توظيف الأحداث لصنع الصورة النمطية

تزامن مع الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية وخلف وراءه كثيرا من المآسي والدمار الكارثي، كثير من الأحداث الأخرى التي وقعت داخل المنطقة وخارجها، منها ما تم ربطه بالزلزال، ومنها ما ليست له علاقة به. ومما تم ربطه بالزلزال المذنب الأخضر الذي مر بتركيا قبل الزلزال بأسبوع، وكذلك السحابة التي رصدت مع سطوع الشمس في ذلك اليوم، كما زعم ربط الزلزال بالسفينة الأمريكية الواقفة قبالة السواحل التركية، لتشكل هذه الجزئيات عناصر يستدل بها على إمكانية أن يكون بفعل الإنسان الذي حفز الصفائح للتحرك بتوجيه قوة تساعد على حدوث الزلزال. ويربط متبنو فكرة التدخل البشري بما يعرف بسلاح هارب الموجود مركزه في ولاية ألاسكا الأمريكية، ومع النفي لنظرية المؤامرة من طرف إلا أن هناك من يتبناها بفعل ما يعده شواهد عليها.
خلال الأيام الأولى من الزلزال اخترق الولايات المتحدة منطاد، وكذلك كندا، وتم إسقاطهما من قبل الدولتين، أما جواتيمالا فذكرت أنه حلق في أجوائها جسم لم تتأكد من طبيعته. أما الصين فذكرت أن منطادا اخترق أجواءها، وتم تدميره بعد مطاردته، هذه الأحداث أقام الإعلام عليها ومن أجلها الدنيا، ولم يقعدها، حيث تمت استضافة العلماء والمتخصصين بهدف سماع رأيهم حول الموضوع، وتراوحت التفسيرات بين أجسام فضائية مجهولة المصدر، وبين كائنات من عوالم خارج الأرض، وبين منتجات مصنعة أطلقت من دول باتجاه دول أخرى.
الزلزال، وما ارتبط به من ظواهر تم ذكرها أو تعليقات وتفسيرات ذكرت بشأنها، وكذلك المناطيد مع ما ذكره الإعلاميون والمتخصصون، أعتقد أنها كلها لا تخرج عن إطار الصراع الدولي بين الدول الساعية إلى استمرار الهيمنة على العالم، وأخص بالذكر أمريكا التي تخشى فقدان هيمنتها، وما تحققه من مكاسب اقتصادية وسياسية ومعنوية، خاصة مع وجود مؤشرات تاريخية بشأن شيخوخة الأمم وسقوطها، ومؤشرات واقعية نتيجة التراجع الاقتصادي المنهك، نتيجة الحروب والتدخل النشاز في شؤون الآخرين، ما ترتب عليه مديونية تصل إلى عشرات التريليونات. أما المؤشرات الاجتماعية فتتمثل في فقر كثير من الأمريكيين، وزيادة أعداد المشردين في المدن الأمريكية، وسكنهم في الشوارع والحدائق، وضعف الخدمات الطبية لشرائح اجتماعية كبيرة، إضافة إلى ضعف العلاقات الأسرية نتيجة ثقافة التجرد من أعراف وقيم الأسرة التقليدية.
أما الطرف الآخر في الصراع، فيتمثل في الصين "العملاق المقبل" بمنتجاتها المدنية والعسكرية، واقتصادها المزدهر، وسياستها القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والسعي إلى بناء علاقات قائمة على المصالح المتبادلة بينها وبين دول العالم، دون سعي إلى فرض ثقافتها ومبادئها الاشتراكية وسياساتها، لترسم بذلك صورة مغايرة لما عهدته المجتمعات الأخرى خلال العقود الماضية من تدخل ومماحكات غربية وأمريكية في شؤونها الخاصة.
أصنف بعض من تحدث بشأن الزلزال، وإمكانية التدخل البشري، وربط ذلك بسلاح هارب، وحماس البعض لهذا التفسير، بمحاولة إعادة تأكيد صورة التفوق الأمريكي وقدرته على توظيف المعرفة والتقنية لتحقيق المكاسب وخدمة الأهداف الجيوسياسية، وفق نظرية الفوضى الخلاقة التي أطلقتها كونداليزا رايس، في عهد الرئيس بوش الابن لإعادة تنظيم العالم، وبالأخص الشرق الأوسط الجديد. أما البعض الآخر فربما أن المعرفة المتوافرة لديهم بشأن الزلازل تشجعهم على تبني الرأي من منطلق علمي، وليس خدمة لأهداف سياسية.
حرب المناطيد لعبة استخباراتية ونفسية وسياسية واضحة كل طرف يعمد لإظهار قدرته على اختراق الآخر، وتجاوز أجهزة رصده، ويلاحظ أن ثلاث جهات أمريكية تناولت حدث المنطاد، وهي: وزارة الدفاع "البنتاجون"، والبيت الأبيض، والوكالات الاستخباراتية، وكل منها أعطى تصريحا لتمثل مجتمعة ما أسميه مبدأ التناقض والغموض المتكامل، الذي عادة ما تنتهجه أمريكا لإشغال الآخرين تحليلا وتوجسا، وجعلهم في حالة غموض تربكهم، وتجسد في أذهانهم صورة التفوق، والسوبرمان الذي يتحكم في شؤون العالم، إلا أن هذا المبدأ بدأ يفقد تأثيره بفعل انتشار العلم في جميع المجتمعات، وعدم احتكار التقنية من قبل طرف واحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي