لنوقف لعبة تحديد الجناة ونركز على حل المشكلة

لنوقف لعبة تحديد الجناة ونركز على حل المشكلة

غالبا ما يسعى الجدل حول التضخم المرتفع إلى توزيع اللوم على الشركات الجشعة التي ترفع الأسعار والعمال غير المسؤولين الذين يطالبون بأجور غير واقعية. ولكن بقدر ما يستمتع أشخاص كثيرون بلعبة تحديد الجناة، ينبغي أن يكون التركيز على حل المشكلة.
مع تضخم أساسي يحوم باستحكام حول 5 في المائة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وأعلى بكثير في المملكة المتحدة عند 7.1 في المائة، تعاني جميع هذه الاقتصادات ديناميكية غير صحية في الأسعار والأجور. الشركات التي ترفع الأسعار دفعت العمال إلى الدفاع عن مستويات أجورهم ما زاد من الضغط على الشركات لزيادة الأسعار. إنها ارتفاعات مضرة، إن لم تكن دوامة أسعار وأجور.
تختلف أسباب هذه الارتفاعات قليلا على جانبي الأطلسي. في الولايات المتحدة، تجادل ورقة بحثية حديثة ألفها بن برنانكي، الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي، وأوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، بشكل مقنع بأن صدمة أسعار الطاقة والغذاء إلى جانب مستويات الإنفاق المرتفعة على البضائع الأخرى أشعلت عملية التضخم في 2021. وانتشرت بعد ذلك إلى البضائع والخدمات الأخرى والأجور حيث سعى الجميع للحد من آلامهم في عالم يتسم بارتفاع الطلب وانخفاض البطالة وأرقام قياسية من الوظائف الشاغرة.
في أوروبا، كان التركيز في البداية أكثر تمحورا حول الطاقة حيث قفزت أسعار الغاز بالجملة العام الماضي. ضمن ذلك معاناة معظم الموظفين أمام انخفاضات كبيرة في أجورهم الحقيقية. رغم ذلك، ساعدت مكاسبهم في الأجور الاسمية على دفع الأسعار إلى أعلى عبر اقتصادات بأكملها، ما أدى إلى انتشار التضخم على نطاق واسع. يوضح هذا أن انخفاض الأجور الحقيقية لا يحمي بالضرورة من ارتفاع الأسعار والأجور إذا كانت الصدمة الأولية كبيرة بما يكفي.
لذلك، على جانبي الأطلسي، ليس هناك شك في أن المستويات الأخيرة من الزيادات في الأجور -6 في المائة في الولايات المتحدة، و4.6 في المائة في منطقة اليورو، و6.5 في المائة في المملكة المتحدة- لا تتوافق مع هدف خفض التضخم إلى 2 في المائة، وهو هدف جميع البنوك المركزية الكبرى. يجب أن تنخفض معدلات النمو هذه إذا كان يجب ترويض التضخم.
خلال الأيام القليلة الماضية، تحدث محافظو البنوك المركزية عن الكيفية التي يعتقدون بها أن الصراع بين الأجور والأسعار سيتم حله. قال جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، "إن نمو الأجور كان معتدلا من مستويات مرتفعة للغاية قبل عام". وأضاف أنه "مع انخفاض معدلات التضخم الرئيسة، نريد أن نرى هذه العملية تستمر تدريجيا"، مشيرا إلى أن الوقت هو مفتاح العلاج.
قالت إيزابيل شنابل، العضو التنفيذي لمجلس الإدارة في البنك المركزي الأوروبي، "إنها تعتقد أن بعض اللحاق بالركب في الأجور يمكن استيعابه، إلى حد كبير، عبر هوامش أرباح الشركات، وبالتالي كسر الحلقة المفرغة بين الأجور والأسعار"، رغم أنها حذرت من أنه إذا تجاوزت زيادات الأجور الحد، فقد يؤدي ذلك إلى تضخم أكثر.
هذه نتائج ممكنة. لكن عند تداخل الأسعار والأجور، يصعب الفصل بينهما. تقول الأستاذة ويندي كارلين من كلية لندن الجامعية، "ينبغي للجميع الانتباه لما قاله البنك المركزي الألماني في تقريره السنوي لعام 1973 بعد حظر النفط".
يذكر التقرير أنه بعد "عام من النضال الشاق من أجل مزيد من استقرار الأسعار"، نجاح كل بلد يعتمد على "ما إذا كان من الأسهل أو الأصعب تمرير أسعار النفط المرتفعة". في مواجهة دوامة محتملة للأسعار والأجور أو، كما عبر عنه البنك المركزي الألماني، "النضال المحلي من أجل توزيع الدخل القومي"، قال "إن هدفه هو تقييد نطاق تمرير الأسعار المرتفعة إلى أقصى حد ممكن من الزاوية النقدية". كلام صريح وعمل صارم، لكنه نجح بمفرده تقريبا في معركة سبعينيات القرن الماضي ضد التضخم.
لذلك، لا يهم حقا سبب الارتفاع السريع في الأسعار. لكن يتعين على البنوك المركزية أن تكون متأكدة من أنها قد أوقفت ارتفاعات الأسعار والأجور قبل أن ترفع قدمها عن المكابح. وسيتعين إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول، حتى لو ثبت ثقل ذلك بالنظر إلى الماضي.

سمات

الأكثر قراءة