بعد التراجع عن "ميفيد" .. الوسطاء متشككون من نهضة البحث
تتراجع المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عن أحد أبرز أجزاء التنظيم المالي في محاولة لتنشيط أسواق المال في المنطقة، لكن المستثمرين والوسطاء يحذرون من أن هذه الخطوة قد تكون متأخرة.
كان مسؤولو الاتحاد الأوروبي يسعون إلى إبطال بعض عناصر قانون توجيه الأسواق في الأدوات المالية "ميفيد" في الكتلة، والذي كان في الأصل تتزعمه المملكة المتحدة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن المملكة المتحدة قامت بخطوة استباقية الأسبوع الماضي.
في خطابه السنوي في مانشين هاوس الأسبوع الماضي، قال جيريمي هانت وزير الخزانة البريطاني إنه سيشجع الوسطاء على إجراء مزيد من الأبحاث حول الشركات البريطانية الصغيرة ومتوسطة الحجم عبر إبطال لوائح قانون ميفيد 2 التي تحظر على وسطاء البورصة تغطية تكاليف أبحاث الاستثمار بالعمولات التي يدفعها العملاء مقابل التداول. وسدد مديرو الأصول مدفوعات منفصلة مقابل البحث منذ أن تم وضع القواعد في 2018.
يعكس هذا الموقف الأكثر تساهلا شكاوى واسعة النطاق من الوسطاء والمستثمرين الأوروبيين من أن قانون ميفيد 2 قد زاد من التعقيد والتكلفة لما كان في السابق علاقة مباشرة، وإن كانت غير مثالية، بين مديري الصناديق وبنوكهم. لكنه يشير أيضا إلى أن الجهات التنظيمية تأخذ على محمل الجد فكرة أن قانون ميفيد 2 يحرم الشركات الصغيرة من الانكشاف على الأبحاث الذي تحتاج إليه لجذب المستثمرين، تماما كما أصبحت قلة إدراج الشركات في أسواق الأسهم عبر أوروبا قضية سياسية ساخنة.
يتمثل التحدي الآن في أن تغير سلوك المستثمرين الذي أثر فيه قانون ميفيد 2 قد يكون صعبا.
قال جستن شاك، رئيس هيكل السوق العالمية في شركة روزنبلات سكيورتيز، "تبنى مديرو الأصول ممارسات موحدة حول العالم، ولا أراهم يتراجعون عن ذلك. لست متأكدا من أن هذا سيغير سلوك المستثمرين بشكل جوهري".
كان مهندسو القواعد الأصلية يأملون في أن يبتهج المستثمرون بالشفافية في تكاليف أبحاثهم، وأن يتمتعوا بتحليلات أكثر موضوعية والتي كانت مستقلة عن العلاقات التجارية. مع ذلك، يزعم نقاد أن التغييرات أدت بدلا من ذلك إلى تخفيضات حادة في التغطية، خاصة الشركات الناشئة التي في أمس الحاجة إلى الوصول للأبحاث.
في مواجهة احتمالية الدفع مباشرة مقابل البحث، اختار بعض المستثمرين ببساطة عدم فعل ذلك. خفض مديرو الأصول الأوروبيون الإنفاق على الأبحاث الخارجية بمقدار الثلثين منذ سن قواعد قانون ميفيد، وفقا لبحث أجرته شركة فروست كونسلتنغ. وبعد أن دخلت القواعد حيز التنفيذ، يعتقد 47 في المائة من مديري الأصول الذين شملهم استطلاع معهد سي إف أيه أن تغطية البحوث للأسهم الصغيرة ومتوسطة الحجم قد انخفضت.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت اللوائح التنظيمية في الاتحاد الأوروبي هي المسؤولة عن ذلك. قالت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية في 2021 إن الشركات الصغيرة في الأغلب ما تتم تغطيتها بأبحاث أقل وذات جودة منخفضة، لكن "يبدو أن هذا الوضع لم يتحسن أو يزداد سوءا" بموجب قواعد قانون ميفيد. فيما كان التأثير في وصول الشركات الصغيرة إلى رأس المال غير واضح.
