التقشف عاد .. نقدي هذه المرة

التقشف عاد .. نقدي هذه المرة

ارتفعت موجة من الإجماع حول التضخم وأسعار الفائدة في المملكة المتحدة أخيرا. كان الاقتصاديون والأسواق المالية والمعلقون والسياسيون واضحين في قناعتهم بأن أسعار الفائدة في المملكة المتحدة بحاجة إلى الاستمرار في الارتفاع للحد من ضغوط الأسعار. مع رفع بنك إنجلترا لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، والرسائل المصاحبة، يقود البنك هذا القطيع إلى الأمام بقسوة.
توضح آخر مجموعة من أرقام التضخم في المملكة المتحدة السبب، حيث ينخفض التضخم الكلي أقل من المتوقع وترتفع المعدلات الأساسية إلى مستويات أعلى بكثير من الدول الأخرى والمستويات المستهدفة. بالنسبة إلى كثيرين، لم يترك هذا لبنك إنجلترا خيارا سوى رفع أسعار الفائدة، مع زيادات أكثر في المستقبل حتى يتم التخلص من "آخر قطرة" من التضخم، كما قال المستشار جيريمي هانت. يهدد عدم فعل ذلك مصداقية البنك من وجهة نظرهم.
هناك أسباب جيدة للشك السليم في عقلية القطيع هذه. في الواقع، إن خيارات السياسة الأخرى ليست ممكنة فحسب، بل مرغوبة أيضا. فشل، بالطبع، كثير من هؤلاء الأشخاص تماما في التنبؤ بارتفاع التضخم في المقام الأول. الذين رأوا، قبل 18 شهرا، جميع أخطاء إصابة هدف التضخم على أنها عقبات مؤقتة، يفسرونها الآن على أنها أزمات مستمرة. يجازف هذا برد فعل مبالغ فيه وتصحيح مفرط، إنه اندفاع التحول المتأخر.
يعكس التضخم الأعلى والأكثر ثباتا على الأرجح النقص الحاد في الإمدادات في المملكة المتحدة مقارنة بالدول الأخرى، ولا سيما في سوق العمل. ترفع هذه القيود مستوى الأسعار، على أساس مستمر غالبا. بناء على هذا التشخيص، يتمثل الدور الأساسي للسياسة النقدية في تحمل، لا تعويض، أخطاء إصابة هدف التضخم المؤقتة هذه شريطة أن تظل توقعات التضخم ثابتة. يلحق عدم فعل ذلك مزيدا من الضرر غير الضروري بالنمو.
لا يمكن لاقتصاد المملكة المتحدة تحمل ذلك. النمو متوقف وتواجه أسر وشركات كثيرة خطرا مزدوجا. لقد تعرضا لصدمة من موجة كبيرة من الزيادات في تكاليف المعيشة، والآن على وشك أن تضربهما موجة ثانية من ارتفاع تكلفة الاقتراض. سيعني ذلك أن نحو 3.5 مليون أسرة ممن لديها رهن عقاري ستشهد انخفاضا في الدخل أكثر من 8 في المائة، فضلا عن تأثر 4.6 مليون مستأجر أيضا إذا كان لدى مؤجريهم رهون عقارية.
بالنظر إلى أن ربع الأسر في المملكة المتحدة ليست لديها مدخرات بشكل أساسي، فإن هذا يخاطر باستجابة ضخمة لتجاوز التشديد النقدي في شكل انخفاض الإنفاق، وفي نهاية المطاف، الوظائف. إن تجاوز تشديد المرونة النقدية على وشك إلقاء عقبة في طريق الضعفاء ماليا. بالنسبة إلى المملكة المتحدة، فإن هذا سيعني ركودا.
لكن هناك طريقة أخرى. على الرغم من ارتفاع التضخم الكلي، لا تزال توقعات التضخم ثابتة. ستتراجع ضغوط التكلفة والأسعار في النصف الثاني من العام، أو هي على وشك ذلك. بعد عام من الآن، قد ترى وجهة نظر معقولة تضخما يبلغ 3 إلى 4 في المائة دون أي تشديد إضافي. عند هذه المستويات، من المشكوك فيه إلى حد كبير ما إذا كان يجب التخلص من القطرات التضخمية الأخيرة بسرعة أكبر.
عند نسبة 3 إلى 4 في المائة، لم يعد التضخم يدخل في الوعي العام. هذا هو سبب عدم وجود دليل أساسا على أنه سيفرض أي تكاليف أكبر من 2 في المائة. لكن تكاليف خفض التضخم، تلك النقاط المئوية الإضافية القليلة، المقاسة في الدخل والوظائف المفقودين، تكون أكبر عند مستويات التضخم هذه. بلغة الاقتصاد، يتسطح منحنى فيليبس. إن التخلص من آخر القطرات سريعا، يعني التضحية بآلاف الوظائف من أجل فائدة ضئيلة.
يمكن القول إن تحمل معدل التضخم فوق مستوى الهدف لفترة أطول قليلا من المعتاد هو تجاهل مهمة هدف التضخم. ليس الأمر كذلك. هذا الإطار ونظام الرسالة المفتوحة يمنح بنك إنجلترا والمستشار المدى الذي يحتجان إليه لتوسيع الأفق الذي يعود فيه التضخم إلى الهدف. في الحقيقة، بنيت هذه المرونة على وجه التحديد لهذه الظروف. الغريب أنها لا تستخدم.
سيؤدي فعل ذلك إلى تمكين البنك من التوقف مؤقتا وإجراء عمليات التقييم، ما يمهد مسار أسعار الفائدة التي تواجه المقترضين وبالتالي تقليل مخاطر الركود الناجم عن السياسة. إن الخيارات الأخرى، مثل الاعتماد على المقرضين كما اقترح كل من الحزبين السياسيين الرئيسين في المملكة المتحدة، أفضل من لا شيء، لكنها أدنى بكثير من التمهيد.
تخيل أن طبيبا غير متأكد من طبيعة مرض ما وشدته أعطى جرعة دوائية كبيرة لمريض لم يبدأ تأثيرها بعد. من الحكمة أن ينتظر ليرى كيف يستجيب المريض قبل مضاعفة الجرعة. هذا مبدأ يجب أن تنتبه له البنوك المركزية الآن لتجنب زيادة الجرعة على الاقتصاد.
سعيا وراء خفض الديون منذ أكثر من عقد، سنت المملكة المتحدة سياسة تقشف مالي. أدى هذا إلى تدمير النمو وكانت له نتائج عكسية بالنسبة إلى الديون. أما اليوم، سعيا وراء خفض التضخم، يهدد التقشف النقدي بالمصير نفسه. لقد حان وقت توجيه القطيع المذعور بعيدا عن حافة الجرف، من أجل الأمن المالي لملايين الأشخاص ومصداقية مؤسساتنا السياسية.

*الرئيس التنفيذي للجمعية الملكية للفنون

سمات

الأكثر قراءة