FINANCIAL TIMES

مطلوب عمال أكبر سنا في وظائف مرنة ومرغوبة

مطلوب عمال أكبر سنا في وظائف مرنة ومرغوبة

هناك مدير غير تنفيذي يتحدث بعدة لغات وله علاقات جيدة، وقضى حياته المهنية في إدارة بعض أكبر شركات بيع الملابس عن طريق البريد في أوروبا، ويبلغ من العمر 93 عاما، هو أكبر شخص مسجل في جدول رواتب شركة ديفيد نيبر، وهي شركة أزياء تملكها عائلة مقرها مدينة ديربيشاير في ألفريتون.
إن خبرته لا تقدر بثمن، وفقا لكريستوفر نيبر، مدير عام الشركة من الجيل الثاني. كذلك هو الحال بالنسبة لعدد لا يحصى من العمال الأكبر سنا الذين تم توظيفهم في مصانع الشركة ومركز الاتصال والمكاتب. يقع مقر الشركة في منطقة تتميز بتاريخها الطويل في صناعة المنسوجات، حيث وظفت الشركة عبر الزمن موظفين مهرة من الشركات المنافسة، التي أغلقت أبوابها، بينما كانت تكافح لجذب الموظفين الأصغر سنا.
نتيجة لذلك، تقوم الشركة حاليا برعاية مدرسة محلية، وتبذل جهدها للاحتفاظ بالموظفين الأكبر سنا، وتوفر ساعات عمل مرنة لهم، وتقدم أسبوعا إضافيا في الإجازة السنوية للذين يعملون بعد سن التقاعد الحكومي. يقول نيبر: نحن نحاول جاهدين التمسك بهم. فعندما يتقاعد شخص ما، أرى ذلك وأقول لنفسي: "أوه لا. نحن بحاجة إلى اثنين من الموظفين الشباب ليحلوا محل الشخص الذي يغادر الشركة".
لا يعد هذا الموقف غريبا في الصناعة، حيث كان أرباب العمل يواجهون تحديات القوى العاملة المسنة لأعوام. لكنها عقلية غريبة في نظر عديد من أرباب العمل في المملكة المتحدة -المنتبهين للحاجة إلى إيجاد مسارات وظيفية أفضل للنساء والموظفين من مجموعات الأقليات، بينما يتجاهلون في الغالب احتياجات الموظفين الأكبر سنا ويتجاهلون المرشحين الأكبر سنا عند التوظيف.
أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد تشارترد للإدارة وهو الهيئة المهنية البريطانية في تشرين الثاني (نوفمبر)، أن أربعة فقط من كل عشرة مديرين منفتحون على توظيف الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 50 و64 إلى حد "كبير أو معتدل".
لكن البعض يقولها بصراحة أكبر. يقول جون، وهو مطور برمجيات مستقل في الستينيات من عمره توقف عن العمل بعد أن تعرض لمواقف مشابهة مرارا وتكرارا: "بعد الجائحة، كانت إحدى الوكالات صريحة لدرجة أنها قالت إنها لا تريد التواصل مع أي شخص يبلغ عمره 60 فأكثر".
لكن هذا التحيز قد أتى بنتائج عكسية. فهجرة كبار السن من مجال العمل -تماما كما فقد أرباب العمل في المملكة المتحدة المقدرة على الوصول إلى سوق العمل في الاتحاد الأوروبي– تعد عاملا رئيسا في نقص العمالة الذي ابتليت به الشركات في القطاعات المختلفة، من الخدمات اللوجستية إلى الضيافة والرعاية وتكنولوجيا المعلومات.
منذ بداية الجائحة، حدثت زيادة بأكثر من نصف مليون في أعداد البالغين في سن العمل الذين لا يعملون أو الذين لا يبحثون عن عمل. وكان هذا الارتفاع في الخمول الاقتصادي يكاد يكون مقتصرا على المملكة المتحدة وهو مدفوع إلى حد كبير بالأشخاص الذين لم يعودوا يرغبون في العمل ويمكنهم تحمل ذلك.
تحاول الحكومة عكس هذا التوجه، وتوسيع عرضها "للتدريب المهني لمن هم في منتصف العمر" لمساعدة العمال في الأربعينيات والخمسينيات من العمر على تقييم مواردهم المالية ومهاراتهم وصحتهم، ونشر "الأبطال فوق سن الـ 50" لإقناع الشركات بمزايا توظيف العمال الأكبر سنا. لكن قدرة الدولة على الوصول إلى العمال الذين اختاروا التقاعد من الذين لا يطلبون المساعدة محدودة.
هذا يضع العبء على كاهل أصحاب العمل ليس فقط ليصبحوا أكثر انفتاحا بشأن من يوظفون، ولكن لجعل الوظائف أكثر جاذبية للعمال الأكبر سنا، سواء من خلال تقديم ساعات عمل أكثر مرونة، أو مزيد من الدعم لمن يعاني ظروفا صحية، أو التقدم الوظيفي أو ببساطة عبر جعل أماكن العمل أكثر شمولا للأشخاص الذين يدفعهم التفاعل الاجتماعي للعمل أكثر من الراتب.
يقول جون بويز، اقتصادي في معهد تشارترد للأفراد والتنمية، وهو مجموعة لمحترفي الموارد البشرية بالعضوية: "تتوافر لمعظم العاطلين عن العمل عدة خيارات. وهم لا يحصلون على المساعدات. إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الشركات". كما يشير إلى تباين كبير في ملف تعريف العمال في قطاعات مختلفة –ففي الضيافة وتكنولوجيا المعلومات، لا يزيد عمر واحد من كل خمسة عن 50 عاما، وهي نسبة تصل إلى الثلث أو أكثر في مجالات الصحة والرعاية أو الخدمات اللوجستية أو العقارات.
بينما يقول أنتوني بينتر، مدير السياسة في معهد تشارترد للإدارة: "الأمر متروك لأصحاب العمل لإعادة النظر في مواقفهم". وقد بدأت أعداد متزايدة منهم بفعل ذلك تماما، حيث أصبح العمر نقطة تركيز جديدة، بعد أن كان يتم تجاهله في أجندة التنوع والشمول.
أطلق البعض –ومنهم شركة هالفوردز للبيع بالتجزئة وسلسلة ماكدونالدز للوجبات السريعة- حملات توظيف تستهدف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما للعمل كفنيين أو في خدمة العملاء. لكن أرباب العمل الآخرين، في قطاعات ذوي الياقات البيضاء على وجه الخصوص، يرون أنه من المهم للغاية الاحتفاظ بالموظفين الحاليين.
تقول كيم تشابلن، مساعدة المدير في مركز إيجينج بتر، وهي مؤسسة فكرية: "ما يدفعهم لذلك هو نقص المهارات والتركيبة السكانية".
تقول تشابلن، إن أهم تغيير يمكن أن يقوم به أصحاب العمل لإغراء الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما بالعودة للعمل أو البقاء فيه هو أن يكونوا أكثر مرونة بشأن ساعات العمل، نظرا لأن العديد منهم يحاولون التوفيق بين العمل ورعاية الوالدين، أو رعاية الأحفاد، أو التعامل مع ظروفهم الصحية.
كما تقول سوزان كايلي، البالغة من العمر 65 عاما: "أعمل كل يوم وآخذ استراحة غداء لمدة ساعتين كي أستريح. لا يمكنني الاستمرار لوقت طويل هكذا، لذلك أعمل حتى الساعة 5:30 وأبدأ في الساعة 11. ساعتان ونصف هي الحد الأقصى الذي يمكنني تحمله". تعمل الآن بوظيفة دعم العملاء في شركة جونو، وهي شركة لنقل ملكية العقارات عبر الإنترنت يديرها صهرها.
كافحت كايلي لأعوام للعثور على عمل بعد تركها عملا في الخارج تحت ضغط كبير لرعاية والدها المحتضر - ثم خسرت الفرصة أمام المرشحين الأصغر سنا عندما تقدمت لعديد من الوظائف، وعملت في الأعمال الاستشارية لفترات متقطعة وخضعت لعلاج السرطان الذي ترك آثارا دائمة عليها.
على الرغم من أن كايلي تكسب أقل بكثير مما كانت تكسبه في الماضي، وتعمل دون مستوى مهارتها، إلا أنها تخشى ترك صاحب العمل الذي يدعم الرفاهية الصحية بحق، كما تقول، ليس فقط من خلال ساعات العمل المرنة والإجازات، ولكن أيضا من خلال ضبط أعباء العمل وتوفير مزيج من المهام للموظفين العاملين في الخطوط الأمامية المرهقة. وتضيف: "هذا المكان يبدو وكأنه مكان آمن أستطيع أن أكون فيه".
بسبب الجائحة، أخذ عديد من أرباب العمل في حسبانهم أكثر دعم الموظفين الذين يعانون ظروفا صحية، بما في ذلك أولئك الذين يعانون مشكلات في الصحة العقلية، والنساء اللاتي يعانين انقطاع الطمث، حيث يمكن أن يتركن عملهن عندما يبلغن الذروة في وظائفهن.
لكن قد يحتاج أصحاب العمل إلى إعادة التفكير في كيفية تهيئة العمل وتوزيع الأشخاص حتى يتمكنوا من توفير المرونة التي يحتاج إليها كبار السن من العاملين.
يقول أنتوني بيريلو، المدير الصناعي في شركة جون لوب لصناعة الأحذية الفاخرة، إن الموظفين الأكبر سنا في مصنع الشركة في نورثهامبتون يميلون إلى تدريب الآخرين على الحرف اليدوية مثل الخياطة اليدوية، وقص الجلد وتركيبه، أو العمل على الطلبات الخاصة من الأقل ضغطا، حيث الوقت من خطوط الإنتاج لشركات الملابس الجاهزة. ويضيف أن هذه الفرق متعددة الأجيال تساعد على إيجاد "بيئة مستقرة وهادئة".
كما يسعى أرباب العمل من أصحاب الياقات البيضاء إلى تقليل الحدود بين العمل بدوام كامل وبين التقاعد - مثلا، من خلال السماح للموظفين بتقليل ساعات عملهم والبدء في الاعتماد على المعاشات التقاعدية تدريجيا أو من خلال استخدام الموظفين السابقين في وظائف استشارية بعد تقاعدهم.
إيما هارفي، مديرة عمليات الموارد البشرية في شركة أكسا يو كيه للتأمين، تستفيد من خبرة المجموعة في فرنسا وألمانيا، حيث كان على المديرين مواجهة تحدي تقدم القوى العاملة في السن في وقت أبكر من بريطانيا.
وتقول إنه من "المهم للغاية" الآن للمجموعة أن تبني قوة عاملة أكثر استدامة في المملكة المتحدة، بالنظر إلى "العاصفة المثالية" التي تواجهها في التوظيف. أحد الاحتمالات هو تبني نهج ابتكرته الشركات الألمانية، حيث يمكن للزملاء استدعاء خدمات ستة أو سبعة من كبار القادة الذين تقاعدوا من شركة أكسا للعمل كمستشارين في مشاريع معينة.
في معظم الأحيان، يتم تجاهل الموظفين الأكبر سنا للتدريب والترقية من قبل المديرين المباشرين الذين يفترضون أنهم لم يعودوا يتطلعون إلى تحمل مسؤوليات جديدة - ولن يحدث تغيير في سياسات الشركات فرقا كبيرا بالنسبة إلى هذا الأمر، ما لم يقابله تحول أوسع في ثقافة الشركات.
يقول نيك سميث، مدير المواهب والتطوير في شركة أجريجيت إندستريز، حيث يزيد عمر 40 في المائة من الموظفين على 50 عاما، إن "التغييرات الطفيفة" كانت حاسمة في تحديد النغمة في شركة توريد مواد البناء. وتحرص الشركة على أن الصور المستخدمة في تسويقها "ليست كلها فقط شبابا جميلين"، وأن اللغة المستخدمة للإعلان عن التدريب "لا تبدو وكأنها مخصصة للشباب الناشئين فقط"، كما قال سميث في ورشة عمل نظمها موقع الإنترنت ويركنج وايز.
تقول تشابلن من مؤسسة إيجينج بتر: "إن كل شيء يتوقف على قدرة المدير المباشر"، ما يؤكد الفجوة بين طموحات الشركات والممارسات على أرض الواقع. مع احتمال استمرار نقص المهارات، فإن حوافز الشركات للتصرف قوية. "إن الأشياء التي تغيرها لجعل الحياة أفضل لهذه المجموعة تجعل الحياة أفضل للجميع (...) فالعمل لا يناسب احتياجاتهم وينبغي تغيير العمل".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES