FINANCIAL TIMES

هل المملكة المتحدة "عليلة" أوروبا مجددا؟

هل المملكة المتحدة "عليلة" أوروبا مجددا؟

تضخم المملكة المتحدة في 2023 مشابه لتضخم سبعينيات القرن العشرين في ظاهره. (جيتي)

في الظاهر، أصبح تضخم المملكة المتحدة في 2023 مشابها للمشكلة في سبعينيات القرن الـ20، عندما تحدث الناس عن "مرض بريطاني" يجعل الدولة بمنزلة "الرجل العليل" في أوروبا.
التضخم المرتفع المستعصي يفوق معدلات دول أخرى، والعقود المرتبطة بالمؤشر تزيد من ضغوط الأسعار، والسلطات تكافح لضبط تكاليف الأسر، والأجور تتبع ارتفاع الأسعار.
أرقام الأربعاء - التي أظهرت تضخم نيسان (أبريل) 8.7 في المائة، وهو يفوق 8.4 في المائة التي توقعها بنك إنجلترا - أكدت أن بريطانيا تعاني مشكلة خاصة.
تأثرت الدولة بكل من الإنفاق الحكومي القوي في فترة أسواق العمل فيها ضيقة - وهي أيضا مشكلة للولايات المتحدة - والآثار المتبقية لارتفاع هائل في أسعار الجملة للغاز في أوروبا العام الماضي.
لكن، مع ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة ارتفاعا كبيرا مقارنة بكل الدول الأخرى تقريبا في أوروبا الغربية وتوقعات بنك إنجلترا المبالغة في التفاؤل مرار وتكرارا، أصبحت الأعذار واهية.
ستيفن كينج، كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك إتش إس بي سي ومؤلف كتاب " يجب أن نتحدث عن التضخم"، كان قاسيا في انتقاده بعد إصدار مكتب الإحصاءات الوطنية أرقام الأربعاء.
قال كينج، "لا يبدو جيدا، أليس كذلك؟". "نمو متعثر، لم يتحسن بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. مقاومة الأجور الحقيقية. التضخم الأساسي هو الأعلى منذ عقود. اعتراف بنك إنجلترا بأنه يستخدم نموذجا لم يسر جيدا في الآونة الأخيرة. لا تزال أسعار الفائدة الأساسية منخفضة للغاية مقارنة بالتضخم الأساسي البالغ 6.8 في المائة (...) يا للهول".
التضخم في المملكة المتحدة الآن أعلى بكثير من متوسط منطقة اليورو البالغ 7 في المائة. الدولتان الأخريان الوحيدتان في أوروبا الغربية اللتان تتجاوز معدلاتهما 8 في المائة هما إيطاليا - حيث معدل التضخم هو نفسه في المملكة المتحدة - والنمسا. ولا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة عند معدل 19.1 في المائة في أبريل.
إضافة إلى كون المملكة المتحدة معزولة وفي مأزق، نشرت كلية لندن للاقتصاد الأربعاء بحثا جديدا يظهر أن الحواجز التجارية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أسهمت في ثماني نقاط مئوية من ارتفاع أسعار المواد الغذائية 25 في المائة بين 2019 وآذار (مارس) 2023.
وعلى مدى ثلاثة أشهر متتالية، وقع بنك إنجلترا أيضا في موقف صعب، حيث عجز عن تبين العوامل المؤثرة قصيرة الأجل في الأسعار. وفي شباط (فبراير) توقع البنك المركزي أن ينخفض التضخم إلى 9.2 في المائة بحلول مارس لكنه ظل عند 10.1 في المائة.
عندما راجع بنك إنجلترا توقعاته هذا الشهر، ضمن هوامش للخطأ جديدة لتحسين الدقة. قال مسؤولون في أحاديث خاصة إن البنك المركزي بذل كل جهد لضمان ألا تكون التوقعات متفائلة جدا مرة أخرى.
وأقر محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي الثلاثاء بأن البنك أمامه "دروس كبيرة جدا ليتعلمها" عن كبح التضخم وتوقعاته.
قال إن الإخفاق في تبين ضغوط الأسعار الفورية في الغذاء يرجع جزئيا إلى سوء الأحوال الجوية في المغرب التي لم يكن بإمكان بنك إنجلترا التنبؤ بها وأثرت في سلاسل التوريد للسلع سريعة الفساد مثل الخيار والطماطم.
لكن بيلي اعترف أيضا بأن بنك إنجلترا لم يدرك أن شركات الأغذية قد أبرمت عقودا بالجملة طويلة الأجل على أسعار السلع الغذائية العالمية، والتي كانت قريبة من ذروتها في العام الماضي.
من الواضح أن المحافظ لم ير أيضا ارتفاع 1.2 في المائة الشهر الأخير في أسعار المملكة المتحدة. ولم يتوقع أن تكون زيادات الأسعار واسعة النطاق، مدفوعة أكثر بزيادة تكاليف السيارات المستعملة والارتفاعات الكبيرة في رسوم الجوال، وكذلك الكتب ومعدات الرياضة والبستنة ومنتجات الحيوانات الأليفة.
ترجع الزيادة في رسوم الهواتف المحمولة جزئيا إلى العقود المرتبطة بالمؤشر، وهي سمة من سمات الحياة في السبعينيات ولا تزال سببا في استمرار التضخم اليوم.
حتى قبل آخر أخطاء التوقعات، كان مسؤولو بنك إنجلترا يتعرضون لضغوط لتوضيح موقفهم للنواب في لجنة الخزانة في مجلس العموم الثلاثاء.
وعلى الرغم من أن بيلي قال إن البنك اعتمد على أحكامه مسبقا لرفع توقعاته، إلا أنه تعرض لانتقادات من هارييت بالدوين، رئيسة اللجنة، لاستخدامه نموذجا يعتمد فقط على البيانات التي تظهر 30 عاما من الاستقرار النسبي للأسعار.
قال هيو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، إن البنك المركزي يدرس البيانات التاريخية بعناية بحثا عن فكرة لكبح التضخم. قال، "نفكر فيما إذا كان يجدر بنا استخدام النماذج أو مراجعة الأطر التي تم تطبيقها على بيانات السبعينيات والثمانينيات".
أضاف بيل، "لكن ما هو أهم، مع احتمالية وجود أمر يمكن تعلمه من تلك البيانات، توجد أيضا أسباب لرؤية أن السوابق ليست ذات صلة مباشرة".
قال بيل إن التضخم ظل مستمرا في تلك العقود، لأن الشركات والموظفين توقعوا بقاء التضخم عند مستويات عالية، ويحددون الأسعار ويطالبون بزيادة الأجور وفقا لذلك.
على الرغم من إقرار بيلي بأن دوامة الأجور والأسعار تضخم التضخم، إلا أن كبير الاقتصاديين قال إن الوضع الحالي مختلف عن سبعينيات القرن الـ20.
"هيكل سوق العمل مختلف جدا (...) خاصة النظام الذي تدار به السياسة النقدية مختلف تماما".
شدد بنك إنجلترا على أن معظم التضخم نشأ من الارتفاعات الحادة في أسعار الغاز والمواد الغذائية، التي تستوردها المملكة المتحدة وليس للبنك المركزي يد فيها.
المشكلة في إلقاء بنك إنجلترا باللوم في التضخم على أسعار الطاقة والغذاء المستوردة هي أنها أصبحت تتعارض أكثر فأكثر مع البيانات، كما أشار الاقتصاديون الأربعاء.
قفز التضخم الأساسي من 6.2 في المائة في مارس إلى 6.8 في المائة في أبريل عندما كان متوسط توقعات الاقتصاديين يتوقع أن يبقى ثابتا.
أظهرت الأرقام الرسمية أيضا أن السلع والخدمات التي تحتوي على عناصر مستوردة قليلة ترفع باطراد معدل التضخم العام.
قال مكتب الإحصاءات الوطنية إنه في أبريل، الأصناف التي كانت نسبة الواردات فيها أقل من 10 في المائة، مثل إيجارات المساكن، أسهمت في 1.76 نقطة مئوية في معدل التضخم البالغ 8.7 في المائة. كان هذا ارتفاعا من 1.38 نقطة مئوية في مارس وأعلى مستوى منذ 2006، أول مرة نشرت فيها سلسلة البيانات.
قال ألان مونكس، الخبير الاقتصادي البريطاني في "جيه بي مورجان"، إنه أمر يثير القلق وسيدفع بنك إنجلترا إلى رفع أسعار الفائدة أكثر.
قال مونكس، "لا يمكن وصف البيانات بأنها تصف حادثة واحدة لن تتكرر أو مجرد ناتج ثانوي غير مباشر لمكاسب أسعار الغذاء والطاقة، كما اعتاد بنك إنجلترا ومؤيدو التخفيف النقدي القول حتى وقت قريب جدا".
أثار صدى الماضي فزع الأسواق المالية الأربعاء، ما أدى إلى ارتفاع توقعات أسعار الفائدة المستقبلية بحدة. تتوقع الأسواق المالية ارتفاع أسعار الفائدة إلى 5.3 في المائة بحلول نهاية العام.
لعل هذا التوقع يهول المشكلة، وفقا لساندرا هورسفيلد، الخبيرة الاقتصادية البريطانية في إنفستك المالية، التي تتوقع ارتفاع ربع نقطة أخرى لتصل إلى 4.75 في المائة في حزيران (يونيو).
في فترة من الركود التضخمي تشبه السبعينيات، مع نمو ضئيل وتضخم مرتفع، قالت، "أمور قليلة يمكن استبعادها، لكن ضرورة الدوس بتلك القوة على الفرامل موضع شك".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES