الأساطير تحجب حقيقة مستقبل الطاقة المستدامة

الأساطير تحجب حقيقة مستقبل الطاقة المستدامة

إن موجات الحر والفيضانات والجفاف في جميع أنحاء العالم هي نداء للصحوة. نحن بحاجة إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى ما يقارب الصفر بحلول منتصف القرن. لفعل ذلك، علينا الانتقال إلى الطاقة الكهربائية قدر الإمكان، وإزالة الكربون من إمدادات الكهرباء، واستخدام الهيدروجين والطاقة الحيوية، واحتجاز الكربون في الاستعمالات التي لا يكون فيها الاستخدام المباشر للكهرباء ممكنا.
ينبغي أن تتوسع إمدادات الكهرباء العالمية نحو أربعة أضعاف، ويجب أن تنمو شبكات النقل من 70 مليون كيلومتر إلى نحو 200 مليون كيلومتر، ويجب علينا تعزيز السيارات الكهربائية من 25 مليون إلى أكثر من مليار. وهذا يعني زيادة كبيرة في معروض المعادن - حيث سيتم استخدام الليثيوم أكثر بسبع أضعاف سنويا مقارنة بـ2022، مع مضاعفة استخدام النحاس.
في مواجهة هذا التحدي، تتزايد المخاوف - من أن التعدين سيستخدم كميات هائلة من المياه الشحيحة، وأن ارتفاع أسعار الليثيوم سيجعل السيارات الكهربائية باهظة الثمن جدا أو أن الألواح الشمسية المهملة ستؤدي إلى كارثة في مكب النفايات. إننا بحاجة إلى فصل الأساطير عن المخاوف الحقيقية - وهذا ما يهدف إليه أحدث تقرير للجنة تحولات الطاقة.
هناك شيء واحد لا داعي للقلق بشأنه وهو الإمداد طويل الأجل. بالنسبة إلى جميع المعادن الرئيسة، تتجاوز الموارد المعروفة بسهولة إجمالي المتطلبات المستقبلية. يمكن أن تصل هذه الانبعاثات إلى 15-35 جيجا طن تراكمي من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على مدار الـ30 عاما المقبلة، ولكن هذا يقارن بنحو 40 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون يتم إنتاجه سنويا بوساطة نظام الطاقة القائم حاليا.
كما يمكن التعامل مع احتياجات الأرض والمياه. ما يقارب خمسة مليارات متر مكعب من المياه اللازمة سنويا لاستخراج المعادن الجديدة يقابلها 2700 مليار متر مكعب تستخدم في إنتاج الأغذية والألياف، وستشغل جميع مزارع الطاقة الشمسية الكهروضوئية ومواقع المناجم المطلوبة أقل من 2 في المائة من مساحة الأرض المخصصة للزراعة. واستهلاك اللحوم الحمراء يهدد الغابات الاستوائية المطيرة في العالم، أما بطاريات السيارات الكهربائية لا تهددها.
بدلا من ذلك، هناك ثلاثة تحديات رئيسة. الأول هو زيادة العرض بسرعة كافية لتلبية الطلب المتزايد بسرعة. هناك ما يكفي من مصادر النحاس والليثيوم لتلبية الاحتياجات العالمية في 2050، لكن الخطط المعلنة بالفعل للإمداد لا تفي بالطلب المحتمل في 2030. ويجب بناء مناجم ومصاف جديدة، وزيادة التدفقات المالية إلى الدول النامية، وإصلاح أنظمة التخطيط للسماح بتطوير بعض المناجم والمصافي في الدول الغنية.
ثانيا، يمكن أن تكون للتطورات الجديدة آثار بيئية محلية سلبية. إجمالا، سيتم تعويض الآثار السلبية وأكثر عبر وضع حد لتعدين الفحم ولكن هذا لن ينطبق على بعض المجتمعات المحلية. يمكن لممارسات التعدين والتكرير الأفضل أن تقلل الضرر بشكل كبير- ويجب أن تكون مطلوبة بموجب اللوائح التنظيمية المفروضة على منتجي المعادن ومستخدميها. كما ينبغي أن تشارك المجتمعات في الأرباح الناتجة، مع قبول التكاليف الإضافية الصغيرة كثمن للدفع من أجل مزيد من الإمدادات المستدامة.
لكن يمكن أيضا تقليل الآثار البيئية بشكل كبير من خلال الابتكار وإعادة التدوير، ما يقلل الحاجة إلى التعدين. قللت التصاميم الجديدة للبطاريات من احتياجات الكوبالت المستقبلية بنسبة 50 في المائة في خمسة أعوام فقط، وتستخدم الآن بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم الخالية من النيكل في 40 في المائة من السيارات الكهربائية - ارتفاعا من 7 في المائة في 2019، وبحلول 2040، يمكن أن يأتي أكثر من 50 في المائة من الليثيوم المستخدم في البطاريات الجديدة من إعادة التدوير. إن اللوائح التنظيمية تتطلب بشكل متزايد إعادة التدوير الكامل لجميع مواد البطاريات.
ثالثا، ينبغي أن نبني سلاسل توريد أكثر تنوعا. ما يقارب 70 في المائة من الكوبالت يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، و48 في المائة من النيكل يأتي من إندونيسيا، و74 في المائة من الليثيوم المكرر يأتي من الصين، رغم أن موارد الليثيوم منتشرة عبر العالم. إن تركز التعدين الكبير أمر لا مفر منه، كما أن الانفصال التام عن الصين سيزيد التكاليف بشكل كبير - ما يؤدي إلى إبطاء التقدم نحو اقتصاد خال من الكربون. لكن سياسات تقليل الاعتماد على الواردات منطقية، فهدف الاتحاد الأوروبي لتوفير 40 في المائة من إمدادات المعادن المكررة محليا هو توازن معقول.
تجب مواجهة تحديات إمدادات المعادن وإدارتها بشكل واضح. لكن يجب علينا أيضا أن نرحب بالطبيعة المستدامة لنظام الطاقة الجديد. في نظام الطاقة الحالي، نحرق كل عام ثمانية مليارات طن من الفحم، و35 مليار برميل من النفط، وأربعة تريليونات متر مكعب من الغاز، منتجين نحو 40 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. في النظام الجديد، نستخرج كميات أقل بكثير من المعادن الرئيسة ونضعها في هياكل تولد الطاقة الكهربائية النظيفة وتخزنها وتستخدمها، وبعد ذلك تصبح المواد جاهزة لفعل الشيء نفسه مرة أخرى العام المقبل أو يعاد تدويرها مرارا وتكرارا. إن هذا نظام متجدد بطبيعته، وكلما أسرعنا في بنائه كان ذلك أفضل.

* رئيس لجنة تحولات الطاقة

الأكثر قراءة