هل نحن مقدمون على أزمة مالية جديدة؟ «3 من 3»

إذا تراجعت البنوك المركزية عن رفع أسعار الفائدة، كما تتوقع الأسواق المالية، فستنخفض احتمالات العودة إلى استقرار الأسعار. نتيجة لهذا، ستنشأ في نهاية المطاف الحاجة إلى قدر أعظم كثيرا من إحكام السياسة النقدية لاحتواء التضخم. ألا يبدو هذا مألوفا؟
الواقع أن بنك سيليكون فالي قد يكون عصفور الكناري الذي يشير إلى فساد الهواء في منجم الفحم.
ذهب البنك المركزي الأوروبي إلى حد رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، على أساس نظرية مفادها أن استعراض الوضع الطبيعي سيساعد على استعادة الثقة بالبنوك الأوروبية. بعد بداية بطيئة في دورة رفع أسعار الفائدة، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يعترف بشكل صريح وواضح أن التضخم يمثل مشكلة. وإذا كان يتوقع إعادة تثبيت توقعات التضخم المنخفض بعد ما لحق بحاملي الأسهم من ضرر شديد، فيتعين عليه أن يقنع الأسواق أولا بأنه على استعداد لتحمل بعض الألم الحقيقي لإنجاز المهمة.
لكن من الأهمية بمكان أن يكون من الواضح أن الانتقال إلى حقبة مطولة محتملة من أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة سيكون حتما واحدا من مزيد من الضغوط المالية، خاصة إذا دخلت أوروبا في حالة من الركود. كانت أسعار الفائدة الحقيقية الصفرية الغراء التي أبقت على تماسك منطقة اليورو، وفي غياب مزيد من إصلاحات الحوكمة في أوروبا، ستتسبب نهاية حقبة أسعار الفائدة الحقيقية الصفرية في تكبيد إيطاليا ودولا أخرى قدرا عظيما من الألم. أما عن الولايات المتحدة، فقد نجحت التدابير الضخمة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة في وقف حالة الذعر في الوقت الحالي. لكن من المؤسف أن الأزمات المالية تتطور على نحو دائم تقريبا في هيئة موجات، ومن المرجح أن نشهد مزيدا من هذه الموجات.
شهدت البنوك التي استثمرت بكثافة في الديون طويلة الأجل انحدار قيمة أصولها، مع ارتفاع أسعار الفائدة. أما البنوك الحكيمة -أو تلك التي يراقبها مشرفون دؤوبون- فقد تحوطت ضد هذه المخاطر المتوقعة وعدلت رؤوس أموالها.
تبدو حالة بنك سيليكون فالي شاذة. فقد كانت مؤسسة سيئة الإدارة -تعمل دون كبير مسؤولين عن المخاطر طوال القسم الأعظم من 2022- ولم تتحوط ضد مخاطر أسعار الفائدة. لكن في حين أن انهيار عدد قليل من البنوك المتوسطة الحجم لا يشكل وحده تهديدا للنظام المالي، فإن الأمر المثير للقلق والانزعاج هو أن فشل هذه البنوك قد يؤدي -من خلال المخاطر الجهازية وانتقال العدوى- إلى إحداث تأثير الدومينو. لكن الخطر الجهازي اليوم أقل مما كانت عليه الحال في 2007، ويجب أن تكون البنوك المركزية الآن أفضل في التعامل مع خطر العدوى. في الوقت الراهن، يبدو أن خطر حدوث أزمة مصرفية لا يزال ضئيلا.
يتوقف احتمال حدوث أزمة مالية "أو مجرد نتيجة اقتصادية أسوأ" إلى حد ما على كيفية استجابة صناع السياسات. ربما كانت استجابة الحكومة الأمريكية الصارمة لانهيار بنك سيليكون فالي سببا في زيادة الأمور سوءا على سوء، من خلال الإشارة إلى أن صناع السياسات كانوا أشد قلقا مما توحي به الحقائق السطحية. ربما يكون هذا هو ما استفز الهروب الفوري إلى الأصول الآمنة، وإن كان هذا الخطر يبدو الآن تحت السيطرة.
كانت قاعدة المودعين المتقلبة، المتجانسة، وغير المؤمن عليها بالكامل تقريبا في بنك سيليكون فالي -التي تضم شركات الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري- سببا في زيادة احتمالية الانسحاب المنسق. وضعت شركة خدمات البث المباشر Roku وحدها ما يقرب من نصف مليار دولار في ودائع غير مؤمن عليها. من غير العادي على الإطلاق أن الشركة لم تتنبه قط إلى ضعف سيطرة البنك على المخاطر ولم تقلق بشأن تركيبة المودعين لديها. الحق أن السماح بتكبد شركة Roku وغيرها من المودعين العواقب المترتبة على هذا الفشل ربما كان ليفضي إلى مراقبة أفضل للبنوك ومنع الشركات التي تنتمي إلى صناعة واحدة من التكتل في مؤسسة واحدة. ولعل السماح بتحميل بنوك أخرى فاتورة الفشل هو الذي يجعل اندلاع أزمات أخرى أكثر احتمالا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي