هل سنرى «تسونامي» اقتصاديا؟

قد يتبادر إلى ذهنك لماذا تهيمن الصدمات التضخمية في الولايات المتحدة على ارتفاع الأسعار في العالم بطريقة شمولية، على الرغم من أن اقتصاد أمريكا ليس أكثر نفوذا من الاقتصاد الصيني من حيث نفاذ الصادرات إلى معظم الاقتصادات؟ يرجع الأمر إلى الدولار، أي أن 45 في المائة من الصادرات العالمية تتم فوترتها بالدولار حتى من الصين المنافس الأكبر لأمريكا، وبالتالي فإن الارتفاع الكبير والمستمر في التضخم داخل أمريكا وتلاعب الأمريكيين بسعر الفائدة وطباعة الأموال المجانية، قد يؤدي على سبيل المثال إلى ارتفاع أسعار النفط المقومة بالدولار، وعندما يتزامن ذلك مع اضطرابات العرض بسبب كوفيد - 19 أو سلاسل الإمداد، فإن ذلك يفسر الصدمات التي تضرب اقتصادات العالم بلا استثناء، بمعنى آخر أن الاقتصاد الأمريكي والتضخم الذي ضربه بقوة، ناتج من صدمات المعروض النقدي، حيث بلغت خطة الإنقاذ الأمريكية 1.9 تريليون دولار وتشكل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وشهدت منطقتا اليورو والمملكة المتحدة أنماطا مماثلة من التضخم خلال 2021 و2022.
تبنت أمريكا برامج إنفاق مالي في الأعوام الثلاثة الماضية بطريقة مبالغ فيها وتخطت حدود المخاوف التي كان يتحدث عنها الاقتصاديون من مخاوف الركود، لكن ما حصل أن أمريكا نقلت تضخمها إلى منطقتي اليورو والمملكة المتحدة، إضافة إلى الصدمات التي تلقتها أوروبا من صدمات عرض الغاز الروسي وتعرض القطاع الصناعي الأوروبي لصدمة تراكمية، أي إلى صدمة كوفيد - 19 الماضية.
وتشير الدراسات الاقتصادية التي عملت في نهاية 2022 إلى أن الصدمات التضخمية التي تحدث في أمريكا تنتقل إلى منطقتي اليورو والمملكة المتحدة بطريقة قوية متسقة، وفي الوقت ذاته تتولد لدينا صدمات مشتقة تنتقل إلى الأسواق الناشئة التي تعتمد على تسعير أصولها على لندن والولايات المتحدة.
نحن أمام استنتاج منطقي أن مصدر التضخم للعالم هو ثلاث مناطق أساسية، الاقتصاد الأمريكي، ومنطقتا المملكة المتحدة واليورو، وجميع الصدمات الأخرى هي صدمات مشتقة من تلك المناطق الثلاث، حتى إذا ما استدعينا الإجراءات الصينية عند تطبيق صفر كوفيد - 19 أو صدمات العرض الروسية.
أخيرا، في نهاية المطاف تؤدي الأسعار المرتفعة والتضخم إلى تراجع معدلات الاستثمار في الأسواق المالية وغير المالية، وبالتالي حدوث ركود اقتصادي حتمي إذا ما لم تجد سياسات البنوك المركزية في مكافحة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، لكن هذه المرة نتخوف من تحول التضخم من ظاهرة مؤقتة إلى دائمة، وهنا يمكننا وصف المشهد الاقتصادي العالمي بظاهرة تسونامي اقتصادي، ولا سيما إذا ما فشلت أستراليا وكندا والصين واليابان والهند والبرازيل كدول خارج منطقة نشوء التسونامي الاقتصادي التي أشرنا إليها سابقا، وهي أمريكا والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، بصفتها المصدر الأول للركود والتضخم للعالم، وإذا ما حصل ذلك فإن المدرسة النقدية قد تكون خارج التأثير في النظام الاقتصادي وبداية لنظام اقتصادي جديد غير واضح الملامح حتى الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي