Author

هل نعيد النظر في أولوياتنا؟

|

اطلعت على دراسة أجرتها إحدى الصحف، استمدت بياناتها من تقارير جهات حكومية، وهذه الدراسة يمكن تصنيفها بالاقتصادية/الاجتماعية، إذ تكشف عن السلوك الاجتماعي للفرد عموما وميوله ورغباته الاستهلاكية، وذلك بمقارنة الإنفاق في مجالات عدة من مجالات الحياة تشمل قطاعات: المطاعم والمقاهي، المجوهرات، مواد البناء، الأثاث، التعليم، الصحة، الاتصالات، والإلكترونيات، وتبين في هذه الدراسة أن الإنفاق في قطاع المطاعم والكافيهات في نهاية 2021 بلغ 62.65 مليار ريال، في حين أن الإنفاق في القطاع نفسه في 2017 بلغ 12.92 مليار ريال، ويلاحظ الفرق الشاسع بين العامين، إذ إن نسبة الارتفاع لقطاع المطاعم بلغت 384.82 في المائة، وبمقارنة الإنفاق في هذا القطاع بالقطاعات الأخرى المذكورة آنفا، يلاحظ أن المطاعم والمقاهي تستحوذ على ما نسبته 13.24 في المائة، وهذه نسبة كبيرة، إذا ما أخذنا في الحسبان أن هناك مجالات أهم منه على مستوى الفرد، والوطن عموما، كنظرة استراتيجية قطاعات البناء والتعليم والصحة أهم بكثير لما لها من قيمة في حياة الفرد عموما.
إجمالي إنفاق الأفراد على مواد البناء والتعليم والصحة والأثاث والاتصالات والإلكترونيات والمجوهرات بلغ 62.49 مليار ريال، وهو أقل مما أنفق على المطاعم والكافيهات، وقد بلغ الإنفاق على مواد البناء 19.02 مليار ريال، أما الأثاث فبلغ الإنفاق عليه 17.27 مليار ريال، فيما بلغ في قطاع الإلكترونيات 14.7 مليار ريال، في حين بلغ الإنفاق في قطاع المجوهرات 12.92 مليار ريال، أما قطاع التعليم فأنفق عليه من قبل الأفراد 6.49 مليار ريال، وأخيرا قطاع الاتصالات بلغ الإنفاق عليه خمسة مليارات ريال.
التأمل في هذه البيانات الكمية يثير في الذهن تساؤلات عدة، أهمها هل نأخذ في الحسبان كأفراد مبدأ الأولويات في حياتنا، ونجعله موجها لنا في تسوقنا، وهل للدعاية دور في توجيه السلوك الشرائي لصرفه عن الأهم إلى الأقل أهمية، وهل من الممكن اعتبار الإنفاق الضخم على المطاعم والكافيهات يمكن أن يندرج تحت خانة الموضات الاجتماعية العابرة التي يفتتن الناس فيها لفترة، ثم تزول كما زال غيرها من الموضات في مجالات عدة، وما تأثير الإنفاق بهذه الصورة في الاقتصاد عموما؟
البعض منا لا يقوم سلوكه الشرائي على مبدأ الأولويات، بل يعتمد المثل القائل، "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، بغض النظر عن أين يتم الصرف، وهل هو في مجال مهم، أم لا؟، وأعتقد أن الأمر يعود إلى قلة النضج، ومحدودية الخبرة، وهذا ينطبق عموما على بعض الشباب لانبهارهم في بعض المنتجات كالجوالات، والحاسبات، والسعي إلى تذوق المنتجات الغذائية الجديدة، حتى إن البعض يصرف دخله فيها، وأذكر في هذا السياق خبرا قرأته عن الملياردير الأمريكي بافت، حيث سيارته كابريس 75 ويفضل تناول وجباته في مطعم ماكدونالدز.
الدعاية الموجهة تغري، وترغب في اقتناء بعض المنتجات، حتى لو لم تكن هناك حاجة فعلية إليها، كما أن حب مسايرة الأقران، والاقتداء بهم يمثل سببا في تشكيل السلوك الشرائي للظهور بمظهر عدم المختلف عن الآخرين ليرتاد ما يرتادونه، ويقتني مثلهم.

إن الملاءة المالية في أيدي البعض تشجعهم على عدم التفكير بشكل سليم في تبضعهم، وأنشطتهم الترفيهية التي تنحصر في المطاعم، والمقاهي، كما تجدر الإشارة إلى أن مجتمعنا الذي يمر بتحولات كبيرة تظهر فيه موضات في اللبس والأثاث والمأكل والمشرب، ثم لا تلبث أن تزول ليستقر المجتمع على صورة تشكل في النهاية هويته، فعلى سبيل المثال تعتيق المنازل ظهر كموضة قوية، ثم ما لبثت أن خفتت، وقل الاهتمام بها، تأثير الإنفاق بهذه الصورة في الاقتصاد لا يمكنني الإجابة عنه، إذ يحتاج إلى مؤسسات تدرس وتحلل، ومتخصصين في الاقتصاد، ولست منهم، مع ضرورة الأخذ في الحسبان إن كانت المنتجات المستهلكة وطنية، أم مستوردة، فكل مستورد يصب في مصلحة الدول المنتجة. أخذا في الحسبان البيانات السابقة، كم نحن كأفراد ما أحوجنا إلى ترشيد إنفاقنا وتوجيهه الوجهات المناسبة.

إنشرها