كيف نفسر التخلف والتطور؟

المفكرون والمثقفون في كل مجتمع في العالم الفسيح تشغلهم في كتاباتهم، ومناظراتهم، وأحاديثهم الإعلامية إشكالية التطور، والتخلف الذي يوجد في المجتمعات، حتى إنهم يجرون مقارنات بين دول يوجد فيها موارد طبيعية هائلة، لكنها متخلفة، في حين توجد دول أخرى لا وجود للموارد الطبيعية فيها، لكنها متقدمة في الجانب المادي من التطور الصناعي، ومنتجاته التي تتوافر في الأسواق، والزراعي وطرائقه المنتجة بشكل وفير، وقلة استهلاك للمياه، ما يعني وجود أفكار خلاقة توصل إليها أبناء الوطن ليصلوا إلى هذه المرحلة من التطور، وما يرتبط بالصناعة والزراعة ينسحب على تنظيم الحياة الاجتماعية بما يضمن الاستقرار والأمن، ومن ثم الرخاء الذي ينعم به معظم الناس، إن لم يكن كلهم.
التباين بين المهتمين في تعليل وتحديد أسباب التطور واضح، وربما يعود السبب إلى خلفية الفرد العرقية، أو الدينية، أو الثقافية، أو العمر، أو النضج المعرفي، والخبراتي، أو الخلفية الفلسفية التي يأخذ بها كل واحد، وبتتبع بعض طروحات المهتمين في هذا الموضوع الذي تصل حد السجال والنقاش الحاد يتبين أن موضوع التطور يفسر بعدة تفسيرات قد يصدق بعضها على وطن، أو قد يصدق واحد منها، وربما تصدق كلها لتكون هي أسباب التطور أو التخلف.
يذكر أوسون وجتيز، أن ثقافة المجتمع هي المحرك الأساس للتغيير في أي مجتمع، ذلك أن الثقافة العامة تسرع في التغيير الاجتماعي، وتحدد الوجهات التي يكون فيها التغيير، أو لا يكون، كما أنها تضع الحدود التي لا يمكن أن يتجاوزها التغيير. لا شك أن هذه العبارة بمعناها تمثل منطلقا أخذ به كثير من المهتمين بالتطور. بل أصبحت الثقافة مشجبا تعلق به جميع صور التأخر التي توجد في أي مجتمع، وفي هذا مغالاة حين تكون الثقافة هي أساس التطور، أو سبب التخلف، حتى إن بعضهم يرفض جميع الموروث من الآباء والأجداد، بحجة كون الثقافة تتعارض مع العصر وروحه، دون أن يعلم أو يتناسى أنه هو سيكون بعد وفاته من الماضي، وما تركه خلفه سيكون مصيره الرفض والإسقاط، حسب طرحه.
ما من شك أن بعض مكونات الثقافة معيقة للتطور، ومكرسة للتخلف، لكن لا يمكن التعميم على كل الثقافة، إذ لا بد أن يكون أساس الحكم مبنيا على دراسات علمية واعية تأخذ بالمنهج المقارن، وتقارن بين مجتمعات تتشابه في معالم ثقافتها العامة لتكشف عناصر الثقافة المعيقة للتطور، والأخرى المسهمة في التطور والحاثة عليه. التطور على المستوى الفردي قد يعود إلى قناعات فردية وعشق وارتباط وجداني بين الفرد، وبين شيء يتمسك به، ولا يرى التخلي عنه.
القناعة الفردية لا يمكن تعميمها على جميع أفراد المجتمع، إلا أن وجودها عند الأغلبية يعيق تطوير المجتمع، ممثلا ببلد، أو مدينة، أو حي. وأذكر دراسة ذكرت أن الحكومة البريطانية أرادت إيصال سكة القطار إلى قرية في الريف البريطاني، إلا أن سكان القرية رفضوا ذلك، تفاديا لتلوث البيئة من الصوت والأدخنة المتصاعدة من القطار حماية لصحتهم ومزروعاتهم وحيواناتهم.
من أسباب التطور انتشار العلم والأخذ به، وجعله المنطلق الذي تقوم عليه فعاليات المجتمع بكامله، فبالعلم تنزاح الخرافة، وتنمو الصناعة، ويتمتع الناس بالصحة، ويؤخذ بالمنتجات الحديثة، وبالعلم تستثمر الموارد بالشكل المناسب، كما أن من الأسباب الإدارة الجادة الحكيمة القادرة على استثمار جميع الإمكانات المتوافرة لها بأساليب راقية محفزة تستفيد من القدرات كافة على اختلاف مستوياتها وتضعها في أماكنها المناسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي