Author

الإفلات من الركود

|

تسعى السلطات التشريعية الاقتصادية الأمريكية بكل ما تستطيع من أجل إبقاء وتيرة مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي ضمن نطاقها الحالية. بمعنى أن التباطؤ الراهن، سيكون أفضل بالتأكيد من الوصول إلى دائرة الركود المتوقعة. وحاولت الإدارة الأمريكية طوال الأشهر الماضية، تعزيز هذا الأداء، رغم أن الآثار السلبية التي تتركها سياسة التشديد النقدي، عبر الزيادات الدورية لأسعار الفائدة العامة، التي بلغت في المراجعة الأخيرة للمجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" 4.75 في المائة، هي الأعلى منذ عقود. ولا شك أنه ليس أمام المشرعين حاليا سوى هذه السياسة لكبح جماح التضخم، الذي بلغ 6.5 في المائة، بينما تدل المؤشرات وتوقعات المحللين على بقائه لفترة لن تكون قصيرة، أي أن هذا المستوى سيبقى مرتفعا حتى نهاية 2024 على الأقل.
ولأن الأمر كذلك، فإن إمكانية دخول أكبر اقتصاد في العالم دائرة الركود، بات متوقعا الآن أكثر من أي وقت مضى، رغم أن البعض أشار سابقا إلى إمكانية أن يحقق الاقتصاد الأمريكي نموا بحدود 1.4 في المائة لهذا العام. لكن لا توجد ضمانات حقيقية لحدوث ذلك في المدى القصير على الأقل. فحتى لو تراجع التضخم بنهاية العام الحالي إلى 4 في المائة، وهذا أمر ليس واقعيا في نظر عديد من المراقبين، فإنه سيظل فوق المستوى الرسمي المعلن عند مستوى 2 في المائة. وفي الواقع أن هذه النسبة معتمدة في كل الاقتصادات المتقدمة، إلا أنها لم تتحقق حتى قبل تفشي جائحة كورونا، والحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، والتبعات التي تتركها الموجة التضخمية المزعجة على الساحة الاقتصادية العالمية عموما.
وتعتقد جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية أن الوضع الاقتصادي الأمريكي في حالة جيدة، رغم أنها أشارت إلى سلسلة من التحديات، وهي تأمل (كبقية المشرعين الماليين) أن يشهد اقتصاد البلاد ما أسمته بـ"الهبوط الناعم"، بمعنى خفض التضخم دون الوصول إلى خط الركود. وهذا أمر ليس سهلا، رغم أن أوضاع سوق العمل على المستوى المحلي جيدة بالفعل، إضافة طبعا إلى عدم وجود مشكلات حقيقية على صعيد الموازنة العالمة، كما كانت موجودة قبل انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية 2008. المهمة الرئيسة الآن على الساحة الأمريكية، هي نجاح المواءمة بين فائدة مرتفعة من المتوقع أن تواصل الزيادة في الفترة المقبلة، بصرف النظر عن مستوى الرفع الدوري لها، وبين الحفاظ على الاقتصاد المحلي في نطاق التباطؤ.
بعض المراقبين الاقتصاديين الأمريكيين يعتقدون فعلا أن الاقتصاد يمر حاليا بفترة من الركود، لكن المؤشرات الحقيقية لا تدل على ذلك. فالسمة الغالبة على هذا الاقتصاد التباطؤ الذي يمكن أن يشهد تراجعا أو تقدما نحو الركود قبل منتصف العام الحالي على الأقل. أي أن الاقتصاد الأمريكي يقف في المنتصف حاليا. ولا يمكن رؤية أي مؤشرات إيجابية بشأن النمو في المرحلة المقبلة، في ظل سياسة التشديد النقدي. وهذه السياسة ليست حكرا (بالمناسبة) على الولايات المتحدة، إنها الأداة الوحيد في أيدي المشرعين الذين يسعون إلى خفض أمواج التضخم العاتية حقا.
ومن هنا، قد يدخل اقتصاد أمريكا دائرة الركود قبل نهاية العام الجاري، وربما استمر في هذه الدائرة حتى منتصف العام المقبل. فالمعركة ستبقى مستمرة بين خفض التضخم وتفادي الركود، وهذه معادلة فيها من المعوقات والعقبات الكثيرة، ليس في الولايات المتحدة، بل في كل الاقتصادات المتقدمة دون استثناء.

إنشرها