Author

السعودية ودور رأس المال الثابت

|

مذهل ما نراه من نمو في حجم الاقتصاد السعودي، الذي تجاوز تريليون دولار بالأسعار الجارية لأول مرة، محققا أعلى نمو من بين جميع دول مجموعة العشرين لعام 2022 بنسبة نمو للناتج الحقيقي بلغت 8.7 في المائة، مصحوبا بمعدلات نمو إيجابية في شتى الأنشطة الاقتصادية.
نقطتان مهمتان يمكن استخلاصهما من بيانات الناتج المحلي الإجمالي لهما دلائل مهمة، الأولى أن نسبة مشاركة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي تعد كبيرة، حيث إنها تقارب 60 في المائة، ومعظم هذه النسبة آتية من القطاع الخاص وليس الحكومي. أي إن نحو 1.2 تريليون ريال من الناتج غير النفطي البالغ 1.7 تريليون ريال، هي من نصيب القطاع الخاص، أو إنها ناتجة من نشاط القطاع الخاص، بينما مساهمة الجانب الحكومي في ذلك فقط 472 مليار ريال. النقطة الأخرى لا تقل أهمية عن قوة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي وهي متعلقة بمؤشر خاص بالاقتصاد الكلي بالغ الأهمية، ألا وهو حجم تكوين رأس المال الثابت، البالغ 800 مليار ريال في 2022 بالأسعار الحقيقية، مشكلا بذلك نحو 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أهمية تكوين رأس المال الثابت تكمن في كونه يعد مؤشرا مهما لحجم الاستثمار في البنى التحتية والأصول الإنتاجية للدولة، ويقيس حجم هذه الاستثمارات بالنسبة إلى حجم الاقتصاد ككل، لذا فهو ينظر إلى حجم الاقتصاد من زاوية الاستثمار في الأصول المنتجة وليس من زاوية الاستهلاك. ويؤخذ مؤشر تكوين رأس المال الثابت كمؤشر على الحراك الاقتصادي في البلاد وعلى النظرة المستقبلية للاقتصاد ومدى الثقة به، لذا يحدث غالبا هناك تراجع في حجم هذه الاستثمارات في حال ظهور بوادر ركود اقتصادي، ويرتفع الاستثمار فيها عندما تكون البوادر الاقتصادية مشجعة والتوقعات إيجابية تجاه النمو الاقتصادي للأعوام القليلة المقبلة. كمتوسط عالمي تبلغ نسبة تكوين رأس المال الثابت نحو 25 في المائة من حجم الاقتصاد، إلا أن هذه النسبة تختلف من دولة إلى أخرى، بحسب حجم الاستثمارات الموجهة نحو الأصول الثابتة في البلاد، ومدى اكتمال البنى التحتية وحداثتها، وإذا ما كانت هناك استثمارات جديدة في تطوير البنى التحتية وصيانتها.
وبينما المعدل العالمي نحو 25 في المائة، إلا أننا نجده أقل من ذلك في دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأمريكا، حيث يراوح بين 20 و22 في المائة، بينما ينخفض في دول عجوزة كالمملكة المتحدة إلى نسبة 17 في المائة من حجم الاقتصاد، وبالمثل نجد مستوياته منخفضة في عدد من الدول العربية، منها مثلا مصر عند أقل من 15 في المائة، والإمارات بين 18 إلى 20 في المائة. وفي المقابل هناك دول لديها حاجة إلى تنمية استثماراتها في الأصول الثابتة لتحسين أوضاعها الداخلية ورفع مستويات الإنتاج لديها والمنافسة على الصعيد العالمي، مثل تركيا والهند اللتين تقارب نسبة تكوين رأس المال الثابت لديهما 30 في المائة. بينما تتصدر الصين نسبة حجم الإنفاق في هذا الجانب على جميع الدول باستثمار أكثر من 40 في المائة من حجم اقتصادها في تنمية أصولها الإنتاجية. الأمر الإيجابي فيما يخص تكوين رأس المال الثابت في المملكة أن 87 في المائة من تكوين رأس المال الثابت البالغ 800 مليار ريال مصدرها القطاع الخاص، وليس القطاع الحكومي كما قد يظن البعض.
من المهم الإشارة إلى أن ما يصرف على تكوين رأس المال الثابت يعد استثمارا في مستقبل البلاد، إلا أنه لا يشمل الاستثمار في الأصول المالية ولا الأراضي، بل فقط يشمل الاستثمار في الأصول الإنتاجية، تلك المستخدمة في الإنتاج وليس المنتجات النهائية الجاهزة للاستهلاك. كذلك لا تدخل في حساب هذا البند إلا الأصول الإنتاجية المقدر عمرها بأكثر من عام، وذلك لتجنب احتساب أي أصول استهلاكية تنتهي صلاحيتها خلال فترة قصيرة. وأخيرا، ما يتم قياسه هنا ليس الحجم التراكمي للاستثمارات، بل فقط الزيادة فيما يتم صرفه على تلك الأصول الداخلة في حساب رأس المال الثابت خلال الفترة المعنية.

إنشرها