FINANCIAL TIMES

بنوك مصممة لتفشل .. «سيليكون فالي» مثال

بنوك مصممة لتفشل .. «سيليكون فالي» مثال

البنوك تفشل. وعندما يحدث ذلك، يصرخ الخاسرون مطالبين الدولة بإنقاذهم. وإذا كانت الأصول المهددة كبيرة بما فيه الكفاية، فستنجح في الحصول على المساعدة. هذه هي الطريقة التي أنشأنا بها، عبر أزمة تلو أخرى، قطاعا مصرفيا خاصا من الناحية النظرية، لكنه عمليا تحت وصاية الدولة. وبدورها تحاول هذه الأخيرة كبح رغبة المساهمين والإدارة في استغلال شبكات الأمان التي تتمتع بها. والنتيجة وضع نظام أساسي لعمل اقتصاد السوق، لكنه لا يعمل وفقا لقواعد السوق. إنها فوضى.
المال شيء يجب أن يمتلكه المرء إذا كان يريد شراء الأشياء التي يحتاج إليها. هذا صحيح بالنسبة إلى الأسر والشركات التي تحتاج إلى الدفع للموردين والعاملين. ولهذا السبب يكون فشل البنوك مصيبة. لكن البنوك غير مصممة لتكون آمنة. ففي حين من المفترض أن تكون التزامات ودائعها آمنة وسائلة تماما، فإن أصولها تخضع لمخاطر الاستحقاق، والائتمان، وأسعار الفائدة، والسيولة. إنها مؤسسات تنجح فقط عندما تكون الأوضاع الاقتصادية جيدة. وفي الأوقات العصيبة، تفشل، ويهرع المودعون إلى الباب.
عبر الزمن، ظلت مؤسسات الدولة تستجيب لعجز البنوك عن توفير الأموال الآمنة التي يتوقعها المودعون. في القرن الـ19، أصبحت البنوك المركزية مقرضة الملاذ الأخير، ولو بسعر فائدة إضافي. وفي أوائل العشرينيات، ضمنت الحكومات الودائع الصغيرة. ثم في الأزمة المالية في 2007 - 2009، وضعت فعليا ميزانياتها العمومية بالكامل وراء البنوك. أصبح النظام المصرفي ككل، وبشكل لا لبس فيه، جزءا من الدولة. في المقابل، تم رفع متطلبات رأس المال، وتشديد قواعد السيولة، وإدخال اختبارات الجهد.
يظهر فشل بنك وادي السيليكون أن هناك ثغرات في السد التنظيمي الأمريكي. وهذا ليس من قبيل الصدفة. بل هو ما دعا إليه أعضاء جماعات الضغط بصوت عال: تخلصوا من اللوائح التنظيمية المرهقة، وسنحقق معجزات في النمو. في حالة هذا البنك، فإن ما يبرز هو اعتماده على الودائع غير المؤمنة ورهانه على السندات طويلة الأجل التي يفترض أنها آمنة. في نهاية 2022، كان لديه 151.6 مليار دولار من الودائع المحلية غير المؤمنة مقابل نحو 20 مليار دولار من الودائع المؤمنة. ومع ارتفاع أسعار الفائدة تكبد خسائر كبيرة غير محققة في محفظة السندات التي يملكها. في ظل هذين الأمرين معا أصبح من المحتمل أن تقوم مجموعة كبيرة من المودعين بسحب أموالها: تتخلى الفئران دائما عن السفن المالية الغارقة.
أولئك الذين يفشلون في الهروب في الوقت المناسب سيصرخون طالبين الإنقاذ. قد يكون من الممتع أن أولئك الذين يصرخون من أجل الإنقاذ هذه المرة هم التحرريون في وادي السيليكون. لكن قلة من الناس يصبحون رأسماليين عندما يتعرضون للتهديد بخسارة الأموال التي اعتبروها آمنة، وليس هناك من هو أفضل من الرأسمالي في شرح مدى أهمية ثروتهم في صحة الاقتصاد. تم إنقاذ المودعين غير المؤمنين على النحو الواجب في بنك وادي السيليكون وأماكن أخرى. وهذا يزيل مصدرا آخر من مصادر انضباط البنوك.
