المستثمرون ونظريات الانهيار .. هل حان وقت تنفس الصعداء؟
بدأ بالفعل الشعور بأن الوقت قد حان ليتنفس مستثمرون كثيرون الصعداء، ويكبحون عنادهم، ويعترفون بأن نظرياتهم الكبرى حول انهيار وشيك في سوق الأسهم قد تكون مبكرة. وأعني بكلمة مبكرة، أنها خاطئة.
ارتفعت أسواق الأسهم الرئيسة طوال العام، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى عكس ذلك من قبل كل البنوك والشركات الاستثمارية البارزة تقريبا. بالتأكيد، يمكنك المجادلة بتفاصيل غريبة مثل التأثير الهائل لعدد قليل من أسهم التكنولوجيا الأمريكية، لكن الأرقام هي البرهان: 18 في المائة في مؤشر ستاندارد آند بورز 500 هذا العام و36 في المائة "وذلك ليس خطأ مطبعيا" في مؤشر ناسداك المركب. حتى اليابان، التي كان أداء سوقها ضعيفا دائما، ارتفعت 18 في المائة، ومؤشرات أوروبية كثيرة في طريقها إلى مضاعفة الأرقام.
جاءت أحدث موجة من المشاعر الإيجابية من بيانات التضخم الأمريكية الصادرة الأربعاء. تلك الأيام المظلمة التي شهدت تضخما يبلغ 9 في المائة قبل أكثر من عام بقليل أصبحت الآن خلفنا. بدلا من ذلك، انخفض المعدل إلى 3 في المائة فقط في حزيران (يونيو) - وهي أدنى نقطة في عامين. وكان ذلك كافيا لدفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 إلى أقوى مستوى له في 15 شهرا.
أخبرني أحد المصرفيين أن صناديق التحوط وكبار المستثمرين الآخرين لم يكونوا ببساطة مستعدين لذلك. وهذا يعني أن هناك مستثمرين لم يستغلوا سوق الأسهم الصاعدة. مع بقاء كل الأمور كما هي عليه، فهذا يعني أنه يمكن أن يكون هناك مزيد من الارتفاع، سواء أراد المتشائمون ذلك أم لا. إنها تجارة ألم تقليدية.
قال وولف فون روتبيرج، محلل الأسهم في بنك جيه سافرا ساراسين الخاص في زيورخ، "لا يزال الركود هو قضيتنا الأساسية. لكن يجب أن أعترف أن رقم التضخم الأسبوع الماضي يجعلنا على الأقل نفكر في سيناريوهات بديلة".
إن أرقام التضخم مهمة إلى حد كبير لأنه إذا كان التراجع حقيقيا، فهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يوقف رفع معدل الفائدة المستمر وربما حتى أن يلقي بتشدده المالي في الاتجاه المعاكس دون التسبب في هبوط حاد ومخيف يخشاه مديرو الصناديق.
تشير أسواق العقود الآجلة إلى أن المستثمرين يتوقعون زيادة أخرى للفائدة بمقدار ربع نقطة من الاحتياطي الفيدرالي بحلول الخريف، ثم قيامه بسلسلة مناسبة من التخفيضات خلال العام المقبل وبعده بقليل.
هناك شيء واحد يجب تذكره هنا: هذه ليست بالضرورة وجهة نظر مثالية لما يعتقد المستثمرون بصدق أن الاحتياطي الفيدرالي سيفعله. يمكن أن تتسبب عمليات التحوط ضد التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة للتعامل مع الركود الهائل، في العبث بسهولة مع المؤشرات. لكن مرة أخرى، من الصعب أن نجادل الأرقام.
مثلا، يحث بوب برينس على توخي الحذر. أخبرنا كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق بريدج ووتر أسوشييتس - أحد أكبر صناديق التحوط في العالم - الأسبوع الماضي أن "الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض سعر الفائدة". وقال عن توقعات السوق بخفض سعر الفائدة، "لن يفعلوا ما تم احتساب وقوعه"، مضيفا أنه "في وضع يسمح له بدورة تضييق". من الواضح أن لديه وجهة نظر، لكنه أصبح وضعا غير مريح بشكل متزايد.
شركة جيه بي مورجان أسيت مانيجمنت لا تصدق هذه الضجة. في توقعاتها الصادرة الأسبوع الماضي لبقية 2023 "قبل وقت قصير من صدور بيانات التضخم الأمريكية" قالت إن تحسن أداء الأسواق المحفوفة بالمخاطر هذا العام هو ببساطة "جيد جدا لدرجة يصعب تصديقها".
إن أسواق الأسهم المتفائلة بشكل مفرط، والقوة النسبية حتى في الطرف الأكثر خطورة من سوق سندات الشركات تجعلها متوترة. قال هيو جيمبر، محلل الأسواق العالمية في شركة الاستثمار، "نشعر أن الأسواق أقل استعدادا للتباطؤ الذي ما زلنا نعتقد أنه ضروري" للسيطرة على التضخم بشكل حقيقي ودائم. فكر مثل الأرماديلو "المدرع"، المستعد للالتفاف حول نفسه بسرعة ليتحول إلى كرة مدرعة تحميه عند حدوث أي تهديد. "نحن لسنا مرتاحين لأن الأسواق متفائلة للغاية ونعتقد أن الوقت قد حان لتقليل فرص تعرضنا للمخاطر عبر بيع أو تسييل جزء من مراكزنا".
كما أضاف أن الارتفاع في عدد قليل من أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة يدعم جزءا كبيرا من أداء السوق في الوقت الحالي، لكن حقبة كوفيد وعمليات الإغلاق خلالها كانت هي المرة الأولى التي تفادت فيها التكنولوجيا تأثير الركود الحقيقي. وإذا تسبب أحدها في التأثير السلبي أخيرا، فمن السهل تخيل ضررا كبيرا يلحق بالسوق ككل.
أكد فون روتبيرج من بنك جيه سافرا ساراسين على هذه النقطة - كان شراء أسهم التكنولوجيا استراتيجية دفاعية رائعة في الآونة الأخيرة، ولكن هذا استثناء وليس القاعدة، ويمكن أن "تنقلب مرة أخرى إلى مجموعة الأسهم التي تتأثر بالدورات الاقتصادية".
لكن الأمر لا يتطلب قدرا كبيرا من التحديق حتى نرى أننا في الواقع في وضع موات للغاية، بصرف النظر عن المملكة المتحدة وتوقعات النمو والتضخم السيئة لها.
قال فهد كمال، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك إس جي كلاينوورت هامبورز الخاص، "نحن في أفضل وضع معتدل. إن الاقتصاد ليس سيئا للغاية، والناس لديهم وظائف، والمستهلك مرتكز بشكل جيد للغاية. إضافة 6 في المائة إلى راتبك لها تأثير نفسي أقوى من دفع 8 في المائة أكثر في المتجر".
وأضاف كمال أن انخفاض التضخم في الولايات المتحدة "لا يبدو سيئا للغاية". ولو لم يكن ذلك كافيا، فقد رأينا في الأزمة المصرفية الأمريكية القصيرة في وقت سابق من هذا العام، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال راغبا وقادرا على حل الأزمات بميزانيته العمومية. "كل شيء في مكانه الصحيح، إضافة إلى دعم الاحتياطي الفيدرالي الجميل، فقط للاحتياط". عندما يصف الأمر على هذا النحو، فما الذي لا يعجبك في ذلك؟ يجب على المتشائمين أن يستعدوا لاحتمال أن تصبح تجارة الألم أكثر إيلاما.