FINANCIAL TIMES

سياسة عدم التجريب .. خطر كبير يواجه عالم الأعمال

سياسة عدم التجريب .. خطر كبير يواجه عالم الأعمال

"تراث الطيران" هو الوصف الذي تحبه صناعة الفضاء التجارية لسجل النجاحات التي أسست لها عبر سلسلة من المهمات للأقمار الاصطناعية أو نظام الإطلاق الخاص بها.
ظهر هذا الوصف الأسبوع الماضي في التحليلات بعد فشل شركة فيرجن أوربت في إطلاق أول قمر اصطناعي تجاري من أوروبا الغربية. قالت أليس بون، رئيسة هيئة التجارة البريطانية يو كيه سبايس: "الفضاء مجال صعب"، وذلك بعد أن تسبب "خلل" أصاب صاروخ لونشر وان وحمولته باهظة التكلفة بنهاية مدمرة قبل أن يصل إلى مداره المحدد.
ما أكدته هذه الوصمة على تراث شركة فيرجن أوربت هو التوتر التجاري الحتمي بين التجريب وإمكانية التنبؤ. حيث تسير المشاريع الفضائية الرائدة في دورة مستمرة بين "اكتشاف ما جرى وبين النهوض والمحاولة مرة أخرى"، على حد تعبير بون. فالتجربة والخطأ هي الطريقة التي تتقدم بها، لكن الشركات الأرضية ليست مختلفة عن ذلك كلية. في كلتا الحالتين، يفضل العملاء ألا يكونوا موجودين على متن المركبة عندما يقع "الخطأ". كما يكمن التحدي في الوصول إلى نتائج واضحة حول التجربة.
أما على الأرض، فقد أفضت الجائحة إلى خوض تجارب بصورة قسرية في كثير من الشركات التي حددت مسبقا كيف وأين ومتى نعمل في الوضع الراهن أنها كانت غير قابلة للتغيير. أما الآن فعليهم أن يقرروا متى يجب للتغييرات الحاصلة في ممارسات العمل أن يتم توظيفها في إطار عمل أكثر قابلية للتنبؤ. حتى المنتدى الاقتصادي العالمي اضطر إلى تجربة عقد القمة في صيف 2022، قبل أن يعود إلى العمل بالجدول الزمني المعتاد في كانون الثاني (يناير). من الأسئلة المطروحة هو ما إذا كان قادة الشركات سيعودون إلى جبال الألب هذا الأسبوع أكثر انفتاحا على الحاجة إلى التجربة، أم أنهم أكثر حرصا من أي وقت مضى للعودة إلى ممارسات العمل المضمونة لفترة ما قبل كوفيد.
يقول كوستاس أندريوبولوس، أستاذ الابتكار وريادة الأعمال في كلية بايز للأعمال، "إن عدم التجريب يعد مخاطرة كبيرة". يعتقد أن الفرق التي تتميز بالفضول والمنفتحة التي تقبل الفشل كانت استجابتها أفضل لعمليات الإغلاق المفاجئة في 2020. قال، "إذا لم تخض التجارب لفترة طويلة، فأنت تراهن بكل شيء وأنك حينها إما ستفوز بكل شيء وإما ستخسره".
هذه وجهة نظر يشترك فيها فيل ليبين، وهو المؤسس المشارك لتطبيق إيفرنوت على الهواتف المحمولة، الذي يدير الآن أول تيرتلز، وهو استوديو لابتكار المنتجات يتبنى عمل الموظفين من أي موقع. حيث طبقت الشركة للتو هيكلا موسميا، يلتزم فيه الموظفون بالعمل في الشركة لمدة ستة أشهر، تليها عطلة لمدة أسبوعين يأخذها الجميع في الوقت نفسه. يعترف ليبين صراحة أنها تجربة فقط، "من المؤكد أنه خلال موسم أو موسمين سنقول، بعض هذه الترتيبات لا معنى لها، لذا يجب علينا تغييرها".
وتتمتع شركة أول تيرتلز بمرونة استخدام نفسها كمختبر أكثر من غيرها من الشركات. حيث يقول ليبين، "بمجرد أن نصبح شركة كبيرة، فإن القدرة على التنبؤ بالتنفيذ ستكافئها الأسواق أكثر بكثير وسيتعين علينا إجراء تجارب أقل".
لكن يمكن للمجموعات الأكبر حجما أيضا أن تجرب أفكارا جديدة، دون المراهنة بكل شيء. إذ تمكنت شركة يونيليفر من اختبار تحول جذري في العمل الأسبوعي لأربعة أيام في تجربة مدتها 18 شهرا في نيوزيلندا، قبل أن تقوم بطرحها على بعض الموظفين في أستراليا العام الماضي.
أما إيلون ماسك، الذي يعرف أكثر من غيره من خلال قيادته شركة سبايس إكس، مدى صعوبة الفضاء، فقام بوضع الاختبارات في الوقت الفعلي علنا على منصة تويتر. حيث كان الجدل مشتعلا بين من يريد منه أن يترك الخصائص المألوفة التي يمكن التنبؤ بها لمنصة وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لديهم دون تغيير وبين الذين يهتفون لحالة الثورة المستمرة.
من الواضح أن تكلفة ومخاطر النهج "التجريبي الدائم" أقل بالنسبة إلى شركة رقمية، التي يمكنها تغيير تجربة العميل بلمسة زر واحدة، أو تجربة خيارات متعددة في الوقت نفسه. مع ذلك، فإن التجريب هو طريقة تفكير لا يقيدها حجم الشركة أو عمرها أو القطاع الذي تعمل فيه. وبغض النظر عن رأيهم في ماسك كرئيس تنفيذي، يمكن للشركات الأخرى أن تتعلم من جهود التجريب التي بذلها ماسك في إشراك مستخدميه في تجاربه.
في الإصدار الأخير من مجلة "هارفارد بيزنيس ريفيو"، كتبت ريتا ماجراث ورام تشاران عن كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تمنح المديرين وفرقهم حرية التجربة فيما يسمى بـ"الشركات التي لا تطلب الحصول على موافقة"، التي تتميز بتسلسل هرمي أكثر انبساطا، واتخاذ القرارات السريعة، وتربطها علاقات أفضل مع العملاء. وهم يستشهدون بشركة أمازون للبيع بالتجزئة، وشركة كون لصنع المصاعد، وفيديليتي لإدارة الصناديق كشركات غيرت وتيرة وطبيعة العمل الذي تقوم به مستخدمة التكنولوجيا. كتبت المجلة، "في الشركات التي لا تتطلب الإذن، يحل التجريب السريع وغير المكلف محل التحليل البطيء المتضمن، وهذا ما يمكن الشركات من الانقضاض على الفرص فور ظهورها".
لكن هناك عقبات تواجهها إدارة الشركات التي تتبنى الأساس التجريبي بشكل دائم. يقول أندريوبولوس إن المديرين أحيانا "يختبئون وراء القيام بتجارب كثيرة، لأنهم لا يريدون المضي قدما في اتخاذ القرار". في نهاية المطاف، ستأخذ شركة فيرجن أوربت وشركاؤها فرصة أخرى لإعادة ترسيخ تراث رحلاتهم نحو الفضاء. لكن يجب عليهم ألا يتوقفوا عن التجريب. فكما يقول ليبين، إن البديل سيكون "أن تصاب بالشلل لعدم معرفتك ما قد يسير على نحو خاطئ".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES