك أن يخفف "أي عدوان في الشخص الآخر، أو الرفض". يشعر المتفرجون بمشاعر إيجابية أكثر تجاه شخص ما إذا احمر خجلا.
كروزير ليس محصنا ضد الوعي بذاته العرضي. عندما كان طفلا، قال، "كنت أحسد الذين يمكنهم الصراخ في الشارع ومناداة أصدقائهم بصوت عال وإلقاء النكات. لم أشعر مطلقا بأني قادر على فعل ذلك في ذلك العمر". اليوم، يعاني نوبات هلع من حين إلى آخر، ليس في ندوة أو محاضرة، حين يكون له "دور واضح للغاية" بل، كما قال، "عندما أجلس في مقهى مع مجموعة من الناس، أجد صعوبة في معرفة ما أقول (...) لكن، ومجددا، أرى أن الناس يعرفون ما يقولونه".
كلما تحدثت أكثر مع الباحثين، أضفوا علي طمأنينة أكثر. نجرا فان زالك من جامعة إمبريال كوليدج في لندن من أشد المؤمنين بأن الخجل ليس بالشيء الذي يجب التخلص منه. "إنه جزء من التجربة البشرية. التفكير في أن التخلص منه واجب أمر خاطئ". أخبرني روبرت كوبلان، أستاذ علم النفس في جامعة كارلتون في كندا، والذي أجرى أبحاثا حول خجل الطفولة والانسحاب الاجتماعي، "الخجل ليس حميدا ولا سيئا. إنه ميل عام".
بعد ظهر أحد أيام السبت الشتاء الماضي، حضرت اجتماعا لمجموعة شاينس سوشال جروب في لندن، "إل إس إس جي"، وهي مجتمع يديره متطوعون وينظم أحداثا لمن يرون أنفسهم خجولين أو انطوائيين أو كليهما. يوجد في مجموعتها على الإنترنت أكثر من 16 ألف عضو. "هدفنا هو توفير مساحة آمنة مع مجموعة متنوعة من الأحداث الاجتماعية وأوصاف واضحة لما ينطوي عليه كل حدث"، كما يقول الموقع. كان اجتماع ذلك اليوم في غرفة في الطابق العلوي من مقهى كافيه نيرو وسط لندن. لقد أدهشني تناقض ما كنت على وشك فعله، التحدث عن الخجل لمجموعة من الغرباء. تساءلت عما إذا كان يجدر بي التظاهر بشدة خجلي، مع شعوري بكوني مخادعة، لأندمج مع الآخرين، ربما علي أن أحدق في قدمي؟ عقد اجتماع آخر في القاعة، للانطوائيين. يرى بعض أعضاء مجموعة إل إس إس جي أنفسهم على أنهم خجولون وانطوائيون على حد سواء، في حين يصف بعضهم الآخر أنفسهم بأنهم منفتحون خجولون، أو انطوائيون جريئون.
نينج، منظم الحدث، كان ذا شعر أسود قصير وقميص برتقالي زاه. متنبها وثرثارا، حرص على أن يشعر الجميع بالراحة وساعد الناس في العثور على مقاعدهم وعرف بهم. أخبرني، "أنا بارع في الظهور بصورة مختلفة. ففي الباطن أنا متوتر". قال إن دوره كونه منظما خفف وعيه الذاتي، مع أنه يفضل الجلوس بالقرب من حافة الغرفة في حال احتاج إلى استراحة.
ضمت المجموعة صحافيا سابقا وعاملا في جمعية خيرية. تحدث بعضهم بهدوء استثنائي، وتململ أحدهم عندما حان دوره في الكلام. شارك الجميع ذكريات حية من مآسي الخجل المشتركة. قالت لورين، وهي أكاديمية ذات شعر أشقر قصير، في طفولتها، كانت والدتها ترسلها إلى المتجر مع قائمة مكتوبة لتسلمها إلى صاحب المتجر في حال أصيبت بحالة صمت بسبب توترها. تحدثت إيمي "ليس اسمها الحقيقي" بهدوء شديد لدرجة أني اضطررت إلى الاقتراب منها لأسمعها وهي تصف كيف ظهر خجلها قبل 20 عاما عندما وصلت إلى لندن قادمة من هونج كونج. وصف الجميع إحباطهم من عالم مهيئ للجريئين والصاخبين، خاصة في مكان العمل. استذكرت إحداهن كيف تعرضت للانتقاد في المكتب بسبب خجلها وقيل لها إن عليها "أن تتحلى بشخصية أقوى".