لكن كان بنك وادي السيليكون يحتل المرتبة الـ16 فقط بين البنوك الأكبر في الولايات المتحدة. ولهذا السبب، في النهاية، تم استبعاده من الشبكة التنظيمية المطبقة على البنوك الأكثر أهمية للنظام المصرفي. لقد كان ببساطة غير مهم وهو على قيد الحياة، لكنه أصبح مهما للنظام المصرفي عند مماته. عرض الاحتياطي الفيدرالي الإقراض بالقيمة الاسمية للبنوك التي تحتاج إلى السيولة. تعتبر هذه "قصات شعر" (تخفيض يطبق على قيمة الأصول) سلبية –أطلق عليها اسم "زرع الشعر" –للبنوك التي تحتاج إلى قروض طارئة. علاوة على ذلك، أكد الرئيس جو بايدن أننا "سنفعل كل ما هو مطلوب". حقا، هذه المرة لم يتم إنقاذ المساهمين وحملة السندات. فضلا عن ذلك، من المفترض أن تتحمل الصناعة المصرفية الخسائر ككل. لكن الخسائر اشتراكية "تتحملها الحكومة ودافعو الضرائب" جزئيا مرة أخرى. هل هناك من يشك في أن الاشتراكية ستصبح أعمق إذا استمرت الأزمة أيضا؟
بطبيعة الحال، يتساءل الناس عما تعنيه هذه الصدمة الجديدة. يعتقد بعض المحللين أن الاحتياطي الفيدرالي لن يشدد السياسة النقدية هذا الشهر. الواضح هو أن هناك كثيرا من عدم اليقين، الذي يمكن أن يبرر التأخير في مزيد من التشديد. لكن خفض التضخم لا يزال ضروريا: ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي 6 في المائة على أساس سنوي في شباط (فبراير).
لكن في الوقت الحالي، المشكلة الكبرى ليست ما يحدث للاقتصاد، بل ما يحدث للتمويل. إحدى الإيجابيات هي أنه من الجيد أن يعود الخوف إلى النظام المالي، القلق الناجم عن الصدمات الصغيرة يجعل الأزمات الكبيرة أقل احتمالا إلى حد ما. هناك أيضا دروس إضافية: تظل البنوك عرضة لعمليات السحب الكبرى كما كانت دائما. وشئنا أم أبينا، لن يتم القضاء على المودعين غير المؤمن عليهم إذا فشلت البنوك. الثقة بأن الودائع آمنة ببساطة مهمة للغاية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
إذن، كيف يمكن أن ينعكس هذا الدليل الجديد على مدى دعم الدولة للبنوك ـحتى في الأوقات العادية نسبياـ في السياسة؟ إحدى الإجابات البسيطة هي أن تنظيم البنوك ذات الأهمية النظامية يجب أن يمتد عبر النظام. إجابة أخرى هي أن الودائع يجب أن توضع فوق كل الديون الأخرى في حالة الإعسار، لتعكس أهميتها الاجتماعية والاقتصادية. إجابة ثالثة هي أن الميزانيات العمومية ينبغي أن تعكس دائما واقع السوق. أخيرا، يجب تعديل متطلبات رأس المال وفقا لذلك. إذا انخفض رأس مال البنوك بشكل كبير للغاية، عند تقييم السوق، تتعين زيادته دون إبطاء.
الدرس الأساسي الذي يجب أن نتعلمه، من جديد، هو أنه حتى في حالة الأزمات المتواضعة لا يمكن التضحية بالودائع، وأن القواعد الخاصة بتخفيض قيمة الأصول لتوفير السيولة ستخرج من النافذة. البنوك حراس الدولة جزئيا لأنها في قلب نظام الائتمان، لكن بشكل أكبر لأن التزامات الودائع لها أهمية سياسية كبيرة. المزاوجة بين الأصول الخطرة وغير السائلة في كثير من الأحيان، وبين المطلوبات التي يجب أن تكون آمنة وسائلة داخل المؤسسات التي تفتقر إلى رأس المال وتسعى إلى الربح وتدفع المكافآت، والتي تنظمها القطاعات العامة الخاضعة سياسيا وغير الكفؤة في كثير من الأحيان، كارثة تنتظر الحدوث.
البنوك بحاجة إلى تغيير جذري. سأناقش الأسبوع المقبل كيفية تحقيق هذا التغيير.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES