امتلاك منزل .. حلم أمريكي بعيد المنال
ستكون معذورا لافتراضك بأن الولايات المتحدة كانت في خضم هجرة جماعية. فمع تحول المدن إلى نقاط ساخنة لفيروس كوفيد - 19 وزيادة العمل عن بعد، كان هناك كثير من الصخب حول الانتقالات إلى الضواحي والمناطق الريفية وتراجع المدن الساحلية.
في الواقع، بالكاد تحرك معدل التنقل العام في الولايات المتحدة أثناء الجائحة -الذي ظهر خلال انخفاض حركة السكان لعدة عقود، ووصل إلى مستوى قياسي منخفض في 2021. تختلف الأرقام الدقيقة حسب المسح، لكن الأمريكيين ينتقلون بنصف المعدل، الذي كانوا عليه في منتصف القرن العشرين.
يقول ريوردان فروست، كبير محللي الأبحاث في مركز هارفارد لدراسات الإسكان المشتركة: "كان هناك بالتأكيد ارتفاع كبير في التنقل في بداية الجائحة". ولكن بعد هذا الارتفاع الأولي، "واصلت اتجاهات الانتقال تراجعها على المدى الطويل، وعادت إلى اتجاهات ما قبل الجائحة".
تظهر بيانات تغيير العناوين من خدمة البريد الأمريكية زيادة في تغييرات العناوين "المؤقتة" في الأشهر الأولى من الجائحة. ومع ذلك، فإن التحولات في العنوان الدائم تتبع بشكل وثيق إلى حد ما الأشهر التي سبقت الجائحة.
وبينما كان هناك تدفق للخارج من المناطق الحضرية إلى مناطق الضواحي، فإن هذا استمرار منذ عقود يقابله جزئيا ارتفاع النمو السكاني الطبيعي وارتفاع معدلات الهجرة الدولية إلى المدن. وبقدر ما تسارعت خلال الجائحة، يبدو أن هذه الخسائر الإضافية قد انعكست إلى حد كبير.
لا يزال الشباب وذوو الدخل المنخفض يتنقلون بمعدلات أعلى بشكل عام، لكن هذه المجموعات شهدت أيضا انخفاضا حادا في التنقل على مدى العقد الماضي -ربما يعكس ذلك العلاقة بين انخفاض معدلات الشواغر السكنية والتنقلات المحلية. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل التنقل بشكل معتدل لأصحاب الدخل المرتفع وخريجي الجامعات. وهم الأشخاص الذين قد تتوفر لديهم مجموعة واسعة من الخيارات، لأنهم يتطلعون إلى الانتقال محليا في المناطق الحضرية المكلفة. ومن المرجح أيضا أن يكونوا قادرين على العمل عن بعد أو لديهم وظائف تسمح أو تتطلب الانتقال عبر مسافات طويلة.
في حين كان هناك انخفاض كبير في هذه التنقلات لمسافات طويلة عبر حدود الولايات والمقاطعات، فإن أكثر حالات انخفاض التنقل دراماتيكية جاءت من التحركات المحلية داخل المقاطعة. وهنا يلعب العرض والقدرة على تحمل تكاليف المساكن دورا أكبر، حيث استمر الانخفاض في التنقل حتى مع ارتفاع أسعار الإيجارات وتكاليف الإسكان، التي دفعت كثيرين إلى الخروج من المناطق الباهظة في وسط المدينة. ويمكن تفسير ذلك جزئيا من خلال الانخفاض المتزامن في عدد المساكن الشاغرة، ولا سيما في المدن الكبيرة والباهظة.
أما على الصعيد الوطني، فيبلغ إجمالي عدد المساكن الشاغرة -وهو مزيج من معدلات الإيجار وأصحاب المنازل- نحو 7 في المائة، أي ما يقرب من نصف ما كان عليه خلال ذروة 2010 وعند أدنى مستوى له منذ منتصف الثمانينيات. وقد انتعش بناء الوحدات السكنية الجديدة تدريجيا منذ الركود الذي أعقب الانهيار المالي في 2008، لكنه لم يعد إلى مستويات أواخر التسعينيات.
يقول فروست: "هناك ارتباط قوي بحقيقة عدم توافر وحدات سكنية كافية. وبمجرد العثور على مكان -لأسباب تتعلق بالسعر ولأسباب لوجستية على حد سواء- فستبقى في هذا المكان لفترة أطول مما كان الناس يفعلون في الماضي".
تتبعت دراسة من 2021 العلاقة بين معدلات التنقل وظروف السكن، وتحدثت عن "احتكاك المنافسة" الذي ينشأ نتيجة لارتفاع أسعار المساكن وانخفاض معدلات الشغور. إن عمليات البحث الطويلة والصعبة تثبط التحركات، حيث تكشف البيانات المأخوذة من مسح الإسكان الأمريكي لمكتب الإحصاء الأمريكي عن زيادة مطردة في امتلاك المساكن على مدى العقدين الماضيين. ويفيد المستأجرون الآن أنهم يقيمون في مسكنهم الحالي منذ خمسة أعوام في المتوسط تقريبا.
بطبيعة الحال، لا يزال عديد من الأمريكيين يتنقلون بدافع الضرورة، في مواجهة إيجارات لا يمكن تحملها أو عمليات إخلاء. ولكن بالنسبة إلى الذين يعد الانتقال خيارا لهم، قد لا يبدو البحث عن شقة جديدة يستحق الجهد إذا كان ذلك ينطوي على فترات انتظار طويلة -ولا التكلفة عند المزايدة بشدة ضد المستأجرين المحتملين الآخرين.
بالنسبة إلى كثيرين، وخاصة بالنسبة إلى جيل الألفية، أصبح الحلم الأمريكي بملكية المنازل بعيد المنال، وأكثر فأكثر، قد ينطبق الشيء نفسه على العثور على شقة جديدة.