أتى رجل ذو شعر محلوق الجانبين ويرتدي قميصا من مجموعة الانطوائيين. قال إن كلا من الخجولين والانطوائيين قد يتجنبون الأنشطة الاجتماعية، لكن الفئة الأولى تفعل ذلك على الأرجح بداعي الخوف، والأخرى بداعي التفضيل. توافق قوله مع ما قاله لي كروزير، "الانطوائيون ناس سعداء بوحدتهم. الخجولون يريدون رفقة ولا يسرهم الحصول عليها".
لم يحضر كثير من أعضاء مجموعة إل إس إس جي أي اجتماع حتى الآن، مثل كاتارينا، طالبة علم نفس بدوام جزئي والتي تعمل أيضا في دار رعاية. أخبرتني عبر الهاتف، "الخجل وسيلة لحماية نفسي من الآخرين، أو من احتمالية أن أتأذى عاطفيا". إنها تعرف أيضا أنه يمنعها من عيش حياة كاملة. "لو كنت أقل خجلا، فلربما كنت أكثر انفتاحا على التجارب الجديدة. أشعر كما لو أني... في حالة انتظار دائمة". وافقت كاتارينا على التحدث معي لأنها شعرت أن خجولا آخر قد يجد في تجاربها صدى لتجاربه وتشعر بأنها أقل وحدة.
تحدثت لاحقا إلى نيل، وهو متطوع في جمعية القلق الاجتماعي، وهي مؤسسة خيرية. عندما كان في أوائل العشرينيات من عمره، أصبح توتره بشأن التفاعلات الاجتماعية شديدا للغاية لدرجة ارتباكه لمجرد إجراء محادثة قصيرة في مكتب مفتوح. "كنت أخشى رنين الهاتف، وأخشى تناول الغداء مع زملائي". هذه المشاعر ساءت تدريجيا. وبدأ يعاني دوارا وصعوبة في نطق كلماته، حتى عندما كان في منزله مع رفاقه في السكن. بدأ التواصل الاجتماعي يشعره بالتوتر نفسه المصاحب لمقابلة عمل صعبة. لم يكتشف مفهوم القلق الاجتماعي إلا بعد أن بلغ الثلاثينيات من عمره. انضم إلى مجموعة علاج سلوكي معرفي وتعلم تقنيات مكنته من التركيز على الموقف بدلا من النظر باستمرار إلى داخل نفسه.
يعرف اضطراب القلق الاجتماعي في كتاب "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية" بأنه "خوف مستمر من موقف أو سيناريو اجتماعي أو أكثر يتعرض فيها الشخص لأناس غير مألوفين أو لإمعان أحد ما النظر إليهم". حيث يخشى المصاب أن يتصرف بطريقة محرجة ومهينة، من بينها ظهور أعراض قلقه. فوجود الشخص في الموقف المخيف يمكن أن ينتج عنه نوبات هلع.
يرى بعض الناس فكرة اضطراب القلق الاجتماعي على أنها مثال على الاتجاه الحديث لتعريف الخصائص البشرية الطبيعية طبيا. حيث كتبت المؤلفة الراحلة هيلاري مانتل في 2009، "مع انتهاء صلاحية براءات اختراع الأدوية، تخترع شركات الأدوية أمراضا جديدة، مثل اضطراب القلق الاجتماعي، والتي يمكن أن توصف لها تركيبة دوائية لم تعد تستعمل. وحتى تنجح هذه الحيلة، يجب على المريض قبول أن يوصف بأنه مريض وليس غريب أطوار، لذا يصبح الخجل، مثلا، مرضا وليس مجرد سمة شخصية غير مريحة". في البداية كنت أتفهم هذا الرأي قليلا. لكن حديثي إلى نيل وآخرين غيره خفف وجهة نظري. في حين أن الخجل هو شعور يشعر به كثير منا في بعض الأحيان، إلا أن اضطراب القلق الاجتماعي أندر ويضعف النفس أكثر.
في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، حضرت اجتماعا آخر لمجموعة إل إس إس جي، هذه المرة لحضور كاريوكي جماعي، حيث يغني الناس معا مع فرقة موسيقية حية. وكان موضوع الليلة هو الكريسماس. وزع نينج عصيا مضيئة وآذان ميني ماوس تشع في الظلام. أثناء عزف أغنية ما، دخلت في جدال مع متطفل قال إنه لم يكن خجولا لكنه حضر لأنه لم يملك أي أصدقاء. كل من في القاعة غنى حين أخبرني الرجل أن الخجولين مهووسون بأنفسهم. بدأت أفهم حينها لم ليس لديه سوى عدد قليل من المقربين.
ربما لم يبد أعضاء إل إس إس جي خجولين لمن يراهم وهم يرفعون أذرعهم ملوحين بعصيهم المتوهجة، إلا أني لاحظت أن الجميع تقريبا تجنبوا النظر في عيون بعضهم بعضا أثناء الغناء.
بعد بضعة أشهر، زرت كاريوكي أسفل فندق في بلومزبري. في الخارج، تفتحت أشجار الكرز. وتفوح من المكان رائحة سجاد رطب. كان التجمع هذه المرة أكثر هدوءا. حمل رجلان بشعر أسود طويل ميكروفونات وغنيا معا. كانت أصواتهما خافتة لدرجة يصعب معها سماع الكلمات. بين أغنية وأخرى، عم الصمت الغرف.
نينج، كعادته دائما، كان مرحبا ومضيافا. قال إن رفقة مجتمع الخجولين ساعدته. "لست بحاجة لكي أفسر للناس. لست بحاجة إلى الذهاب إلى أماكن أشعر فيها بعدم ارتياح". وقد علمته الجائحة، وعلمت زملاءه الأعضاء، أن ثمة بدائل للطريقة التي يدور بها العالم، فالناس ليسوا بحاجة للذهاب إلى المكتب للعمل، ولا إلى المقاهي من أجل التواصل مع الناس. وقال، "بدأ الخجولون يشعرون بأن أمامهم مزيدا من الخيارات. حتى بعد ثمانية أو تسعة أشهر من الجائحة، ما زلنا نقيم أشياء على الإنترنت. وتوجد أيضا أنشطة ليس فيها ضغوط كبيرة أبدا... مثل التنزه في الحديقة، أو مجرد لعب ألعاب الطاولة".
وصف نفسه بأنه خجول، كما قال، "ساعدني على فهم نفسي أكثر قليلا، وتقدير نفسي، ليس انتقادها، بل تقديرها". يود أن يشعر المجتمع بالفخر. "يقول الناس، أنا خجول، وربما يعنون، أنا أقل شأنا. جل ما يسعهم التفكير فيه هو السلبية فقط. نريد تغيير الأمور. عندما نتحدث عن الخجل، يوجد دائما شيء إيجابي نتحدث عنه".
بعد أشهر من الاندماج مع الناس، تلاشى خجلي مرة أخرى. لكن عندما سألني نينج في الكاريوكي عما إذا كنت أرغب في الغناء، استحوذ علي التوتر. أخذ الميكروفون واختيار أغنية سيثبت بالتأكيد أني غلبت وعيي بذاتي، وأني سأختم هذه المقالة بخاتمة عظيمة. في النهاية لم أستطع.
طالما كان الخجل كامنا في مكان ما في داخلي، مستعدا ليجيش ويثبطني مرة أخرى. إنه متغير الشكل، عابر، ولا يمكن التنبؤ به. أخبرني كثير من الناس بنبرات مكتومة أنهم كانوا خجولين أيضا، خاصة بعد أشهر من التباعد الاجتماعي.
تعلمت أنه يمكن أن يأتي بإيجابياته، مثل القدرة على الاستماع، وعدم الاندفاع في طرح أفكار فوضوية لملء فجوات المحادثة. الصمت مفيد في بعض الأحيان. كما كتب جو موران في كتابه الممتاز "خجل البنفسج"، لم لا نسعى إلى علاج "التعالي الذي لا يطاق"؟
لكني بدأت أيضا أؤمن أن الخجل ليس هوية كاملة. بل، كما قال روبرت كوبلان، سمة شخصية، إلى جانب سمات عديدة أخرى تفسر الاختلافات في تصرفاتنا وسلوكياتنا. يمكن أن يشعرنا الخجل بانزعاج لكنه في النهاية يعبر عن توق إلى رفقة. وهذا التفكير بمنزلة سلوان.