FINANCIAL TIMES

الحياة في عصر التسريح الجماعي .. رب ضارة نافعة

الحياة في عصر التسريح الجماعي .. رب ضارة نافعة

عندما سرحت آرثي راجو فجأة من وظيفتها في تنمية المبيعات قبل عدة أسابيع، اتجهت مباشرة إلى موقع "لينكد إن" لكتابة دليل للبقاء على قيد الحياة في أول 48 ساعة من فقدان وظيفتك.
حتى الآن كل شيء طبيعي جدا، باستثناء أمر واحد: الشركة التي سرحت راجو -وأكثر من 700 من زملائها- كانت لينكد إن.
مثلما كتب واحد من آلاف الأشخاص الذين شاهدوا قصتها، كان تسريحها من لينكد إن والنشر عنه على لينكد إن "مثل ضربة قاضية".
أعتقد أنها كانت كذلك، لكن قضيتها ليست سوى واحدة من موجة تثير الاشمئزاز من عمليات التسريح الجماعي التي تمزق الصناعات. استغنت شركات التكنولوجيا وحدها عن 194 ألف وظيفة حتى الآن هذا العام وفقا لأحد التقديرات، أكثر من تخفيضات عام 2022 بأكمله.
هذا يثير سؤالين مهمين: كيف تشكل هذه الخسائر القوى العاملة في المستقبل؟ وما احتمالات أن كونك عاطلا له جانب إيجابي معقول على المدى البعيد؟
توجد بالطبع أدلة كثيرة على أن الخسائر البشرية الناجمة عن التسريح قد تكون وخيمة. يظهر البحث أنه قد يزيد من احتمالات المرض وحتى الانتحار، في حين أولئك الذين نجوا من الفأس غالبا ما يواجهون عملا أكثر مع مساعدة أقل، إضافة إلى القلق من التساؤل عما إذا كانوا التالين.
لكن ماذا لو أصبح تسريح العمال أحد ممارسات الأعمال المعتادة لدرجة تغييره طبيعة القوى العاملة؟ هذا ما وضحه الأكاديميون في جامعة ويسكونسن في ورقة بحثية صدرت في 2015 أثارت ما سموه "القلق الجديد، وبالأحرى المشؤوم" من أيد عاملة أكثر تقبلا للمغادرة.
"تشير دراستنا، بافتراض تساوي كل العوامل الأخرى، إلى أن عمليات التسريح الشائعة ربما تؤول إلى عدد كبير من الموظفين الذين تقل احتمالية بقائهم في جهات العمل التالية"، كما قالوا.
بعبارة أخرى، قد يوفر الاستغناء عن مئات الأشخاص في وقت واحد التكاليف على المدى القصير لشركة ما، لكنه قد يخلف مشكلات أوسع للآخرين الذين يحاولون التمسك بالموظفين الأكثر تقلبا.
هذا الاكتشاف يتوافق مع عمل آخرين مثل جيفري فيفر أستاذ كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد. كتب بإسهاب عن الأدلة التي تظهر أن تسريح العمال له تأثير ضار في العمال وليس بالضرورة جيدا للأعمال التجارية، لأنه غالبا لا يخفض التكاليف أو يرفع أسعار الأسهم أو يعزز الإنتاجية.
لكن تسريح العمال لا يزال مستمرا، لذا من المشجع قليلا أن نرى دلائل على أنه لبعض العمال، فقدان وظيفتك فجأة أو مواجهة شكل من أشكال سوء الحظ في العمل قد لا يكون الكارثة التي قد يعتقدها المرء.
هذا ما وجده الباحثون في كلية أودنسيا للأعمال في فرنسا عندما سألوا أخيرا نحو 700 مدير درسوا في نخبة من كليات إدارة الأعمال كيف أثرت الصدفة في حياتهم المهنية.
عادة لا يدرس الأكاديميون دور الحظ في المسارات الوظيفية، لكن وجد العلماء الفرنسيون أن وظائف معظم المديرين الذين شملهم الاستطلاع قد تأثرت بشدة بنوع من الصدفة.
كان هذا إيجابيا في الغالب. صادف أحد الأشخاص رئيسه التنفيذي وتباهى بعمل أدى إلى ترقيته. وتحدثت أخرى مع إحدى الجيران على السلالم التي قدمت لها ابنة أخيها نصائح مهنية لا تقدر بثمن.
لكن نسبة كبيرة عانت أيضا حظا عاثرا، مدير جديد بشخصية سامة، أو فقدان وظيفة بسبب إعادة الهيكلة أو تقليص عدد الموظفين أو إغلاق الأعمال.
على نحو مفاجئ، قال أكثر من 70 في المائة من غير المحظوظين "إن المصيبة أفضت إلى نتيجة إيجابية".
تولى رجل طرد من وظيفة مالية مرموقة في لندن خلال الأزمة المالية وظيفة برتبة أقل في مدينة إيكس أون بروفانس الفرنسية كثيفة الشجر حيث تمت ترقيته إلى منصب أكبر وراتب يقول "لم أحلم به أبدا في لندن".
قررت امرأة أغلقت شركتها فجأة تغيير هدفها واجتازت امتحانا وطنيا فتح مجموعة من الفرص الجديدة.
تحذر البروفيسورة كريستين ناشبيرجر، المؤلفة المشاركة في البحث، من أن هذه الدراسة تستند إلى مجموعة مختارة من المديرين ذوي المؤهلات العالية، وقد يجد آخرون صعوبة في العثور على وظيفة جديدة، ولا سيما العمال الأكبر سنا.
أما أولئك الذين تم دفعهم فجأة إلى صفوف الزائدين عن الحاجة، فيجدر بهم تذكر أمرين: من الصعب اليوم، أصعب من أي وقت مضى، إدارة مسارك المهني. لكن ربما تكون انتكاسة غير متوقعة في العمل كارثة ليست دائمة.
كما تقول ناشبيرجر "المهنة لا تسير دائما في خط مستقيم، يمكن أن تتحول الأمور بشكل مختلف".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES