بهجة العبادات

يخطئ من يظن أن التمسك بالدين مربوط بالغلظة والحزن والخوف، فقد أنعم الله علينا بدين وسط، جعل فيه مواسم للعبادة، وربط العبادات بالفرح والسرور، وتبديل الهم والأحزان والأتراح بالأفراح، وأمرنا بأن نسعد ونحتفل بأيام الله وضيافته!
أعجب من كثير من المسلمين الذين يبحثون عن أي مناسبة يحتفلون بها، من سن للمولود إلى حفل تخرج طفل في التمهيدي وحفلات توديع العزوبية، حتى الطلاق احتفلوا به، فضلا عن الاحتفالات الدخيلة علينا شكلا ومضمونا ومنها "غبقات" رمضان (احتفالات شعبية تنظم في الكويت) التي اتخذها المشاهير للدعاية والإعلان، اختلط فيها الحابل بالنابل في أجواء لا تتلاءم مع حرمة هذا الشهر الفضيل، وإذا جاءت الأعياد الحقيقية شدوا الرحال وغادروا الأهل والتموا على الأصحاب.
نعود لأعيادنا وعباداتنا البهيجة، ونعود إلى زمن الحبيب -صلوات الله وسلامه عليه-، فقد كان يعظم هذه الشعيرة، ويحرص أن يكون هو ومن حوله أشد الناس فرحا بالأعياد، في صورة من أعظم صور جمال الإسلام وتوازنه بين الروح والروحانية. كانت فرحة العيد تسبقه، تبدأ من ليلة تحري هلاله فيعلن المسلمون الفرح بالتهليل والتكبير والاستعداد لنهار العيد بالاغتسال والصلاة التي كانت تعقد في مصليات مفتوحة على أطراف المدن، يروى عن الحسن بن علي، أنه قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد"!
وكان من عادته أن يخرج للصلاة فيما يشبه الموكب، ممسكا بحربة، اتخذها الصحابة والخلفاء سنة من بعده، كانت الأعياد عبادات وقربات ومواسم للفرح وإظهارا للقوة بالمواكب والاستعراضات العسكرية، فكانوا يخرجون بالخيول والزرافات والفيلة المسرجة بالذهب والمرصعة بالجواهر.
وتنصب الخيام وتبنى القباب لإقامة الاحتفالات ومد السفر التي يتجاوز طولها 150 مترا وعرضها نحو خمسة أمتار، تحوي مئات الأصناف من الأطباق، هذا غير الحلويات والملبس والمكسرات والفواكه المجففة وكعك العيد الموسوم بـ"كل واشكر"، وإرساله هدايا للشعوب والدول المجاورة، وكان الكعك يحشى بالدنانير الذهبية بدل السكر، وتغلف المكسرات به كشكل من أشكال العيديات التي بدأت منذ العصر الفاطمي. وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة، كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة، وتميزت الأعياد بالألعاب المختلفة والغناء والضرب بالدف. مر الصحابي عياض بن عمرو الأشعري في يوم عيد، فقال: "ما لي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة؟ التقليس أي الضرب بالدف".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي