Author

مركز مقترح لمكافحة هدر الطعام

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

نعاني في بلادنا وفي العالم مشكلة هدر الطعام. وذكرت وسائل إعلامية ليست بعيدة أن عبدالرحمن الفضلي، وزير البيئة والمياه والزراعة، قال إن ما نسبته نحو الثلث يهدر، وتبلغ تكلفته نحو 40 مليار ريال سنويا.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، "إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما عليها من الأذى وليأكلها" رواه مسلم. هذا في لقمة واحدة، فكيف بالأطعمة الكثيرة التي تزيد على الحاجة فيرمى الزائد. وكيف بالموائد العظيمة التي يبقى كثير من طعامها فيرمى في القمامات؟ رأى -صلى الله عليه وسلم- تمرة في الطريق فأخذها بيده وقال، "لولا أنى أخشى أن تكون من الزكاة لأكلتها"، لكنه رفعها من الطريق. هذا من تقدير النعمة وتوطين النعمة وعدم إهدارها.
بعض التقاليد يطبق بطريقة تسبب الهدر. من العادات المؤدية إلى الهدر أن يتناول البعض الرز والطعام من الوعاء، خاصة الكبير، "الصحن الكبير أو ما يسمى شعبيا التبسي"، مع قلة اهتمام بما يسقط من الرز على السفرة. هذا غلط. والنفوس في الأغلب تعاف من الأكل مما يتبقى من الطعام في الوعاء، فيكون مصيره الهدر. وقال أحد أهل العلم الشرعي، إنه كان في منزل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، فقدم الطعام. فاشترط الشيخ على تلاميذه الضيوف إما أن يأكلوا كل الطعام الذي في الوعاء وإما أن يغترف كل واحد حاجته من الطعام في صحن خاص به. لا تقبل أن يغرف لك فوق حاجتك.
كيف لنا أن نكافح الهدر إلى أقل ما يمكن؟
هناك جهود في الحد من الهدر. على سبيل المثال، وقعت قبل فترة المؤسسة العامة للحبوب عقد تنفيذ حملة توعوية للحد من الفقد والهدر في الطعام ضمن مبادرات التحول الوطني.
لكننا نطمح إلى مزيد. وهنا أطرح مقترح تأسيس بنية رسمية تحت مسمى هيئة أو مركز لمكافحة هدر الطعام والماء.
على هذا المركز تطوير آليات ذات فاعلية عالية لتقليل حجم ما يهدر من الطعام: آليات تبنى على أساس تكاتف الجميع في توازن شراء الطعام واستخدامه. آليات تبنى على أساس عمل ما يؤمل منه إحداث تغيير في العادات والتقاليد المسببة للهدر. آليات تبنى على أساس رفع مستوى الوعي لدى المنتجين والمستهلكين للحد من الهدر وما يؤدي إليه. تبنى على مراعاة الصحة والبيئة والاقتصاد.
الهدر ليس فقط في الطعام. هناك هدر كبير في الماء. على سبيل المثال، نرى كثيرا من اليد العاملة تتوضأ في دورات المساجد بطريقة فيها هدر شديد. مقترح وضع إرشادات بعدة لغات ترشد المتوضئين إلى القدر المطلوب شرعا للوضوء. إرشادات توضح للناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بمد ماء. ما حجم المد؟ يزيد المد قليلا على نصف لتر. وسمي مدا لأنه يعادل تقريبا ما تحمله اليد الممدودة من ماء. وحيث إنه لم يعد مستعملا، فنطمح إلى توضيح حجم المد بكتابات ورسومات بلغات بسيطة مفهومة من عموم الناس، وتعلق عند الدورات العامة في المساجد وغيرها.
إننا مأمورون بشكر الرب -سبحانه- وتقدير نعمه. ومن الشكر منع هدر النعم، والتبذير والإسراف، وهذه لا تحتاج إلى مزيد بيان. إلا أن واقع بعض الناس مؤسف. وقد قيل إن بلادنا تحتل مرتبة متقدمة في هدر الطعام. وهذا أمر محزن، لا يتفق مع تعاليم ديننا، ولا مع مبادئ حسن التصرف. ولا شك أن بعض السياسات المتخذة في برامج الرؤية بأنها دفعت نحو سلوك أكثر رشادا في تقدير النعم. ومطلوب مزيد من الرشاد.
الهدر مشكلة عالمية. قال البنك الدولي قبل مدة إن العالم يفقد أو يهدر نحو ثلث الطعام الذي ينتجه للاستهلاك. هذا الهدر فساد كبير. يقول رئيس البنك، "ملايين الناس حول العالم يذهبون كل ليلة إلى مضاجعهم جوعى، ومع ذلك فإن ملايين الأطنان من الغذاء ينتهي بها المطاف في صناديق القمامة، أو تفسد في الطريق إلى الأسواق".
وسبقت قول البنك دراسة أعدت لحساب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" قبل نحو أعوام قليلة، خلاصتها أن نحو ثلث الطعام المنتج في العالم للاستهلاك الآدمي كل عام -أي نحو 1.3 مليار طن- يهدر أو يبدد كل عام.
الهدر ليس فقط في الطعام المنتج، بل في الموارد المستخدمة لإنتاج هذا الطعام، بما في ذلك المياه والأراضي والطاقة وغيرها. فضلا عن توليد عوادم لا داعي لها من الغازات المساهمة في الاحتباس الحراري، ويفاقم من تغير المناخ. وتعرض الدراسة عددا من الاقتراحات العملية لكيفية خفض هذه الخسائر والنفايات.
تعد المطاعم والمآكل والحفلات أطعمة ووجبات بكميات وأحجام فيها إسراف بين. لكن على الضيوف أو الزبائن إعطاء اهتمام له قيمة بما يحتاجون إليه فعلا من الطعام.
ترى دراسة "الفاو" أن كثيرا من المستهلكين يخفقون في التخطيط الصائب لمشترياتهم. أي أنهم في أغلب الأحيان يلقون بكميات لا يستهان بها من الطعام لدى انتهاء تواريخ الصلاحية "يفضل الاستهلاك قبل تاريخ كذا".
كل ما سبق يجعل السلوك السائد يحوي "ودون شك" منكرا محاربته مطلوبة. وفي هذه المحاربة، تنبغي الاستفادة مما نشر من تقارير في السلوكيات المؤدية إلى الهدر، ووضع القواعد والضوابط للحد من تلك السلوكيات.
أخيرا، أشيد بأعمال أو مشاريع استقبال فائض الولائم لدى جمعيات أو جماعات خيرية، بغرض توزيعه على الفقراء والمحتاجين والمساكين. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

إنشرها