ادعاءات تلفيق أبحاث علم السلوك تلطخ نزاهة "هارفارد"

ادعاءات تلفيق أبحاث علم السلوك تلطخ نزاهة "هارفارد"

أثارت الادعاءات القائلة بأنه تم استخدام بيانات ملفقة في الأوراق البحثية، التي شارك في تأليفها خبيرة بارزة في الأخلاقيات من كلية هارفارد للأعمال جدلا متناميا حول صحة علم السلوك، والذي يتم تدريس نتائجه بانتظام في كليات إدارة الأعمال ويتم تطبيقها داخل الشركات.
في حين لم ترد الأستاذة حتى الآن على تفاصيل الادعاءات، فإن الحادثة هي أحدث ضربة لمجال ارتقى إلى الصدارة على مدار الـ15 عاما الماضية، الذي تم تطبيق نتائجه في مجالات مثل صناعة القرار وبناء الفريق على نطاق واسع.
شركات من كوكا-كولا إلى جيه بي مورجان تشيس لديها مسؤولون تنفيذيون مكرسون لعلم السلوك، في حين تبنت حكومات حول العالم نتائجه أيضا. لكن المبادئ المعروفة في هذا المجال مثل "نظرية الوكز" - أو "الدفع"، وهي محفزات غير مباشرة للتأثير على السلوك - أصبحت الآن موضع شك.
قال أندريه سبايسر، العميد التنفيذي لكلية بايز للأعمال في لندن، إن حادثة هارفارد "هي الموضوع الأول في أوساط كليات إدارة الأعمال. كانت هناك أزمة تكرار واسعة النطاق في علم النفس – كثير من النتائج لا يمكن تكرار ظهورها، وقد وجد أن بعض البيانات الأساسية مزيفة".
ادعى مدونون أكاديميون في الأسابيع الأخيرة أنه توجد "أدلة على الاحتيال في أربع أوراق أكاديمية" نشرتها فرانشيسكا جينو، أستاذة إدارة الأعمال في جامعة هارفارد.
قالت جينو، التي تقضي إجازة إدارية، على منصة لينكد إن إنها تواصل "تقييم هذه المزاعم وتقييم الخيارات المتاحة لي (...) أريد أن أؤكد لكم أني آخذها على محمل الجد وسيتم التعامل معها". لم تعلق هارفارد.
طعن أكاديميون يديرون مدونة داتا كولادا، التي تبحث في الأدلة وراء دراسات علم السلوك، البحث الذي شاركت جينو في تأليفه، مشيرين إلى أن الناس أكثر احتمالا للإبلاغ عن دخلهم بصدق عندما يوقعون "إقرارا بمصداقية المعلومات" بداية الإقرار الضريبي منه في نهايته. تم سحب هذه الدراسة بالفعل، لكن "داتا كولادا" قالت إنها وجدت دلائل جديدة على التلاعب في البيانات الأساسية.
شككت المنشورات، التي تابعت الحادثة في نتائج الأبحاث مستدلين بأن التخلي عن النزاهة أدى إلى زيادة الإبداع وأنه توجد روابط بين المصداقية والتصرف على نحو أخلاقي.
مع أن هذه الادعاءات بمنزلة ضربة جديدة لعلم السلوك، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التشكيك في النتائج منذ أن لفت ريتشارد ثالر وكاس سنشتاين انتباه الناس إلى هذا المجال بكتابهما "وكزة" الذي صدر في 2008.
أدى الكشف عن البيانات الملفقة في عشرات المشاريع البحثية، التي أشرف عليها الباحث الهولندي ديدريك ستابيل قبل عقد من الزمان إلى طرح أسئلة حول أهمية "تأثير التهيئة الاجتماعية"، الفكرة القائلة إن المحفزات يمكن أن تغير سلوك الناس. سقوط ستابل أدى بدانيال كانيمان الحائز على جائزة نوبل، وأب الأبحاث السلوكية – الذي ذكر التهيئة في كتابه المتخصص "التفكير، السريع والبطيء" – إلى تحذيره من أنه رأى "كارثة وشيكة" في المجال.
في العام الماضي، أشارت ورقة بحثية من تأليف ماكسيميليان ماير في جامعة كوليدج لندن إلى أن تعديل البيانات لتظهر النتائج المرغوبة، أو "تحيز النشر"، وهو الميل بين الباحثين لعدم الكشف عن دراسات قصرت عن التوصل إلى نتائج مهمة، لم يترك "أي دليل على فاعلية الوكز".
ألقى ذلك بظلاله على استخدام علم السلوك من جانب "وحدات الوكز" المرتبطة بالحكومة مثل فريق الرؤى السلوكية في المملكة المتحدة "بي آي تي"، الذي انفصل ليصبح شركة عام 2014، ومكتب الولايات المتحدة لعلوم التقييم.
لكن ديفيد هالبيرن، رئيس "بي آي تي" الحالي، رد بأن تحيز النشر لا يقتصر على هذا المجال. قال إنه وأقرانه يستخدمون طريقة إجراء تجارب أوسع نطاقا بكثير وتمثل الواقع وفاعلة أكثر من البحث الأكاديمي.
جادل هالبيرن بأن البحث السلوكي يمكن أن يساعد على توزيع الميزانيات الحكومية بفاعلية. "السر المشين لمعظم الحكومات والمؤسسات هو أنها تنفق مالا كثيرا، لكنها لا تملك أدنى فكرة عما إذا كانت تنفقه بطرائق تحسن الأمور".
يشير الأكاديميون إلى أن اختبار نتائج آخرين جزء من الممارسة العلمية المعتادة. الاختلاف في علم السلوك هو أن النتائج الأولية التي لم تخضع لاختبارات توصل إلى النتائج نفسها بعد يتم تدويرها بسرعة في عناوين أخبار مثيرة وكتب مساعدة الذات الشائعة وممارسات الشركات.
قال بيلي جولدبورج هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة أيندجيو، مركز للبحوث السلوكية التطبيقية: "ينبغي أن يكون العلماء أفضل في التوضيح عندما يبالغ غير العالمين بهذه الأمور ويستنبطون استنتاجات، لكنهم يخشون بفعلهم هذا، سيدمرون الاتجاه الإيجابي نحو مجالهم".
نشأت شركات استشارية كثيرة لتلبية طلب شركات لرؤى سلوكية. فقد قالت نوالا والش، التي شكلت الرابطة العالمية لعلماء السلوك التطبيقي عام 2020 لمحاولة وضع بعض المعايير: "ما وجدته هو أن أي شخص تقريبا قرأ كتاب وكزة حاز على رخصة، ليكون عالما سلوكيا".
وفقا لأكاديميين، يمكن لطرائق جعل المجال أكثر صرامة أن تتضمن مشاركة أوسع للبيانات الأساسية، وتبسيط فرق البحث الكبيرة متعددة المستويات، وعناية أكثر في الدراسات التي تعتمد على التجارب "المعملية". اقترحوا أيضا "تسجيلا مسبقا" لفرضيات البحث لمنع باحثين من انتقاء ما يريدونه للتوصل إلى استنتاج بعد جمع البيانات.
حذر هانز إيجيزرمان من جامعة جرينوبل وزملاؤه من الباحثين من الإفراط في استخدام البحوث السلوكية في الاستجابة لجائحة كوفيد. وقد سلطوا الضوء على الاستعانة المنتشرة بالمشاركين "الغريبين" في الدراسة، "معظمهم من الطلاب (...) الذين ينتمون للمجتمعات الغربية (معظمهم من الولايات المتحدة)، المتعلمة والصناعية والثرية والديمقراطية".
قالت جريس لوردان، الأستاذة المشاركة في علم السلوك في كلية لندن للاقتصاد: "علينا أن نبلغ نقطة لا نشعر فيها بالحماسة عندما يجد أحدهم شيئا غريبا في السلوك البشري. علينا فقط التأكيد على أن هذه نتيجة جديدة للغاية وينبغي تكرارها لإثباتها".
حذر أوشا هالي، الأستاذ في جامعة ولاية ويتشيتا، من رغبة المتخصصين في الدراسات السلوكية والإدارية في البحث عن قواعد وقوانين قطعية من نوع القواعد والقوانين الشائعة أكثر في العلوم الطبيعية.
قالت: "تعد الفضيحة الأخيرة (...) أحد أعراض مشكلة أوسع تمتد على مدى عقدين تتعامل مع استحداث المعرفة في العلوم الاجتماعية و"الغيرة من علم الفيزياء" - رغبة علماء العلوم الإنسانية أن تكون دقيقة كالعلوم الفيزيائية - الذي يميز الأعمال والاقتصاد".
يقول مدافعون عن علم السلوك إن الخلافات الأخيرة هي استثناءات وأن هذا المجال يمكن أن يكون مقوما قيما لتنبؤات لا أساس لها من الصحة عن السلوك.
مثلا، في بداية الجائحة 2020، عارض مسؤولو الصحة في المملكة المتحدة الفرض السريع لتدابير مكافحة العدوى مثل الإغلاق لأن الناس سيترددون في الامتثال خلال أي فترة مهمة – ما يسمى "الكلل السلوكي". غير أن نحو 700 عالم صرحوا بعد ذلك علنا بأنه لا يوجد أساس لمثل هذه الادعاءات في الأبحاث. يبدو أن المستويات العالية من الامتثال لقواعد الإغلاق تؤيد شكوكهم حول مفهوم "الكلل".
لا يزال هناك دليل مقنع لمفاهيم مثل ميل النفور من الخسارة، وهو أن ألم الناس لفقدان شيء ما أعظم نسبيا من السعادة التي يشعرون بها من المكاسب، والانحياز للوضع الراهن، حيث يبدي الناس تفضيلا للوضع الحالي على البدائل.
تشمل التطبيقات القائمة على الأدلة في هذا المجال سياسات "الانسحاب" التي تشجع المساهمات في الصناديق التقاعدية والتبرعات بالأعضاء.
قالت كيتي ميلكمان، الأستاذة في كلية وارتون للأعمال: "لقد أجريت محادثات الأسبوع الماضي عن كيف يمكن أن نجعل علمنا أكثر فاعلية وضد الاحتيال أكثر مما فعلت في العام الماضي. لذلك أتوقع آثارا جانبية إيجابية للغاية لهذه الفضائح لأولئك منا الذين يدرسون الوكز".
في هذه الأثناء، الأخبار الناجمة عن الاتهامات الموجهة لعمل جينو تؤثر في المؤلفين والمشاركين والباحثين والطلاب والزملاء. وكما كتبت في منشورها الأخير على "لينكد إن"، "سيكون هناك مزيد يتبع كل هذا".

سمات

الأكثر قراءة