الشركات الاستشارية هي التي ستضحك أخيرا
أعلن كارمين دي سيبيو، الرئيس التنفيذي العالمي لشركة إي واي، تقاعده الأسبوع الماضي بعد فشل جهوده لفصل شركة المحاسبة والاستشارات إلى شركتين. وأعلن قائلا "لقد تحدينا الوضع الراهن وطرحنا أسئلة صعبة وكنا جريئين في طموحاتنا". هذه طريقة واحدة للتعبير، الأخرى هي أنه كان فشلا ذريعا.
حظر شركاؤها الأمريكيون المتمردون محاولة دي سيبيو تحرير عمل الاستشارات الضخم للشركة من الارتباط بالمحاسبة. وهذه ليست الانتكاسة الوحيدة التي تعرض لها الاستشاريون أخيرا. تقلص الشركات الكبرى ومن ضمنها "إي واي" و"أكسنتشر" أعداد موظفيها، ووجدت الدراسات الاستقصائية أن نصف عملائها فقط من الشركات يعتقدون أن عملها يستحق المبالغ الهائلة التي تتقاضاها.
بطريقة ما، أنا واثق من أن الاستشاريين سيضحكون في النهاية. رغم الفضائح التي تورطت فيها شركات مثل ماكينزي آند كو، والتمتمات المستاءة للشركات التي تعتقد أنها يمكن أن تفعل مزيدا بنفسها لو كانت تملك الوقت والأشخاص الكافين، فإن العمل الاستشاري حقل نمو مذهل. إذ ينتشر بشكل أسرع من نبتة عصا الراعي "أو البطباط الياباني" ويصعب القضاء عليها بالقدر نفسه.
فكر في "أكسنتشر"، الشركة الاستشارية التي تستثمر الآن ثلاثة مليارات دولار في البيانات والذكاء الاصطناعي، وهي مشغولة بالتسويق المكثف لاستراتيجية "تجديد المؤسسة بالكامل". كما أنها تسرح 19 ألف عامل، لكن هذا أمر غير مهم على مدار التاريخ. فهي توظف 738 ألف شخص "ما يقارب ثلاثة أضعاف الرقم قبل عقد" وتبلغ قيمتها السوقية نحو 200 مليار دولار.
كان يهيمن على الاستشارات الإدارية "أو الهندسة الإدارية" ذات يوم مستشارو النخبة من شراكات مثل ماكينزي ومجموعة بوسطن الاستشارية، التي كانت تفحص العملاء لبضعة أسابيع، وتخبرهم كيف يعيدون التركيز، ثم تغادر حاملة أتعابها. أما في هذه الأيام، فهذا العمل يمتد إلى كل شيء من التعديلات الإدارية إلى تصميم البرامج وإدارة مراكز الاتصال.
لا يزال الغموض يكتنف السبب الذي جعل المستشارين جزءا لا يتجزأ من الشركات وعدد الشركات التي قد تنهار ببساطة إذا غادر الغرباء وأخذوا أغراضهم معهم. إن ما كان يطلق عليها "أحدث مهنة في العالم" قبل عقدين من الزمن لم تنضج فحسب، بل أصبحت مسيطرة.
قدم رئيس شركة تحدثت معه الأسبوع الماضي سببا واحدا "لم أر أبدا هذا العدد الكبير من الرؤساء التنفيذيين الذين يعانون ضغوطا بسبب نماذج أعمالهم. لم يمر علي وقت أبدا اعتقدت فيه مؤسسات كثيرة أن أيام المجد وراءها". عندما يتغير كل شيء، من التكنولوجيا إلى سلاسل التوريد والبيئة بسرعة كبيرة، فإنهم يتمسكون بالحلول على نحو يائس.
وهذا يجعل المؤسسات أهدافا جاهزة للمستشارين الذين يعدون بمساعدتها على تغيير نفسها "أو تجديدها بشكل كامل" بسرعة. تجادل ماريانا مازوكاتو وروزي كولينجتون في كتابهما "الاحتيال الكبير" بأن هذا يؤدي إلى الاستغلال: فالاستشاريون كالمعالجين الذين يستخدمون ضعف المرضى "لإيجاد تبعية وتدفق رسوم أكبر من أي وقت مضى".
هذا صحيح في بعض الحالات بلا شك، لكن الشركات يديرها بالغون قادرون على التمييز وسيكون شرح صعود الشركات الاستشارية بشكل كامل أكبر خدعة احتيالية في العالم. التفسير الأكثر إثارة للقلق هو أن كثيرا من الشركات "وهيئات القطاع العام" تحتاج حقا إلى مستشارين لتتغلغل في عملياتها من أعلى إلى أسفل.
عليها أن تكون قادرة على فعل بعض ذلك بنفسها. حتى شركات مثل ماكينزي، التي نما عدد موظفيها إلى 45 ألف موظف، تحولت منذ فترة طويلة من تقديم المشورة الاستراتيجية البحتة إلى مساعدة الشركات على تنفيذها في أرض الواقع. ستعتقد أن هذا غير ضروري، لكن هذا هو الارتباك والبيروقراطية والتنافس الداخلي في كثير من الشركات التي يجب قيادتها.
يقول أحد المستشارين "إنه لأمر غير عادي مدى عدم كفاءة شركات كثيرة في هذه الأمور. لقد أجريت مراجعة لاستراتيجية إحدى الشركات العميلة، التي قالت إنها ستنفذها بنفسها. عدت بعد ستة أشهر لأرى كيف تسير الأمور وكان الوضع عبارة عن فوضى عارمة". والنتيجة هي أن الشركات الاستشارية تقضي وقتا كثيرا في مساعدة الشركات الكبيرة.
ولكن هناك تغييرات أخرى لا تملك الشركات، بغض النظر عن مدى حسن إدارتها، سوى أمل ضئيل في تحقيقها بمفردها. يتضمن كثير منها التكنولوجيا، من الانتقال إلى الحوسبة السحابية إلى تصميم التطبيقات، والآن اعتماد الذكاء الاصطناعي. الشركات تجد أنه من المستحيل توظيف مهندسي برمجيات مهرة بسرعة، فتضطر إلى اللجوء إلى الشركات الاستشارية التي توظف آلافا.
تقول فيونا تشيرنياوسكا، الرئيسة التنفيذية لشركة سورس جلوبال للأبحاث "إنني أستأجر سباكين لإصلاح سخان الماء مع أنهم يتقاضون الكثير. يمكنني أن أتعلم فعل ذلك، لكن الأمر سيستغرق وقتا طويلا وسأكون غير مرتاحة". كلما تغيرت التكنولوجيا بشكل أسرع، أصبحت الشركات أكثر اعتمادا على المقاولين الذين يقدمون حلولا جاهزة.
كانت التكنولوجيا في صميم خطة تقسيم شركة إي واي، فقد أراد مستشاروها العمل جنبا إلى جنب مع منصات الحوسبة السحابية مثل جوجل وسيلزفورس، لكن تم منعهم بسبب النزاعات لأن كثيرا منهم عملاء تدقق "إي واي" حساباتهم. سيتعين على القائد الجديد للشركة إيجاد طريقة أخرى لتخفيف التوترات، باستثناء إطلاق ذراعها الاستشارية لمطاردة "أكسنتشر".
لن أراهن ضد فوز الشركات الاستشارية في النهاية. فما كانت في السابق مهنة صغيرة الحجم أصبحت مهنة كبيرة جدا، وكلما زادت ثوريتها، اتسعت آفاقها. والطريقة الوحيدة لإيقافها هي أن تتعلم الشركات كيف تدير نفسها.