FINANCIAL TIMES

حروب محركات البحث مختلفة هذه المرة

حروب محركات البحث مختلفة هذه المرة

لن تكون حروب البحث الجديدة على الإنترنت التي اندلعت أخيرا بين جوجل ومايكروسوفت كأي شيء من الماضي. فأساس المنافسة يتغير الآن، ليس فقط لأن مايكروسوفت لديها تكنولوجيا جديدة تحت تصرفها تتمثل في الذكاء الاصطناعي القادر على تطويع اللغة، الذي تقف وراءه "أوبن إيه آي".
لقد فازت جوجل بحروب البحث الأخيرة لسبب بسيط للغاية: لم يتمكن المنافسون -بما في ذلك محرك بينج من مايكروسوفت- من ابتكار أي شيء جديد أو مميز بما يكفي لمواجهة مزايا العلامة التجارية والتوزيع القوية الخاصة بشركة جوجل. وحتى الذكاء الاصطناعي القائم على الدردشة، الذي يقف وراء أحدث رفع درجة محرك بينج، ربما لا يكسر هذا النمط. لقد فوجئت شركة جوجل بشكل محرج، لكن من المفترض أن تتمكن من مجاراة مايكروسوفت في غضون أسابيع. إذا كانت هذه إعادة لحروب البحث القديمة، فستفوز جوجل.
لكن هذه المرة، تمتلك مايكروسوفت أربعة أسلحة رئيسة تحت تصرفها تجعل النتيجة أكثر غموضا.
الأول اقتصادي. ارتفاع تكلفة "قراءة" صفحات الويب باستخدام معالجة لغات البرمجة التقليدية يجعل محركات البحث التي تقدم إجابات نصية كاملة باهظة الثمن. ففي حديث إلى "فاينانشيال تايمز" أخيرا، أوضح ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، أنه مستعد لتخفيض أرباح الإعلانات على محرك البحث، ما يعني تدمير الركيزة الأساسية لأعمال جوجل.
سلاح مايكروسوفت الثاني مألوف: انتشارها في كل مكان على أجهزة الكمبيوتر. تم تصوير المعركة أخيرا على أنها إعادة للمنافسة طويلة الأمد -ومن جانب واحد- بين جوجل وبينج. لكن من المرجح أن تكون الميزة الحقيقية لمايكروسوفت هي متصفح الإنترنت، إدج، الذي نال استحسانا في الأوساط التكنولوجية. فقد عرض هذا أخيرا تكنولوجيات إنشاء النصوص والبحث الجديدة المضمنة في المتصفح. تخيل أن تضغط على زر وأن يقوم "إدج" باختصار الوثيقة الطويلة على شاشتك إلى خمس نقاط على الفور.
في حديثه إلى "فاينانشيال تايمز"، قال ناديلا "إنه سيستهدف مستخدمي ويندوز أولا في المعركة مع جوجل. يمتلك "إدج" 11 في المائة من سوق متصفحات أجهزة المكتب، حصة صغيرة، لكنها بالتأكيد أفضل من حصة "بنج" البالغة 3 في المائة في أعمال البحث على الإنترنت، كما أنها تمثل نقطة انطلاق في حياة ملايين من العاملين، المهمة للغاية، في مجال المعلومات الذين تمثل مايكروسوفت شيئا أساسيا لهم.
سلاح مايكروسوفت الثالث هو السبق الذي تمكنت من الحصول عليه باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. أدى إطلاق "تشات جي بي تي"، من "أوبن إيه آي"، في أواخر العام الماضي إلى جذب اهتمام الجمهور بهذه التكنولوجيا. في الواقع، رغم ذلك، كانت بداية هذا السباق منذ أكثر من ثلاثة أعوام، عندما استحوذت مايكروسوفت على أول حصة لها بقيمة مليار دولار في شركة أوبن إيه آي. كان ذلك عندما بدأت العمل في البنية التحتية للحوسبة لدعم نماذج اللغة الكبيرة التي تتطلبها "أوبن إيه آي" وابتكار طرق لتضمين التكنولوجيا في خدماتها.
من ناحيتها، تتمتع جوجل بخبرة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن ميزة مايكروسوفت التنافسية في تطبيق أحدث أنظمة اللغات الكبيرة قد منحتها على الأقل فرصة لإنشاء معيار من حيث الجودة والتكلفة.
سلاح مايكروسوفت الرابع هو أنها راسخة بعمق مع عديد من العملاء من الشركات. فإلى جانب تصفح الويب لفهرسة صفحاته، يعني هذا أنه يمكنه الاعتماد على بيانات عملائه للعمل باستخدام نماذج اللغات الكبيرة، وتخصيص المخرجات للشركات كل على حدة. ويعني وجود مايكروسوفت على نطاق أوسع في برامج الشركات أيضا أن بإمكانها تضمين الذكاء الاصطناعي التوليدي في تطبيقات أخرى: في النهاية، بغض النظر عن التطبيق الذي تعمل به، يمكن للبرنامج البدء في استخلاص معلومات مفيدة وتقديم اقتراحات حول ما ينبغي لك فعله بعد ذلك.
يؤكد هذا على نقطة مهمة حول حروب البحث الجديدة على الإنترنت: مصممة لتغيير المفاهيم حول البحث على الإنترنت. وسيأتي النجاح بشكل متزايد من مساعدة الأشخاص في العثور على المعلومات وتطبيقها بأكثر الطرق فعالية، مهما كان ما يفعلونه.
الطبع يغلب التطبع. سيظل كثير من الناس يلجأون إلى خانة البحث لأعوام مقبلة. لكن نظرا إلى تسلل طرق جديدة وأكثر ملاءمة للعثور على المعلومات، فمن المرجح أن تصبح هذه الزيارات أقل تواترا.
هذا هو أحد الأسباب التي دفعت ناديلا وغيره من المسؤولين التنفيذيين في مايكروسوفت إلى إعادة صياغة أعمال البحث على الإنترنت أخيرا. فقد وصفوها بأنها أكبر سوق برمجيات في العالم، أعمال تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليار دولار سنويا بالكاد تكون مايكروسوفت لاعبا فيها، ومع ذلك فهي أساسية في حياة مستخدميها.
لن يكون من السهل فك قبضة جوجل على البحث على الإنترنت. لكن الهزة التي تعرض لها سعر سهمها أخيرا تشير إلى أن الإمكانات الثورية للذكاء الاصطناعي التوليدي بدأت تغرز جذورها في وول ستريت. وما من شركة -بما فيها مايكروسوفت، في حال فشلت في تسخير التكنولوجيا لمصلحتها- آمنة حقا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES