FINANCIAL TIMES

ما السبيل إلى علاقات اقتصادية أمريكية ـ صينية معافاة؟

ما السبيل إلى علاقات اقتصادية أمريكية ـ صينية معافاة؟

بحسب معادل القوة الشرائية، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين في 2022 أقل 30 في المائة منه في الولايات المتحدة.

من المرجح أن تحدد العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مصير البشرية في القرن الـ21. ستحدد إن كان سيكون هناك سلام وازدهار وحماية لبيئة الكوكب، أو عكس ذلك. إذا كان الأخير هو ما سيحدث، فإن المؤرخين المستقبليين (إن كتب وجود) سيتعجبون حتما من عدم قدرة الجنس البشري على حماية نفسه من غبائه. لكن لحسن الحظ، لا يزال في إمكاننا أن نعمل اليوم لمنع وقوع كارثة. هذا ينطبق على عديد من المجالات، من بينها الاقتصاد. إذن، كيف يمكن إدارة العلاقات الاقتصادية على أفضل وجه في المستقبل الذي تزداد مواجهته صعوبة علينا؟
أدلت كل من جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، وأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بتصريحات حول هذا الموضوع. لكن هل طرحتا شيئا قابلا للتنفيذ مستقبلا؟ للأسف، أشك في ذلك.
وضعت يلين خطة لما تسميه "المشاركة البناءة". وهذه تتكون من ثلاثة عناصر: الأول، "تأمين مصالح أمننا القومي ومصالح حلفائنا وشركائنا (...) وحماية حقوق الإنسان". الثاني، "السعي لعلاقة اقتصادية صحية" تقوم على المنافسة "العادلة". الأخير، "السعي للتعاون في مواجهة التحديات العالمية الملحة في يومنا الحاضر". في مناقشتها للعنصر الأول، أشارت إلى أن "إجراءات الأمن القومي الأمريكية ليست مصممة لكي نكتسب من خلالها ميزة اقتصادية تنافسية، أو كبح التحديث الاقتصادي والتكنولوجي في الصين". لكن الصعوبة تكمن في أن هذا ليس ما تبدو عليه الأمور في الصين على الإطلاق، كما تعلمت خلال إقامتي القصيرة في بكين أخيرا.
مناقشة يلين للعنصر الحاسم المتمثل في الأمان، توضح مدى الإشكالية التي يجب أن يكون عليه. فهي، مثلا، تشدد على قلق الولايات المتحدة من شراكة الصين "غير المحدودة" ودعمها لروسيا، وتحذرها من تقديم الدعم المادي أو مساعدتها في التهرب من العقوبات. وتؤكد أيضا على مخاوف الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان، ومنها ما يعدها الصينيون شؤونا داخلية بحتة.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، فإنها تذكر "أننا لا نسعى إلى فصل اقتصادنا عن اقتصاد الصين"، بل على العكس "الصين المتنامية التي تلعب وفقا للقواعد يمكن أن تكون مفيدة للولايات المتحدة". على أية حال هي تذكرنا بأن الولايات المتحدة تتبادل مع الصين تجاريا أكثر من أي دولة أخرى، باستثناء كندا والمكسيك. ومع هذا، تضيف، أن الولايات المتحدة تعترض على عديد من الممارسات التجارية "غير العادلة" للصين وستواصل "اتخاذ إجراءات منسقة مع حلفائنا وشركائنا ردا على ذلك". إحدى النتائج هي اتخاذ إجراءات بشأن سلاسل التوريد، بما في ذلك "نقل سلاسل التوريد للبلدان الصديقة".
يعد نهج فون دير لاين تكميليا. تقول: "من الواضح أن الانفصال ليس قابلا للتطبيق أو مرغوبا فيه أو حتى عمليا بالنسبة لأوروبا". لكنها تجادل بأن الصين "طوت الآن صفحة عصر الإصلاح والانفتاح وبدأت تنتقل إلى حقبة جديدة من الأمن والسيطرة". وينصب تركيزها، كما الولايات المتحدة، على "عدم المخاطرة" بالعلاقة. ويتم ذلك من خلال التخلص من نقاط الضعف والحفاظ على الاستقلالية الاستراتيجية. وكما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن ذلك يتضمن استثمارات استراتيجية في قطاعات رئيسة معينة. هناك طريقة أخرى تتمثل في الاستخدام الفعال لأدوات الدفاع التجاري. لكن هناك طريقة أخرى تتمثل في ابتكار أدوات جديدة لضمان عدم استخدام رأس مال الشركات الأوروبية ومعرفتها لتعزيز القدرات العسكرية والاستخبارية لمن يعدون أيضا منافسين لنا بصورة نظامية. ويمكن أن يشمل ذلك وضع ضوابط على الاستثمار الخارجي. أما الطريقة الأخيرة فتتمثل في تعميق التعاون مع الشركاء.
في كتاب صدر حديثا، من الواضح أنه كتاب متشائم، يناقش كيفن رود، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، ما يسميه "المنافسة الاستراتيجية المدارة" بين الولايات المتحدة والصين في عهد شي جين بينج. قد يجادل بعضهم بأن يلين وفون دير لاين، توضحان العناصر الاقتصادية لهذا النهج.
إذا كان الأمر كذلك، فمن غير المرجح أن ينجح هذا النهج. الجهود الأحادية الجانب للشعور بمزيد من الأمان لا بد أن تجعل الجانب الآخر أكثر شعورا بانعدام الأمن. ومن الواضح أن هذا صحيح في المجال الأمني، في نطاقه المحدود. فإذا كان أحد الجانبين يملك زمام المبادرة في تكنولوجيا تعد أساسية، فسيكون الآخر عرضة للخطر. لكنه ينطبق كذلك على الاقتصاد. إن رفض بيع التكنولوجيات أو الموارد الحيوية من الناحية الاستراتيجية - أو حتى احتمال حدوث ذلك في وقت ما مستقبلا - سيجعل الطرف الآخر يشعر بعدم الأمان اقتصاديا. وبالفعل، أصبح من الواضح في بكين أن الصينيين المطلعين يؤمنون بأن الولايات المتحدة تهدف بالفعل إلى إحباط صعودهم الاقتصادي. قد تكون الضوابط الأمريكية على صادرات الرقائق تم تصميمها لتعزيز الأمن الأمريكي، لكنها تشكل أيضا قيدا على الاقتصاد الصيني. كلاهما لا يمكن فصله عن الآخر.
من غير المحتمل أن يصبح هذا الصراع أسهل. عند القياس بمعايير قابلة للمقارنة (بـ"معادل القوة الشرائية")، تظل اقتصادات الولايات المتحدة وحلفائها أكبر نحو 80 في المائة من اقتصادي الصين وروسيا معا. ومع ذلك، لا تزال الصين دولة فقيرة: بحسب معادل القوة الشرائية، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين في 2022 أقل 30 في المائة منه في الولايات المتحدة. لنفترض أنها تمكنت من الوصول إلى الوضع النسبي الحالي لكوريا الجنوبية. حينها سيكون اقتصادها تقريبا نصف حجم اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين. هل سيحدث هذا؟ على الأغلب لا. لكن لا يمكن استبعاده، بالنظر إلى الأداء السابق. على أية حال، تمتلك الصين بالفعل اقتصادا قويا ودورا كبيرا في التجارة العالمية، وجيشا ضخما.
إن عصر المواجهة الاستراتيجية، الذي دخلنا فيه مرعب. وهذا ينطبق بشكل خاص على الذين يريدون أن تزدهر مثل الحرية الفردية والديمقراطية، بينما يتعاونون مع الصين في الحفاظ على السلام والازدهار وحماية كوكبنا العزيز. بطريقة أو بأخرى، علينا أن نتعاون ونتنافس، بينما نتجنب أيضا الصراع العسكري. يجب أن تكون نقطة انطلاقنا هي تحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية، فيما يتعلق بأهدافنا وخططنا. لقد تعلمنا ضرورة ذلك بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. لكننا سنحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير وربما لفترة أطول. قلة من قادة التاريخ تحملوا عبئا أخلاقيا أثقل مما يتحمله قادة اليوم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES