بقوو والاهتمام بالرفاه الاقتصادي

بعد استقلال علم الاقتصاد بداية في قسم الاقتصاد في جامعة كامبريدج على يد ألفرد مارشال، ظهرت تفرعات تركز على جوانب من الحياة الاقتصادية. أحد رواد هذه الظاهرة آرثر بقوو Pigou الذي اهتم بالرفاهية الاقتصادية العامة من ناحية، والتأثيرات الجانبية وغير المباشرة المكلفة أو الإيجابية التي تظهر عادة كتبعات للسياسات والقرارات الاقتصادية. ولد بقوو في جزيرة وايت البريطانية في 1877 لعائلة من الطبقة الوسطى، وتعلم الاقتصاد كطالب في كامبريدج على يد مارشال، إلى أن تعين كمحاضر في قسم الاقتصاد، وأصبح أستاذا في 1908، واستمر كأستاذ اقتصاد في كلية الملك إلى أن تقاعد في 1943. أسهم في تعليم جيل من الاقتصاديين، وكان أحد طلابه كجان ميراند كينز، وانتهت العلاقة بنقد متبادل وتراشق انتهى بسيطرة أفكار كينز على المشهد الاقتصادي ليس كاقتصادي فحسب، ولكن كمثقف نشيط، خاصة بعد الحرب الثانية.
أول كتبه وأهمها كان بعنوان "اقتصادات الرفاه" في 1920، حيث ركز على ثلاث مسائل: الأولى، تعريف الرفاهية. والثانية، شروط توافر الرفاهية بهدف رفعه للعامة. والثالثة، التوصيات العامة للدفع به لأكبر عدد ممكن. لكن ربما أشهر اهتماماته حين طور فكرة مارشال حول التأثيرات الخارجية externalities، إذ تعد أهم مساهماته في الفكر الاقتصادي. المقصود بالتأثير الخارجي تلك التكاليف المجتمعية التي لا تنعكس على الأسعار. التلوث مثال على التكاليف السلبية التي لا تظهر في أسعار من يلوث البيئة. هناك أحيانا تأثيرات إيجابية، فمثلا يتم تأسيس طريق أو محطة قطار تجلب حركة تجارية أو ارتفاع أسعار بعض الأصول في منطقة ما. يقول إن هذه التكاليف السلبية عادة تسبب تقليل فاعلية السوق، ولذلك على الحكومات التدخل في فرض ضرائب لتقليل التكاليف السلبية على المجتمع، وتوظيف هذه الأموال لتعويض المتضررين من التأثيرات. لا تزال هذه المسائل جدلية حتى اليوم، خاصة مع الاهتمام بالمناخ. كذلك نادى الحكومات بدعم مباشر للنشاطات التي لها تأثيرات جانبية إيجابية، مثل التعليم والأبحاث العلمية، خاصة أن لتلك النشاطات عاملا مضاعفا، فكل دعم يزيد فرص التأثيرات الإيجابية. أيضا من مساهماته ما عرف "بتأثير بقوو" في الاقتصاد الكلي، إذ يذكر أن حالة البطالة تقود إلى الركود، لكن توافر الأموال التي تستطيع تمويل استهلاك أكثر "القدرة على شراء البضائع نفسها بأسعار أقل"، يستطيع إعادة النشاط الاقتصادي. الفكرة تعد في منظومة الفكر الكلاسيكي، وبالتالي لم تصمد أمام الكساد الكبير وأفكار كينز وتوصياته.
لاقت توصيات بقوو نقدا بسبب الصعوبات التي تواجه الحكومات في قياس التأثيرات السلبية والدقة في تحديد المتضررين وتعويضهم تباعا. جادل آخرون بأن سياسة السوق ستستطيع التعامل مع هذه التحديات، فمثلا ممكن رفع قضايا قانونية على الشركات ما يرغمها على التعامل مع قضايا التلوث. كذلك نادى كووس في الستينيات، أنه ليس هناك حاجة إلى الضرائب، إذ لدى الفعاليات المتضررة المساومة الجماعية حتى الوصول إلى تسعير يحد من التأثيرات السلبية.
عاش آرثر بقوو حياة نشيطة أكاديميا، وعلى الرغم من طبيعته المسالمة والمحافظة إلا أنه لم يتردد في الدخول في مناقشة الأفكار والسياسات الاقتصادية. لم يتزوج وعاش وحيدا آخر أعوامه إلى أن توفي في كامبريدج في 1959.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي