Author

هل تكلفة التمويل مضللة؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

بعض المتابعين يعلم أني سبق أن كتبت عن مشكلة الفائدة المتناقصة، أو معدل النسبة السنوي المستخدم في تكلفة التمويل، وذلك منذ أكثر من 15 عاما، وطالبت بضرورة اعتماد الطريقة الصحيحة للتكلفة بدلا من الطريقة الحالية الشائعة، وبالفعل قام البنك المركزي في 2015 بإصدار وثيقة توضح الطريقة وتلزم جميع البنوك ومؤسسات التمويل باستخدامها في إعلاناتهم.
ما الطريقة الصحيحة للإفصاح عن تكلفة القروض الواجب على الجميع الالتزام بها؟ وما الخلل في الطريقة الشائعة؟
سبب عودتي إلى الموضوع أن أسعار الفائدة ارتفعت بشكل كبير منذ بداية 2022، واليوم تكلفة إعادة الشراء "ريبو" لدى البنك المركزي 5.75 في المائة، وتكلفة الاقتراض بين البنوك "سايبور" عند المستوى نفسه، وتكلفة الاقتراض بجميع أشكاله ارتفعت بشكل كبير، فأصبحت مشكلة معدل النسبة السنوي أكثر حساسية من ذي قبل.
فوجئت قبل أيام بعرض لتمويل عقاري من أحد البنوك بمعدل 3.65 في المائة، وقد تم تناقله بين الناس على أنه سعر مغر جدا في مثل هذه الظروف، فهل هو بالفعل سعر مغر؟ ربما أنه سعر مغر مقارنة بعروض منافسة من بنوك أخرى، لا أعلم عن ذلك، لكن يجب ألا يعد العرض مغريا لمجرد أن نسبة 3.65 في المائة تبدو متدنية جدا.
كيف يمكن الحصول على قرض بنسبة 3.65 في المائة من البنك ذاته الذي أصدر قبل أشهر صكوكا فائدتها السنوية للمشتري 5.5 في المائة؟
طبعا هنا نتكلم عن مصرف الراجحي لكن طريقة الإفصاح عن تكلفة القروض هي ذاتها لدى جميع البنوك، فالموضوع ليس خاصا بمصرف الراجحي. من الواضح أن هناك خللا ما في النسبة المعلنة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال لبنك أن يقترض من الناس بنسبة 5.5 في المائة ومن ثم يقوم بإقراض الناس بنسبة 3.65 في المائة، فهذه خسارة على البنك واضحة.
الخلل وعلاجه بالطبع نجده فيما أشار إليه البنك المركزي في وثيقة حساب تكلفة الاقتراض واستخدام معدل النسبة السنوي، الذي في حال تم احتسابه بالطريقة الصحيحة تكون تكلفة القرض المذكور في هذا الإعلان 6.25 في المائة، وليس 3.65 في المائة!
ما المشكلة في الاستمرار في عرض تكلفة الاقتراض بالطريقة الشائعة الحالية، المخالفة لتعليمات البنك المركزي؟
غني عن القول إن مجرد مخالفتها تعليمات البنك المركزي كاف للتوقف عن العمل بها، لكن السبب الحقيقي الذي أثار مشكلة فائدة القروض من البداية هو أن الطريقة الحالية مضللة ومربكة ومخالفة للعرف العالمي وغير مفيدة عند مقارنة التكلفة بالعوائد المالية الأخرى، كالعائد على الأسهم أو العقار أو أي أصول أخرى. على سبيل المثال، قد يظن شخص أنه بحكم أن العقار تاريخيا يحقق بين 5 و8 في المائة كعائد على رأس المال المستثمر، لذا فإن الاقتراض بنسبة 3.65 في المائة يكون مجديا إلى حد كبير، حيث يقوم الشخص بالاقتراض بنسبة 3.65 في المائة لشراء مسكن يقوم بتأجيره على الفور للحصول على عائد سنوي في حدود 5 إلى 8 في المائة، فيحقق ربحا معقولا من هذه العملية. لكن لو أن الشخص علم أن تكلفة القرض ليست 3.65 في المائة، بل إنها 6.25 في المائة فقد يتراجع عن قراره الناتج عن النسبة المعلنة الخاطئة التي جعلته يقارن بين عائدين بطريقة غير صحيحة.
للتوضيح مرة أخرى، لو أن قرضا لمدة عام بمبلغ 100 ألف ريال وفائدة بحسب إعلان البنك 5 في المائة، فتكون الفائدة الكلية خمسة آلاف ريال، لكن بما أن المقترض يقوم بدفع أقساط شهرية تؤدي إلى انخفاض مقدار المبلغ المتبقي في ذمته، فالتكلفة الصحيحة باستخدام معدل النسبة السنوي في هذه الحال 9.1 في المائة، وليست 5 في المائة.
ما سبب استمرار البنوك في استخدام الطريقة الخاطئة في عرض تكلفة القروض رغم مطالبة البنك المركزي باستخدام معدل النسبة السنوي؟
السبب الأول أن النسبة الشائعة مألوفة لدى الناس وطريقة حسابها سهلة جدا، فهي مجرد ضرب نسبة الفائدة في المبلغ المقترض وتكرار ذلك بعدد أعوام القرض ومن ثم قسمة المجموع على عدد الأشهر لمعرفة مبلغ القسط الشهري. بينما لحساب معدل النسبة السنوي لا بد من استخدام الكمبيوتر في ذلك، والسبب لأن الطريقة الصحيحة تأخذ في الحسبان المبلغ المتبقي في ذمة المقترض بنهاية كل شهر، وبذلك فهي تعتمد على بعض المعادلات الرياضية.
السبب الآخر للاستمرار في الطريقة القديمة تسويقي بحت كون النسبة التقليدية أقل بكثير من النسبة الحقيقية، وبالتالي تكون أسهل لأن يقبل بها الشخص العادي، فكما في المثال أعلاه، لو عرضت النسبة الصحيحة للقرض العقاري على العميل على أنها 6.25 في المائة فقد يتراجع عن القرض، بينما 3.65 في المائة تبدو له أفضل بكثير.
من المهم الإشارة إلى أن جميع البنوك تستخدم الطريقة الصحيحة في حال قرر العميل السداد المبكر، لأن حساب معدل النسبة السنوي ينتج عنه استقطاع أكبر للفائدة من الطريقة التقليدية، ما يعني أن البنوك تستخدم الطريقة التقليدية في التسويق لأن النسبة تظهر متدنية، وتستخدم الطريقة الصحيحة في الحسابات لأنها مفيدة في حال السداد المبكر. كذلك مهم التأكيد أن التكلفة الفعلية على العميل لا تتغير، سواء تم استخدام الطريقة الصحيحة في الإعلان أو الطريقة التقليدية، القضية متعلقة بسلامة الإفصاح وعدم تضليل العميل.
من باب المقارنة، لو نظرنا إلى تكلفة القرض العقاري ذاته المذكور في العرض بنسبة 3.65 في المائة، وقارنا ذلك بأمريكا، فسنجد أن متوسط التكلفة للقرض ذاته هذه الأيام في أمريكا نحو 6.85 في المائة.
حل معضلة الإفصاح عن تكلفة القروض يكمن في اتباع وثيقة البنك المركزي المعدة لهذا الغرض، التي ألزم فيها المركزي جميع مؤسسات التمويل باتباع طريقة نسبة المعدل السنوي. وكمرحلة انتقالية، يجب عرض النسبة الصحيحة في جميع الإعلانات وعلى المواقع الإلكترونية وفي جميع مراحل التسويق للعملاء، وبين قوسين يمكن ذكر النسبة التقليدية.

إنشرها