قال ديفيد كومينغ، رئيس الأسهم البريطانية في شركة نيوتون إنفسمنت مانيجمنت، إنه "من الغريب" أن تراجع السلطات البريطانية الآن قواعد دفعت بها في البداية. لكنه أضاف أن "تأثير التشريع السابق كان سلبيا من حيث تغطية الاستثمار في الأسهم في المملكة المتحدة" حيث "تم فصل وسطاء كثيرين وتم تقليل مستوى قاعدة أبحاث الأسهم".
رحب هانت بمراجعة حكومية صدرت هذا الشهر تحدثت عن "حلقة إيجابية"، حيث يسهم البحث الفاعل في تقييمات أفضل وسيولة أكبر، ويزيد في النهاية من الجاذبية العامة للمملكة المتحدة باعتبارها وجهة للإدراج. "هناك تقبل عام بأن متطلبات الفصل التي نص عليها قانون ميفيد 2(...) كان لها بعض الآثار السلبية في توفير البحوث الاستثمارية، وأنه لم يتم تحقيق جميع الفوائد المتوقعة منها"، كما أشارت المراجعة.
يأتي التراجع عن اللوائح التنظيمية المتعلقة بالبحوث في سياق القلق السياسي حول صحة أسواق المال في أوروبا. يتدافع صانعو السياسات لزيادة تمويل الشركات المحلية في ظل ندرة عمليات الإدراج العامة واختيار سلسلة من الشركات البارزة، مثل صانعة الرقائق أرم، الإدراج في نيويورك بدلا من الإدراج محليا. تسعى الحكومة البريطانية أيضا إلى توجيه بعض أموال صناديق التقاعد نحو الشركات البريطانية ذات النمو المرتفع كجزء من هذه الجهود.
لكن الوتيرة البطيئة لأسواق المال الأوروبية لا ترجع فقط إلى الافتقار إلى البحث الاستثماري. قال ستيفن فاين، الرئيس التنفيذي لشركة بيل هانت البريطانية للوساطة، "لا أعتقد أنه سيحدث فرقا هائلا على الفور". لكنه أضاف أنه، "كل على حدة تبدو بعض هذه الأشياء غير مهمة بعض الشيء لكن بشكل إجمالي (...) ينبغي ألا نقلل من مدى تأثير إصلاحات المملكة المتحدة".
كافح مقدمو الأبحاث المستقلون في التنافس على الأسعار مع شركات البحث الكبيرة بعد تقديم قانون ميفيد، وهم متشككون في أن كثيرا سيتغير الآن.
قال فاين، "لا يمكنك إجراء البحث والتوزيع بطريقة مربحة، أعتقد أن هذا مستحيل"، مضيفا أن الفوائد تنبع من العلاقات التي توفرها الأبحاث عالية الجودة.
استحوذت المؤسسات الكبيرة على كثير من مجموعات البحث فقط في الأعوام التي تلت إدخال قواعد ميفيد 2، ما يعكس أن الشركات المستقلة تحتاج إلى دعم كبير لمساعدتها على المنافسة.
اشترت شركة أليانس بيرنشتاين الأمريكية لإدارة الأصول شركة أوتونوموس ريسيرتش البريطانية الصغيرة في 2018. واستحوذ بنك بايبر ساندلر الأمريكي على شركة تزويد الأبحاث كورنر ستون ماكرو في 2022، بينما استحوذ بنك روثشايلد آند كو على شركة ريد بيرن البريطانية لأبحاث الأسهم العام الماضي.
قال مايك كارودوس، مؤسس شركة سبستانتف ريسيرتش، "لقد تأخر الوقت كثيرا لمحاولة التخلص من جزء كبير من هذا".
تعمل التراجعات الأوروبية أيضا على زيادة الدعوات لاستئناف الإعفاء لتجنب العواقب غير المباشرة في الولايات المتحدة. تركت متطلبات قانون ميفيد 2 للمدفوعات المباشرة الوسطاء الأمريكيين في خطر الاضطرار إلى التسجيل بصفتهم مستشارين استثماريين في موطنهم، وقد انتهى إعفاء هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية هذا الشهر. والآن، قادت هيئة وول ستريت "سيفما" دعوات إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات لإعادته.
قال كينيث بنتسن، الرئيس التنفيذي لسيفما، "لا يوجد سبب لإلحاق الضرر بالمشاركين في السوق الأمريكية والمستثمرين والشركات الأمريكية بمتطلب أوروبي تخطط كل من المفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة التراجع عنه بشكل كبير".