أنا وأنت بين العالم الواقعي الافتراضي

أنا وأنت بين العالم الواقعي الافتراضي
أنا وأنت بين العالم الواقعي الافتراضي
غسان شبارو.
أنا وأنت بين العالم الواقعي الافتراضي
نقطة إيجابية تحسب لشبارو الذي يخاطب الجيل الجديد بلغته.

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الذكاء الاصطناعي الذي بات يشكل تفصيلا أساسيا في مختلف جوانب حياتنا اليومية، وكثرت على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع والصحف أخبار وأفلام وصور وفيديوهات تصور لنا ما قد يفعله الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن يغيره على صعيد البشرية. سواء كنت مع أو ضد، وسواء آمنت بأن قدسية العلم وعبقرية العقل البشري لا تعرف حدودا، أو عرجت بنقدك على الآثار السلبية التي تتركها التكنولوجيا على الأفراد النفسية والاجتماعية والإنسانية، لا بد لك أن تتوقف عند الذكاء الاصطناعي وتعيد خلط الأوراق من جديد لعلك تتعرف على بعض من ملامح الثورة التكنولوجية التي تنتظرنا في المستقبل القريب.
وكما دخل الذكاء الاصطناعي في الطب والهندسة والفن والتعليم كانت له حصة لا بأس بها من اهتمام فرسان الكلمة الذين يصيغون بأفكارهم وتخيلاتهم قصصا، بعضها يرتبط بالواقع بصورة ومباشرة وبعضها الآخر يأخذ من الواقع فكرة يبني عليها حدوثه أو رواية تضعنا وجها لوجه أمام فكرة عابرة دغدغت خيالنا يوم ما.
وفي رواية "أنا وانت: حوار بين كوكبين" للكاتب غسان شبارو، نستقل قطار الذكاء الاصطناعي ونذوب في حوار واقعي لكنه افتراضي بين شخصيتين تجسدان العناصر الأساسية للرواية وتنقلان الأفكار التي يرغب الكاتب في نقلها بطريقة حديثة وعصرية تتماشى مع متطلبات الجيل القارئ الجديد وما يبحث عنه.
"أنا وانت: حوار بين كوكبين" رواية برعاية الذكاء الاصطناعي صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون، تعتمد لبنان كأرضية خصبة للقضايا التي تتناولها وتعالج في 128 صفحة هموم ومشكلات تخص المرأة والمجتمع والقانون والحياة اليومية التي يعيشها المواطن اللبناني في مختلف جوانبها.

السؤال القضية
تطرح الرواية العاشرة للكاتب اللبناني غسان شبارو بعد مسيرة حافلة بالإنجازات لعبت دور المرجع والموجه لذاكرة اللبنانيين على مدى عقود من تاريخهم المعاصر، سؤالا بسيطا لكن إجابته ستبقى رهن التغيرات التي ستطرأ على المجتمع في المستقبل، ويلخص شبارو روايته بالبحث في مدى إمكانية الذكاء الاصطناعي عبور حياتنا إذا كنا قد فشلنا في عبور اختلافنا أجناسا، ألوانا، أديانا وثقافات، وكأنه يحاول إسقاط تجربة الذكاء الاصطناعي وما قد يوفره للبشرية من تطور يسهل مختلف جوانب الحياة على تجربته اللبنانية، فتراه ينقل مشكلات واقعه ويحاول معالجة القضايا - وما أكثرها - العالقة في مجتمعه إلى عالم افتراضي يعتمد الذكاء الاصطناعي سبيلا للوصول إلى مشكلات أرقت الكائن البشري منذ بداية وجوده، في محاولة للعب دور الوسيط الذي ينقل ما يحدث خارج حدود شرنقته لعله يستفيد من هذا التطور في إيجاد حلول لمشكلاته المتمثلة بالتفرقة الدينية والعرقية والثقافية، وهذا ما يجعل الرواية نافعة في معالجة قضايا قد تكون موجودة في عديد من المجتمعات حول العالم لكن تأثيراتها لا تأخذ المنحى التدميري الذي تأخذه في لبنان.

يارا وفارس
تدور أحداث الرواية حول شخصيتين أساسيتين، يعيشان على كوكبين متباعدين، الأول، كائن أرضي ويتمثل بالطالبة الجامعية "يارا" تعيش على كوكب الأرض ويختصره الكاتب إذا صح التعبير في لبنان انطلاقا من غايته في عرض المشكلات التي يعانيها مجتمعه، والثاني، كائن فضائي ويتمثل بالمهندس في تقنية المعلومات "فارس" يعيش على "كوكب يارا". ويسميه شبارو بكوكب يارا لكي يختصر المشكلات التي يرغب في التطرق إليها انطلاقا من مجتمعه، تنطلق أحداث الرواية عبر حوار هاتفي برعاية الذكاء الاصطناعي بين يارا وفارس، ينقلان في حوارهما قضايا الوطن والبيئة والطبيعة والتنمية المستدامة والكوارث الطبيعية والمناخ والتنشئة الاجتماعية والمرأة.

حوار هاتفي بالمصادفة
بعد ظهور ما يعرف بالذكاء الاصطناعي تقوم يارا بالمصادفة بإجراء حوار هاتفي مع فارس لكي تتعرف على الحلول البديلة للمشكلات التي تعصف بمجتمعها على مختلف الأصعدة، في صورة يحاول شبارو من خلال حوارهما واختلافهما تمثيل حافز مركزي لتبلور خطاب روائي حداثي جديد يواكب به التطور الذي يشهده العالم مع دخول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حياة الأفراد في المجتمعات المتقدمة، ويقارن بين مستوى الحياة على "كوكب يارا" وبين ما تعانيه المجتمعات من تخلف وعجز في إدارة أنظمتها وإصلاحها بلغة العصر ووسائله العلمية. لا بل قد استبدلت كل ذلك بتغليب منطق الديانة والطائفة والمذهب والمحسوبية على لغة المواطنة والدولة والحياة المدنية. ويمثل لبنان برمزيته أرضية مثالية للبناء الروائي ودعوته إلى الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين حين يقرب القارئ من مجريات الأحداث ويشخصها أمام عينيه في الحاضر، حية نابضة.

الحوار بدل من السرد
اعتدنا في الروايات والقصص بصورة عامة أن يطغى الأسلوب السردي على بنية النص، ليكون هناك مدخل وعقدة وحل، لكن في رواية "أنا وأنت: حوار بين كوكبين" يستخدم غسان شبارو أسلوب الحوار بدلا من السرد، وكأنه يبعث برسالة على لسان شخصيتي روايته الوحيدتين محملهما مختلف المهام والرسائل إلى من تقع على عاتقه مسؤولية البلاد والعباد، وليتدفق الحوار بينهما طارحا قضايا الوطن التنشئة الاجتماعية والمرأة وحقوقها الشرعية والمدنية ومنها حقها في المشاركة السياسية، فضلا عن قضايا أخرى لها علاقة بحماية الطبيعة وتوفير المياه والطاقة والمناخ والكوارث الطبيعية وكيفية التصدي لها، وتأمين حياة صحية مثالية إلى حد ما وغيرها الكثير، ما جعل من الرواية تقليدا إبداعيا مغايرا عما هو مألوف في أدبنا العربي، ففي كل قضية يطرحها الكاتب شبارو في هذا النص متعدد المستويات الأسلوبية والصيغ التعبيرية، يضع قلمه على الجرح، فيعلمنا أن القلم لا بد أن يحدث أثرا، فقرأناه روائيا محاربا بقلمه وفكره وروحه قبل كل شيء.

الذكاء الاصطناعي وقضايا الوطن
يناقش غسان شبارو قضايا الوطن في حوار بين كوكبين مختلفين، أحدهما واقعي يعيش الألم والغربة والفقر وغياب الحقوق المدنية والسياسية ويلمس لمس اليد المعاناة اليومية في كثير من التفاصيل التي تشكل مجتمعة صيغة نهائية لحياته المتعبة، والآخر افتراضي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإيجاد الحلول والوقوف على مقاربات تلامس الواقع إلى حد مقبول، وكأنه يحاول العبور من خلال الذكاء الاصطناعي إلى حلول مفترضة، وإسقاط هذه الحلول على مجتمعه دون أن يدخل القارئ في دهاليز السياسة أو الدين أو الانتقاص من أدنى الحقوق الطبيعية. يحاول أن يرسم بتقنيات عصرية حلولا ممكنة لكنها قد تبدو مستحيلة في بلد فيه هذا الكم من المشكلات والضغوط والأزمات، كما يسلط شبارو الضوء على تقنية الذكاء الاجتماعي في روايته وكأنه يحاول طرح الحلول لا فرضها، على قاعدة أن التحدث بالمشكلة هو بداية الوصول إلى الحل النهائي لها..
"أنا وأنت: حوار بين كوكبين" رواية غير نمطية تشبه العصر التي ولدت فيه، تحاكي عقول القراء الجدد، تشبه عالمهم وتتحدث بلغتهم، وهذه نقطة إيجابية تحسب لشبارو الذي يخاطب الجيل الجديد بلغته ويكتب بقلمه لعله يصل معهم وبهم إلى حلول جذرية ويعيد رغبتهم في القراءة وشراء الكتب من جديد.

سمات

الأكثر قراءة