لماذا تفتقر أبحاث الاستدامة إلى الواقعية؟

لماذا تفتقر أبحاث الاستدامة إلى الواقعية؟

إذا أرادت كليات إدارة الأعمال أن تظل ذات صلة بالنسبة إلى الطلاب والقائمين بالتوظيف وصناع القرار، فإنها تحتاج إلى نهج أكثر جدية للبحث في موضوع وجودي: الاستدامة.
بوجود أدلة علمية واضحة على تغير المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان، وأمثلة شبه يومية على الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الذي يسببه، وتزايد الجهود التكنولوجية والسياسية للتخفيف من عواقبه، هناك طلب كبير على الخبرة.
وبينما يأتي كثير من الأفكار الأكاديمية في هذا المجال من كليات العلوم البيئية والهندسة وكليات الجامعة الأخرى، ينبغي أن تلعب كليات إدارة الأعمال دورا محوريا، حيث تقوم بتدريب المستثمرين الحاليين والمستقبليين ورجال الأعمال والمديرين وواضعي السياسات، وفي هذه العملية تعتمد على أبحاثها وأبحاث الآخرين. الأفضل فيها تكافئ أعضاء هيئة التدريس، الذين يطورون ويعلمون الأفكار المفيدة.
لكن من المثير للقلق أن تظل الاستدامة موضوعا متواضعا إن لم يكن شكليا في عديد من كليات إدارة الأعمال. فكثير من العمل الذي يتم إنتاجه هو عمل نظري للغاية، ومقصور على فئة معينة، ويصعب تعميمه أو استخلاص توصيات عملية منه.
علاوة على ذلك، غالبا ما تظل المخرجات الأكاديمية ذات الأفكار المحتملة لجمهور ممارس أوسع يتعذر الوصول إليها: فهي مكتوبة بلغة نظرية يصعب فهمها إلى حد كبير، ومخفية وراء الاشتراكات المدفوعة في المجلات الأكاديمية ومحاولات ضئيلة للنشر أو الترويج.
كما أوضح المؤلفون في هذا التقرير –رؤى كلية فاينانشيال تايمز: الاستدامة– أن هناك مع ذلك بعض الأبحاث الممتازة، التي يتم إنتاجها بدقة وتكون ذات علاقة. فقد تمت كتابة معظم المقالات التي شاركناها من قبل أكاديميين بالاعتماد على أبحاثهم التي يراجعها النظراء، التي نشرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
يعرض بها الانعكاسات والتحليلات والنتائج الأصلية حول تأثيرات المناخ على الاقتصاد الكلي، وحول الاستثمار في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة - بما في ذلك عوائده المالية طويلة الأجل وما إذا كان سحب الاستثمارات أو النشاط هو سياسة أفضل.
يقدم بعض الباحثين رؤى حول صناعات محددة، من ضمنها التأمين وصيد الأسماك ومعالجة الأغذية وإعادة التدوير، مؤكدين على أفضل الممارسات أو الأفكار للتغيير من قبل قادة الشركات والحكومات. ويقوم آخرون بفحص وسائل التواصل الاجتماعي لتحليل المعنويات واستكشاف أسعار الانبعاثات الكربونية، وتقييم عمل وكالات التصنيف للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
بشكل منفصل، فإننا نشرك الآراء من رجال الأعمال والأوساط الأكاديمية حول ما هو مطلوب لسد الفجوة بين الاثنين، مع أفكار حول نماذج جديدة للشراكة. وتشمل هذه الجهود المبذولة للعمل بشكل أكثر تعاونية، من تطوير المشاريع الأولية، عبر إجراء الأبحاث إلى مشاركة النتائج - مع الحفاظ على النزاهة والاستقلالية.
لقد كان من السهل نسبيا إقناع الأكاديميين باقتراح أبحاث يعدونها مهمة لإدراجها في هذا التقرير. وهناك بعض المجموعات الممتازة التي قدمت أفكارا وتوصيات بسخاء، من ضمنها شبكة استدامة الأعمال وأكاديمية الإدارة.
ينتج آخرون قوائم قراءة دورية لمقالات المجلات، مثل قائمة الشرف للبحث المسؤول في مجال الأعمال والإدارة والموارد الأكاديمية العليا المدرجة في مبادئ الاستثمار المسؤول. هناك أيضا جوائز كجائزة موسكويتز، وتلك التي يديرها ائتلاف أليانس للأبحاث حول مسؤولية الشركات.
ومع ذلك، بالنسبة إلى كثيرين داخل الأوساط الأكاديمية – بمن فيهم لجان الكليات التي تعين الموظفين وترقيهم - يتم تحديد التأثير بشكل مختزل: في المقام الأول كمقياس لـ "عامل التأثير" لمجلة أكاديمية يتم نشر العمل فيها، وبالتالي يتم تحديده عبر الاستشهادات التي تلقتها الأوراق البحثية السابقة بمرور الوقت.
نادرا ما يحصل الأكاديميون على الاهتمام أو المكافأة على تقدير تأثير عملهم خارج الجامعات، كالجهود المبذولة لإنتاج و"ترجمة" الأبحاث إلى رؤى مفيدة ومفهومة، أو الانخراط مع الشركات، ناهيك عن السعي لقياس نتائج أفكارهم.
لذلك ليس من المستغرب أن يكون تحديد العمل الذي يقرأه الممارسون ويقدرونه أمرا صعبا. فعلى الرغم من استطلاع آراء عدة آلاف من خريجي كليات إدارة الأعمال، لم تتلق "فاينانشيال تايمز" سوى عدد قليل من التوصيات من الأوراق البحثية التي وجدوها مفيدة. يبدو أن القليل منهم يقرأون كثيرا من النشرات التي يتم إنتاجها.
قدمت شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية، وهي منصة يقوم عديد من الأكاديميين بتحميل مسودات لأبحاثهم عليها قبل نشرها في مجلة، وكيل أفضل- وإن كان لا يزال ناقصا -. إذ تشارك الشبكة معلومات التنزيل بما فيها من المنظمات خارج الأوساط الأكاديمية.
بشكل عام، هناك ثلاثة استنتاجات مثيرة للقلق في مسحنا لأبحاث كليات إدارة الأعمال حول الاستدامة. الأول هو أنه رغم بعض الاستثناءات الملحوظة، لا يوجد ما يكفي من الأعمال. والثاني أن الكثير مما هو مكتوب لا علاقة له بصناع القرار. والثالث هو أن البحث المفيد يظهر ببطء شديد. فقد تستغرق الورقة التي تحلل البيانات من مصدر من الأعوام السابقة عدة أعوام أخرى من التحليل إلى الإنتاج إلى النشر.
يحتاج الباحثون إلى حرية التركيز على مجالات متعددة، وتحقيق التوازن بين النظرية والممارسة. لكن تغيير هياكل الحوافز وتعزيز الملاءمة وتشجيع النشر الواضح للأفكار بما فيها "ملخصات الممارسين" لمقالات المجلات كلها ستساعد.
وبالنظر إلى وتيرة الاحتباس الحراري العالمي، فإن كثيرا من الجهد الأكاديمي يخاطر بإعطاء كثير من الهواء الساخن - وقلة البصيرة العملية - بعد فوات الأوان لإحداث فرق بالنسبة إلى كوكب الأرض.

الأكثر قراءة