خطة أمريكية تخيف بروكسل ولندن

«علينا أن نحافظ على مكانة الاتحاد الأوروبي كوجهة استثمارية عالية الجودة»
أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية
من أكثر المخاوف الأوروبية على صعيد الاستثمارات القارية أم الأجنبية، هي خروج هذه الاستثمارات إلى ساحات أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة.

فهذه الأخيرة تمكنت في غضون العام الجاري من استقطاب أصول مالية أوروبية آتية إليها في أعقاب الزيادات المتكررة للفائدة على الدولار.

والفائدة المرتفعة على الساحة الأمريكية أضرت حتى أسواق المال المحلية. فغالبا ما تذهب رؤوس الأموال إلى نطاقات أكثر أمانا. لكن المشكلة الرئيسة من الجانب الأوروبي لا ترتبط بمستويات الفائدة الأمريكية بصورة أساسية.

فتكاليف الاقتراض ترتفع وتنخفض، وفي الأغلب ما تكون في حدود زمنية واضحة أو شبه واضحة.

والأموال التي خرجت اليوم، ربما تعود غدا عندما يصبح الميدان مواتيا، إنها عملية واضحة يمكن ببساطة قراءة آفاقها وتطوراتها.
المشكلة الأساسية هنا على الساحة الأوروبية ومعها البريطانية، أن الاستثمارات شهدت نزوحا لافتا في الآونة الأخيرة نحو الولايات المتحدة. لماذا؟ لأن إدارة الرئيس جو بايدن قدمت سلسلة من الإعانات الهائلة لخطة المناخ الجديدة، شملت كل الشركات العاملة على الأرض الأمريكية تقريبا، وهي عبارة عن خطة تصل قيمتها إلى 420 مليار دولار، من أجل محاربة التغير المناخي، بما يكفل تحقيق واشنطن الأهداف التي أعلنتها في هذا المجال.

والواضح أن إدارة باين تختلف جذريا عن إدارة سلفه دونالد ترمب. فهذا الأخير لم يعترف أبدا حتى بوجود تغير مناخي عالمي، وفي اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض، سحب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعت من المجتمع الدولي كله في 2015.

وما فعله بايدن، هو إلغاء قرار الانسحاب من هذه الاتفاقية.
الخطة التي يخشى منها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وعدد آخر من الدول الصناعية المؤثرة في المشهد العالمي، تشمل إعانات وتخفيضات ضريبية للمؤسسات التي تركز في صناعة منتجاتها في الولايات المتحدة، مثل السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة.

ما يضرب تلقائيا مسار هذه الصناعات وغيرها ذات الصلة خارج الأراضي الأمريكية.

وهذا ما يعد ضربة حقيقية للحراك التصنيعي غير الأمريكي، ما يجعل تحذيرات المفوضية الأوروبية بهذا الخصوص واقعية وناتجة عن مخاوف حقيقية، في ظل أوضاع اقتصادية سلبية يعشها العالم عموما.

وهذه التحذيرات تدعمها اتصالات تمت بالفعل بين الولايات المتحدة وبريطانيا، عبرت فيها الأخيرة عن قلقها من تداعيات خطة الدعم المشار إليها، على الشركات المحلية وتحديدا تلك التي تنتج السيارات الكهربائية.

والرسالة البريطانية كانت واضحة، حيث بتأكيدها، أن خطة الرئيس بايدن، تلحق أضرارا بعدة اقتصادات حول العالم، كما أنها تؤثر سلبا في سلاسل التوريد الدولية للبطاريات والمركبات الكهربائية ومصادر الطاقة المتجددة.
لكن المسألة لا يمكن أن تحل بالتحذيرات أو حتى الاحتجاجات المباشرة وغير المباشرة على الولايات المتحدة.

فالدول المتضررة وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي عليها أن تعيد النظر في سياسات الدعم التي تقدمها إلى شركاتها في كل المجالات ذات الصلة.

وهذا ما يفسر حديث أرسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية، عن ضرورة اتخاذ إجراءات "إعادة التوازن" لماذا؟ من أجل إزالة نقاط الخلل في المنافسة. وهذا الخلل أتى بالطبع من الخطة الأمريكية الداعمة.

ليس على المشرعين الأوروبيين والبريطانيين وغيرهم حول العالم سوى أن يتقدموا بسرعة نحو إعادة النظر في عمليات تسهيل الاستثمار المرتبط بالتحول البيئي.

أي أن تقوم الحكومات التي تشعر بالضرر من خطة بايدن، بتوفير مخططات داعمة مشابهة في المرحلة المقبلة، وإلا فإن الضرر سيعم كل الساحات الصناعية الرئيسة في العالم. باختصار إعادة تقييم الحاجة إلى التمويل.
بالطبع بدأت بعد الدعوات تتحدث عن مثل هذا الأمر على الساحة الأوروبية، بما في ذلك إنشاء صندوق سيادي أوروبي لدعم المشاريع الصناعية، من أجل مواجهة المشروع الأمريكي.

وهذا التوجه يدعمه بشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يتردد في التعبير عن قلقه أمام نظيره الأمريكي مباشرة في لقائهما الأخير في واشنطن.

لن تنفع التهديدات الأوروبية التي صدرت سابقا باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، وفتح هذا الملف أمامها. هذا يعني انطلاق حرب تجارية بين "الحلفاء" أنفسهم.
ولا شك أن إدارة بايدن ليست ممن تشيع ذلك، على عكس سابقتها إدارة ترمب، التي فتحت حروبا تجارية مع الحلفاء وغير الحلفاء في آن معا.

فالتفاهم يبقى هو الأهم في مثل هذه الخلافات، ولكن الشيء الأكثر أهمية، أن يركز الأوروبيون وغيرهم على مسألة إعادة التوازن، عبر سياسات محلية تدعم الحراك الصناعي المرتبط مناخيا، بما يمتص أي آثار سلبية آتية من قانون "خفض التضخم" الأمريكي المدعوم بمليارات الدولارات.
في كل الأحوال يتسم الرئيس الأمريكي جو بايدن ببعض المرونة في هذا الصدد، فقد أعلن صراحة أنه مستعد لما أسماه "تصحيح عيوب في القانون"، إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.

وهذا ما يعزز ضرورة أن تكون هناك تفاهمات أمريكية مع حلفائها الغربيين خصوصا، يمكن أن تحقق نتائج في ظل إدارة أمريكية تستصعب وجود خلافات بين الحلفاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي