الرغبات والديون
أتفهم أن يضطر أحدنا لشراء سيارة بالتقسيط كونها وسيلة مواصلات له ولأسرته ووسيلة من وسائل كسب العيش، بدليل أن السماح للمرأة بقيادة سيارتها زاد من انخراط القوى العاملة النسائية في الوظائف المتوسطة.
أيضا أتفهم شراء مسكن بالتقسيط لمن يؤمنون أن في ذلك راحة نفسية لهم ولأسرهم وضمانا بأمر الله للأسرة من غوائل الزمن في المستقبل.
أيضا قد أتفهم ببعض الصعوبة شراء أجهزة منزلية مهمة أو قطعة أثاث لا بد منها بالتقسيط طالما في الأمر سعة خاصة أيام انخفاض أسعار الفائدة.
كل ما سبق وربما أشياء أخرى خطرت ببالكم الآن يمكن تفهمها مع طبيعة الحياة ودورة المال بين الممولين والمتمولين خاصة لمن يستطيعون ضبط أمورهم وتنظيم أولوياتهم.
ما لا أتفهمه ويصيبني بالعجب هو شراء الناس لأشياء ليست مهمة بالتقسيط أو بالطريقة الجديدة المنتشرة حول العالم "اشتر الآن وادفع لاحقا"، إنها في رأيي أحد فخاخ الرأسمالية وتسليع حياة الإنسان الذي يبقى مقيدا لا لشيء إلا لتلبية رغبة آنية.
عندما تقيد نفسك بديون لشراء مسكن أو سلعة معمرة كالسيارة أو الثلاجة وما في حكمهما فأنت تشتري نوعا من الأصول الشخصية التي حتى لو نقصت قيمتها بالاستخدام ستبقى معك أعواما طويلة حتى بعد الانتهاء من سداد قيمتها.
أحد أهم أسباب عدم قدرة من يفترض أنهم يستطيعون الادخار ولا يفعلون هو وقوعهم في فخ "اشتر الآن وادفع لاحقا"، فهم دائما مطلوب منهم سداد قيمة أشياء لم تعد ضمن الاستخدام فيعاودون شراء أشياء جديدة بالآلية نفسها وهكذا دواليك.
إن امتلاكك لبعض السلع الكمالية عبر تحميل نفسك ديونا مستقبلية شبه دائمة لن يجعلك تبدو أكثر أهمية أو أناقة، بل في أعماق نفسك أنت دائم الشعور بالقلق من المستقبل لأنه يحمل دفعات مستحقة لأشياء لن تكون مستخدمة في ذلك الوقت.
ربما أقسو قليلا على من يفعلون ذلك ولكن هذا أفضل من قسوتهم على أنفسهم وعلى أوضاعهم المالية، وبالنسبة للشركات أو التطبيقات التي تستثمر في تلك الممارسة فلا ألومهم لأن هناك طلبا إذا لم يلبوه سيفعل ذلك غيرهم، لكن وجبت النصيحة للمستهلك الذي في الأغلب هو شاب أو شابة للتو بدأ حياته العملية أو استقلاله المالي.
مغريات الاستهلاك كثيرة، وغريزة التملك من الغرائز الفطرية لدى الإنسان، لكن ثمنها يكون أحيانا ثقيلا على النفس، وما على الإنسان إلا أن يوازن بين قدراته ورغباته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.