أسواق السندات الصاعدة تعطي دروسا من الماضي
تهيأت الظروف لأكبر سوق صاعدة للسندات في التاريخ الحديث في سبعينيات القرن الماضي، عندما وصل التضخم إلى مستويات جامحة. أطلقت البنوك المركزية، بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، استجابة صارمة، حيث دفعت أسعار الفائدة إلى مستويات مرتفعة للغاية. وعلى مدى الـ40 عاما الانكماشية حتى نهاية 2021، كان العائد الحقيقي السنوي على السندات في مؤشر السندات العالمي 6.3 في المائة، وهو ليس أقل بكثير من عائد 7.4 في المائة على الأسهم العالمية خلال الفترة نفسها.
هكذا يقول الكتاب السنوي الذي لا يقدر بثمن لبنك كريدي سويس حول عوائد الاستثمار العالمي من إعداد الاقتصاديين إيلروي ديمسون، وبول مارش ومايك ستونتون. نظرا إلى أن محافظي البنوك المركزية اليوم يتبعون بإصرار سياسات أسعار الفائدة التي يطلق عليها "أعلى لفترة أطول"، راهن كثير من المستثمرين، دون جدوى حتى الآن، على إعادة التاريخ نفسه.
لكن من المهم أن نأخذ في الحسبان أن العوائد الشبيهة بالأسهم على السندات الحكومية في هذه الفترة الذهبية كانت نعمة ونقمة بالنسبة إلى المستثمرين. علاوة على ذلك، أوجدت هذه السلسلة المذهلة التي استمرت 40 عاما أسطورة جديدة للاستثمار في السندات، إلى جانب مفردات مضللة بشكل ضار.
أعلن الاقتصاديون الأكاديميون واستشاريو المخاطر المالية أن السندات الحكومية أصول "آمنة" تحقق أسعار فائدة خالية من المخاطر. كما ادعوا أن السندات تقدم التنويع مقابل الأسهم المحفوفة بالمخاطر، وهي حجة قدمت المنطق الخاص بتكريس تقسيم المحافظ بين الأسهم والسندات بنسبة 60 /40.
لكن في كثير من دول العالم المتقدم، كانت العوائد على كثير من السندات الحكومية قبل 2022 سلبية من حيث القيمة الاسمية والحقيقية على حد سواء، وهو نوع غريب من المعدلات الخالية من المخاطر. حيث قدمت هذه السندات اليقين للمستثمرين بخسارة مضمونة عند الاستحقاق. أما فيما يتعلق بالسلامة، فقد قدمت السندات العالمية عائدا حقيقيا في 2022 بنسبة سالب 27 في المائة، وكان أداء السندات الحكومية البريطانية أسوأ حتى من ذلك. والحقيقة هي أنه لا يوجد شيء في أسواق المال يخلو من المخاطر على الإطلاق.
هذا الاصطدام بين الوهم والواقع له تداعيات خطيرة ليس فقط على الحكومات والجهات التنظيمية. إنه يؤثر في المستثمرين الأفراد، الذين يفكرون في كيفية استجابتهم للمشهد الجديد للسندات، وفي مقترضي الرهن العقاري محدد الأجل في المملكة المتحدة، والذين تتأثر معدلات قروضهم العقارية بشدة بمسار عوائد السندات الحكومية، وفي مدخري المعاشات التقاعدية الذين يتطلعون إلى الحد من التقلبات في استثماراتهم التقاعدية مع اقترابهم من التقاعد.
وهم الحماية
من المفارقات أن المستثمرين في السندات طويلة الأجل المرتبطة بالمؤشرات العام الماضي شهدوا انخفاضا في استثماراتهم بمقدار الثلث أو أكثر من حيث القيمة على أساس تقويمها بسعر السوق.
صدق كثيرون الافتراض الخاطئ أنهم كانوا يحصلون على الحماية من ارتفاع التضخم. لكن لا تتحقق الحماية إلا إذا تم الاحتفاظ بالسند المرتبط بالمؤشر حتى تاريخ الاستحقاق. في الواقع، فإن أسعار سندات الحكومة المرتبطة بالمؤشر مدفوعة بالعوائد الحقيقية النسبية، وليس بالتضخم. لذلك إذا ارتفعت عوائد سندات الحكومة الاسمية، فيجب أن ترتفع عوائد سندات الحكومة المرتبطة بالمؤشر لتقديم عائد تنافسي، ما يقضي على قيمة رأس المال بغض النظر عما يحدث لمستوى الأسعار العام، حيث إن ارتفاع العوائد يعني انخفاض الأسعار.
يعد هذا كارثيا بشكل خاص للأشخاص في مخططات المعاشات التقاعدية ذات المساهمة المحددة في المملكة المتحدة حيث تتخذ الأغلبية العظمى خيارا تلقائيا يتضمن التحول إلى الأصول التي يفترض أنها آمنة مثل أسعار الفائدة الثابتة وسندات الحكومة المرتبطة بالمؤشر مع اقتراب التقاعد. يسمي مستشارو الاستثمار هذه العملية "بإزالة المخاطر". هذا التحول يعرض الناس لخسائر رأسمالية كبيرة.
ما زاد الطين بلة، أن أسعار السندات تراجعت تزامنا مع الأسهم في 2022. هذا كثير بالنسبة إلى التنوع. جاءت العوائد السابقة التي تشبه عوائد الأسهم مصحوبة بتقلب شبيه بالأسهم.
الخبر السار اليوم هو أن السندات لم تعد تقدم قيمة رهيبة كما كانت قبل 2022. لكن لا تتوقع منها أن تقدم أي شيء يشبه عائد العصر الذهبي الذي استمر 40 عاما. بينما يميل محافظو البنوك المركزية إلى إرجاع ميزة التضخم المنخفض خلال هذه الفترة إلى حصافتهم، كان الدافع الحقيقي لانحسار التضخم هو العولمة.
أدت صدمة سوق العمل العالمية الناجمة عن انضمام الصين ودول أوروبا الشرقية إلى النظام التجاري العالمي إلى تآكل القوة التفاوضية للعمالة في العالم المتقدم. أضافت سلاسل التوريد العابرة للحدود المعقدة على نحو متزايد مزيدا من الزخم لانحسار التضخم.
انعكس هذا الوضع الآن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والخلاف الجيوسياسي بين الصين والغرب. وفي الوقت نفسه، أدى ركود المداخيل الحقيقية في الدول المتقدمة، والناتج عن ضغوط سوق العمل العالمية، إلى ظهور السياسات الشعبوية والعودة إلى الحمائية. وكما جادل الأكاديميان مانوج برادان وتشارلز جودهارت في كتاب حديث، فإن شيخوخة السكان في العالم المتقدم ستؤدي إلى انكماش أسواق العمل، وبالتالي إعادة تمكين العمال. كيف، إذن، في ظل هذه الضغوط التضخمية المتجددة، يمكن إقامة حجة لسوق صاعدة للسندات؟
نظرة مستقبلية غير مؤكدة
تتمثل إحدى نقاط البداية الواضحة في أنه إذا كنت تعتقد أن البنوك المركزية ستخفض التضخم في النهاية إلى مستوى قريب من أهدافها البالغة نحو 2 في المائة، فإن العوائد الحالية التي تراوح بين 4 و5 في المائة على سندات الحكومة البريطانية وسندات الخزانة الأمريكية تمثل قيمة جيدة، خاصة فيما يتعلق بالأسهم، حيث تبدو تقديرات الأرباح متفائلة بشكل مفرط في الولايات المتحدة، وربما في المملكة المتحدة أيضا.
هناك، إضافة إلى ذلك، احتمال خطير للمبالغة في السياسات النقدية. يقوم محافظو البنوك المركزية بتوجيه السياسة باستخدام بيانات تعود إلى الماضي. في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو لا يهتمون كثيرا بالتنبؤ بالمعروض النقدي. والسبب هو أنه بعد فترة وجيزة من النظرية النقدية في الثمانينيات انهارت العلاقة بين الوفرة النقدية وتضخم الأسعار الاستهلاكية.
كريس واتلينج، الرئيس التنفيذي في شركة الأبحاث لونغفيو إيكونوميكس، يرى أن الانهيار جاء نتيجة التوسع المالي "زيادة حجم القطاع المالي للبلد وأهميته مقارنة باقتصاده الكلي". وهذا يعني أن معظم النقود التي تم إنشاؤها حديثا منذ أن بدأت الحكومات في تحرير التمويل في أوائل الثمانينيات كانت تغذي أسعار الأصول وليست البضائع والخدمات في الاقتصاد الحقيقي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك نمو ديون الرهن العقاري التي ارتفعت من 10 إلى 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 100 في المائة في كثير من الدول. وفي المملكة المتحدة، بلغت ذروتها عند أقل بقليل من 80 في المائة في 2010.
في الآونة الأخيرة، كان استحداث النقود منذ الأزمة المالية خلال 2007-2009 مدفوعا ببرامج شراء الأصول لدى البنوك المركزية، المعروفة باسم التيسير الكمي. وهذا، أيضا، ذهب إلى تضخم أسعار الأصول، خاصة في أسواق السندات الحكومية.
يجادل واتلينج بأن هذا النمط تم كسره الآن وأن نوبة التضخم الأخيرة تنبع من استحداث النقود خلال الجائحة والذهاب إلى الحسابات المصرفية للأسر والشركات في شكل منح طارئة، ومدفوعات الإجازة وغيرها من أشكال الدعم. ثم تم إنفاق هذه الأموال، ما أدى إلى تضخم من الطراز القديم، حيث كان كثير من المال يتبع عددا قليلا جدا من البضائع والخدمات.
ما يدعم هذه الحجة هو حقيقة أن الاقتصاديين النقديين مثل تيم كونجدون في المملكة المتحدة وستيف هانكي في الولايات المتحدة كانوا يقدمون توقعات مدروسة بشأن الارتفاع التضخمي في 2021 عندما كان محافظو البنوك المركزية معتمدين على نماذج اقتصادية معقدة لكن غير مفيدة مع عدم وجود مدخلات عن معروض الأموال، يعلنون أن التضخم سيكون عابرا.
يتوقع كلا الاقتصاديين الآن حدوث ركود اقتصادي في ضوء الانكماش في معروض الأموال في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ونمو الأموال المنخفض للغاية في المملكة المتحدة، حيث تقوم البنوك بتعديل ميزانياتها بما يتماشى مع متطلبات رأس المال الأكثر صرامة.
وفقا لكونجدون، فإن الانخفاضات في أرصدة الأموال الحقيقية حتى الآن لم تحدث ضررا كبيرا، لأنها لم تعوض سوى فائض الأموال من النمو النقدي المفرط في 2020 و2021. لكن نسب الأموال إلى الناتج المحلي الإجمالي آخذة في الانخفاض بسرعة.
يجلب الركود مخاطر الانكماش وهو أمر جيد بالطبع للسندات حيث يؤدي ضعف الطلب في الاقتصاد إلى انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع أسعار السندات. إن الضعف الأخير في أسعار السلع الأساسية يؤكد احتمالية حدوث انكماش في المدى القصير.
الحجة المضادة
ما الحجج المضادة للمراهنين على السندات؟ قد يكون السبب الأول هو عدم اليقين الهائل الذي يحيط بنتيجة التجربة النقدية التي أجرتها البنوك المركزية منذ الأزمة المالية. بعد أن وسعت ميزانياتها العمومية بشكل كبير، فهي تحرص الآن على تقليصها من أجل الحفاظ على مؤهلاتها في مكافحة التضخم - وهي عملية تعرف باسم التشديد الكمي. هذا مجال مجهول في السياسة النقدية. السؤال الكبير هو، مع بيع البنوك المركزية، من سيشتري سندات الدين الحكومية في وقت يتعرض فيه لضغوط الإنفاق العام الكبيرة؟
باستثناء الزيادة في الإنفاق بسبب الجائحة ستكون هناك مطالب كبيرة على الخزانة العامة ليس فقط من أجل الارتفاع المستمر في فواتير الرعاية الصحية لكن أيضا للاستثمار في البنية التحتية في عملية الانتقال إلى الكربون المنخفض. شيخوخة السكان تعني زيادة فواتير المعاشات التقاعدية. الحرب في أوكرانيا والاحتكاكات الجيوسياسية الأوسع نطاقا تجعل الإنفاق الدفاعي الأعلى ضروريا.
يحدث هذا في ظل زيادة مقلقة في المديونية العالمية. يقدر معهد التمويل الدولي، وهو هيئة مهنية، أن الدين العالمي عند 305 تريليونات دولار هو الآن أعلى بمقدار 45 تريليون دولار من مستواه قبل انتشار الجائحة. وفي المملكة المتحدة، بلغ صافي الدين العام 100.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في أيار (مايو)، متجاوزا 100 في المائة للمرة الأولى منذ 62 عاما.
هذا يثير تساؤلات حول الصراع المحتمل بين أهداف البنوك المركزية - استقرار الأسعار والاستقرار المالي. إن ارتفاع الأسعار لفترة أطول يعني أن كثيرا من الأسر والشركات ستكون أكثر عرضة لخطر التخلف عن السداد. وهذا بدوره من المحتمل أن يزعزع استقرار النظام المصرفي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى انخفاض أسعار السندات مع تشديد السياسة النقدية.
انخفضت قيمة السندات في الميزانيات العمومية للبنوك. وقد أدى هذا إلى دفع بعض البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة، مثل بنك وادي السيليكون، إلى الإفلاس. ويمكن أن يحدث الشيء نفسه في أوروبا، خاصة في القارة، حيث يتم الضغط على البنوك في كثير من الأحيان لحمل كميات كبيرة من الأوراق الحكومية.
تظهر صعوبة خاصة بسبب انتقال المخاطر من النظام المصرفي التقليدي إلى القطاع المالي غير المصرفي الغامض بشكل خطير. ومن الصعب على الجهات التنظيمية المالية تتبع المخاطر ذات الصلة.
جاءت الدلائل على ذلك مع أزمة السيولة في سوق سندات الحكومة في المملكة المتحدة في الخريف الماضي، في أعقاب الميزانية في ظل حكومة ليز تروس التي أفسدت الأمر لعديد من صناديق التقاعد التي اتبعت ما يسمى "باستراتيجيات الاستثمار المدفوعة بالالتزامات". لم يتمكنوا من تلبية الدعوات للحصول على مزيد من الضمانات مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة وانخفاض أسعارها. تحرك بنك إنجلترا بسرعة للعمل كمشتري الملاذ الأخير لسندات الحكومة طويلة الأجل وأرجأ التشديد الكمي، وبالتالي تجنب الانهيار المالي الشامل المحتمل. لكن هل ستتم إدارة الأزمات المستقبلية في المجال المالي غير المصرفي بهذه السرعة والسهولة؟
إنه عالم قد يكون للاستقرار المالي فيه الأولوية على محاربة التضخم. بالفعل، يجادل بعض الاقتصاديين بأن ذلك ينبغي أن يحدث. حيث يعتقد ويليم بوتر، كبير الاقتصاديين السابق في بنك سيتي جروب وعضو سابق في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، أن الاستقرار المالي يجب أن يأتي أولا لأنه شرط مسبق للسعي الفاعل لتحقيق استقرار الأسعار. لن تكون هذه أخبارا جيدة لمستثمري السندات على المدى القصير، نظرا إلى أن تخفيف السياسة لمعالجة عدم الاستقرار المالي يعيد فتح احتمالية التضخم من خلال استحداث النقد.
هل ستبقى البنوك المركزية هادئة وتستمر؟
الأهم من كل شيء، هناك سؤال حول ما إذا كانت البنوك المركزية ستمسك أعصابها إذا واجهت ضغوطا سياسية عندما تتخلف الشركات وأصحاب المنازل عن السداد في حالة ركود. سيكون استقلالهما الذي تباهيا به كثيرا عرضة للتهديد. وهذا يؤكد وجود تضارب آخر محتمل في أهداف البنوك المركزية - وهو الصراع بين مكافحة التضخم والمخاطر المهنية المتعلقة بقرارات الأفراد. نادرا ما يشكر السياسيون محافظي البنوك المركزية على كبح جماح التضخم إذا جاء على حساب ارتفاع معدلات البطالة. إن منطق التسبب في ركود قصير وسطحي لتجنب حدوث ركود أطول، وأعمق في وقت لاحق ليست له قيمة في السوق السياسية.
كما يدرك صانعو السياسة أن التضخم هو في الواقع حل لديون القطاع العام الضخمة التي بلغت مستويات لم نشهدها حتى الآن إلا في أوقات الحرب. لطالما كان المفتاح لخفض الديون في زمن الحرب هو مزيج من النمو الاقتصادي، والقيود المالية "التي تعني التقشف"، والقيود المصطنعة على أسعار الفائدة "المعروفة باسم القمع المالي" أو التضخم المفاجئ. مع قولي لهذا، إننا في عالم نمو أقل بكثير مما كان عليه في العقود الثلاثة التي تلت 1945 وممارسة القمع المالي أصبحت أكثر صعوبة الآن مع تدفق رأس المال عبر الحدود الوطنية.
ليس من الصعب تصور الظروف التي تختار فيها البنوك المركزية تمديد الفترة التي تسعى خلالها لإعادة التضخم إلى المستوى المستهدف، وبالتالي تسهيل خفض القيمة الحقيقية للدين. أو، مرة أخرى، يمكن للحكومات رفع أهداف التضخم، مثلا، إلى 3 في المائة بينما تجادل بأن هذا الأمر أكثر واقعية بالنظر إلى التضخم المرتفع هيكليا والذي نواجهه في عشرينيات القرن الحالي.
لكن هذا الخيار لن يكون متاحا إلا في الدول التي ينظر إلى سياستها النقدية على أنها كانت فاعلة. إن أداء بنك إنجلترا الأضعف بكثير في السيطرة على التضخم مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي قد أضر بمصداقيته لدرجة أن الانتقال إلى هدف أعلى قد يتسبب في اضطراب السوق.
تتمثل الصعوبة الأخيرة في الحالة الصعودية للسندات في أنها ببساطة قد تتطلب معدلات فائدة أعلى مما تتوقعه السوق الآن للحد من آثار الجولة الثانية للتضخم في سوق العمل والأسواق الأخرى حيث يحاول الناس تعويض الدخل الذي تقلص بشدة من حيث القيمة الحقيقية. وقد يستمر هذا الصراع التوزيعي لفترة أطول مما كان متوقعا عموما. وفي الأسواق المالية هناك دائما ما يسميه دونالد رامسفيلد، عندما كان وزير الدفاع الأمريكي، بالمجهولات غير المعروفة.
إذا اعتقد المستثمرون أن الأمر يتطلب ركودا لإعادة التضخم إلى الهدف، فمن المنطقي بالنسبة إليهم تخصيص مزيد من الأموال للسندات. وقد يشعر البعض أن الذهب خيار أفضل في الظروف الحالية حيث يتبين أن التضخم أكثر ثباتا مما كان متوقعا. ومع ذلك، يعد الذهب رهانا على فشل السياسة النقدية. إذا كنت تعتقد أن البنوك المركزية ستفي بمهمتها في مكافحة التضخم، فإن تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب، الذي لا يدر دخلا عندما ترتفع أسعار الفائدة، مرتفعة بشكل غير مقبول.
يجب أن يتمثل الأمل في أن تحقق البنوك المركزية تسوية سلسة بين الاستقرار المالي واستقرار الأسعار. كما أن اللجوء مرة أخرى إلى القدرة على توفير السيولة عندما تتعرض الأسواق للانهيار الكبير التالي من شأنه ببساطة أن يدفع جبل الديون للأعلى من خلال تخفيض آخر خطير أخلاقيا في تكاليف الاقتراض. إن هذه الطريقة تنطوي على عواقب تضخمية لا يمكن السيطرة عليها، تؤدي إلى مزيد من السياسات الشعبوية وتدمير شامل للمدخرات.