FINANCIAL TIMES

برمجية جديدة تخرج الامتحانات من العصور المظلمة

برمجية جديدة تخرج الامتحانات من العصور المظلمة

بعد إطلاق برمجية شات جي بي تي، روبوت يكتب إجابات معقولة حتى شعرا مقفى، غرد إيلون ماسك: "وداعا للواجب المنزلي". هذا النوع من الذكاء الاصطناعي التوليدي يثير الخوف، والبغضاء، والرهبة على قدم المساواة. لكن عالم التعليم هو الأكثر فزعا.
منذ أن أطلقت شركة أوبن أيه آي نموذج التوليد اللغوي شات جي بي تي قبل عيد الميلاد، حظرت مدارس نيويورك العامة على التلاميذ استخدامه. وفي أستراليا، تخطط الجامعات للعودة إلى الاختبارات الورقية الخاضعة للإشراف لتجنب الإجابات المزورة من روبوتات الدردشة. يتملك المعلمون قلقا حقيقيا من أنهم لن يكونوا قادرين على مساعدة التلاميذ المتخلفين إذا لم يتمكنوا من اكتشاف الواجبات المنزلية المزيفة. لكن أحد الأسباب التي تجعل هذه الروبوتات تشكل مثل هذا التهديد هو أن جزءا كبيرا من تعليمنا لا يزال يركز على القدرة على تقيؤ المعلومات بشكل أنيق.
في الأعوام الـ20 الماضية، أحدثت محركات البحث ثورة في وصولنا إلى المعرفة، وحول علم الأعصاب فهمنا لكيفية تعلم الناس المختلفين. لكن الطريقة التي ندرس ونختبر بها لم تتغير كثيرا. أطفالي يجلسون للامتحانات الوطنية التي أشعر أنها تشبه بشكل رهيب الامتحانات التي كنت أجلس لها في المدرسة. فهي لا تزال تتطلب كثيرا من الحفظ، لكنها تأتي مع رعب جديد يتمثل في "برامج العلامات"، التي يجب تعلمها أيضا لتسجيل النقاط عن طريق ترديد "الكلمات الرئيسة" الصحيحة كالببغاء.
الجلوس لاختبارات المستوى "أ" في علم الأحياء، أو مادة التاريخ في شهادة الثانوية العامة، يعني رؤية موضوع رائع يتقلص إلى حد كبير إلى دروس مملة عن الأسماء، والتواريخ، والصيغ. وصف المعلمين لهذا النظام بـ"إدخال المعلومات وقتل الإبداع" لا يأتي من فراغ. علما الأحياء والتاريخ من الموضوعات التي يقوم آباء الأطفال الذين يعانون عسر القراءة بتوجيههم بعيدا عنها، خوفا من أنهم سيكافحون لتذكر الحجم الهائل من الحقائق بغض النظر عن مدى استيعابهم للمفاهيم. فقط عندما تبين أن أحد أطفالي يعاني عسر القراءة أدركت إلى أي مدى أصبح نظامنا ضيقا. لا يزال التعلم عن طريق الحفظ يحتفظ بمكانته ـ في جداول الضرب واللغات، مثلا.
إذا كان كل ما يطلب منا القيام به سلسلة قوائم من الحقائق الموضوعة معا في مقال، فالأجدر أن يتم استبدالنا ببرمجيات الدردشة الآلية. هذا ليس حد قدراتنا البشرية، وليس ما يريده أصحاب العمل أيضا. في دافوس هذا الأسبوع، حيث بلغ الاشتراك في لجان الذكاء الاصطناعي التوليدي منتهاه، كان الرؤساء التنفيذيون يتحدثون عن حاصل التعلم باعتباره الذكاء الجديد. يعد حاصل التعلم في الأساس مقياسا لمدى القدرة على التكيف، ورغبتنا وقدرتنا على تحديث مهاراتنا طوال الحياة. كان أصحاب العمل يقولون لأ‘وام إنهم يثمنون التعاون والفضول. إنه عالم بعيد عن حشو الحقائق بجنون ليتم نسيانها سريعا بمجرد انتهاء الاختبار. بصراحة، لهذا تأثير مثبط جدا على متعة التعلم.
السرعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي التوليدي تجعلنا على حق في توخي الحذر لأسباب ليس أقلها أنه يمكن أن يولد معلومات مضللة. فعلى عكس الآلة الحاسبة، التي تقدم دائما الإجابة نفسها، نماذج اللغة الكبيرة مثل برمجية شات جي بي تي هي تكنولوجيات احتمالية يمكن أن تقدم إجابات مختلفة للسؤال نفسه في أوقات مختلفة. لكن هذا يجعل تعليم الأطفال كيفية استخدامها أمرا أكثر أهمية. بدلا من حظر برمجية شات جي بي تي، ينبغي للمعلمين أن يطلبوا من التلاميذ تكليفها بمهمة وأن ينقدوا إجابتها.
يعتقد عشاق الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه يمكن أن يكون مكملا للبشر، وليس بديلا عنهم. لتحقيق ذلك، يجب علينا المواكبة. من المثير للاهتمام أن سنغافورة، التي تصدرت مدارسها تصنيفات بيزا الدولية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعمل على إصلاح نظامها التعليمي "لإثارة الشغف بالتعلم المستمر" وتعزيز "عقلية التعلم مدى الحياة". لذلك يطلب من معلميها التركيز بشكل أكبر على التفكير النقدي وبدرجة أقل على التعلم عبر الحفظ. كما تعمل الجامعات على توسيع معايير القبول الخاصة بها لتشمل الكفاءة وليس درجات الامتحانات فحسب. علاوة على ذلك، تتضمن قائمة الحكومة السنغافورية للنتائج المرجوة على المستويين الابتدائي والثانوي "النزاهة الأخلاقية" و"التعاون" و"الفضول النشط" – وهذه لا تمتلكها الروبوتات.
كلما ظهرت تكنولوجيا جديدة، يكون هناك خطر الاعتماد عليها كثيرا. الغش قديم قدم التلال. عندما كنت طالبة جامعية أتذكر صديقا كان يشتري بحوثا من طالب سابق كان يبيع البحوث نفسها على مدى سبعة أعوام. لم يلاحظ أي أستاذ عملية الغش تلك.
في بعض الحالات، كان نظام التعليم يشجع حتى على السرقة الأدبية. لأكثر من عقد من الزمان، كانت جامعات المملكة المتحدة تطلب من المتقدمين تقديم "بيان شخصي" من أربعة آلاف حرف عن اهتماماتهم ودوافعهم. أدى هذا إلى نوبة من شراء البيانات، وقلق الوالدين، كما أدى إلى ادعاءات مبالغ فيها مثل "الانبهار بعلم الآثار منذ أن كان عمري خمسة أعوام". في الأسبوع الماضي، تم إلغاء متطلب البيان الشخصي أخيرا، لكن على أساس أنه أضر بالمتقدمين الفقراء، وليس لأنه كان تشجيعا صريحا على الكذب. سيستبدل بالبيان مسح يبدو أنه قد يكون عرضة لانتهاكات مشابهة.
كانت البيانات الشخصية على الأقل محاولة من قبل الجامعات لإلقاء نظرة عامة على صورة أوسع وراء نتائج شهادة الثانوية العامة، والامتحانات التي تم إجراؤها في سن الـ16 (كان يتم تقديم الطلبات الجامعية قبل أن يخوض الطلاب امتحانات المستوى "أ"). يدعو معهد توني بلير إلى استبدال شهادة الثانوية العامة بتقييمات ذات مخاطر أقل عند 16 عاما، وإنشاء شهادة بكالوريا أوسع في سن الـ18. أوافق لكنني لن ألغي الامتحانات الورقية التي هي بالتأكيد أفضل دفاع ضد الغش.
تظل الامتحانات أفضل وسيلة لقياس ما تعلمه الأطفال. لكن ما نختبره يجب أن يتغير، بشكل جذري. إذا دعت إلى إعادة تفكير جماعي، فهذا في حد ذاته إرث قوي لبرمجية شات جي بي تي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES