Author

قفزات التنين التقنية المذهلة

|

شهدت الصين تغيرات كبيرة خلال العقود السبعة الماضية، فتحولت من دولة ريفية معزولة تعتمد على الزراعة وتهددها المجاعات بين حين وآخر، إلى واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم من خلال إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلى الانفتاح والسماح بالاستثمار ودخول الشركات الأجنبية وإنشاء المصانع مستفيدة من وفرة القوى العاملة الرخيصة، وهذا أسهم في توفير العمل لعدد السكان الهائل وأخرج كثيرين من دائرة الفقر، وساعد على تمكينها من تجاوز الانفجار السكاني، إضافة إلى نشر الثقافة الصناعية. وازدادت الصين قوة باستعادة هونج كونج، علاوة على دور عقد الألعاب الأولمبية الناجح عام 2008 في تعزيز الانفتاح على العالم.
وعزز القفزات التي تشهدها الصين اهتمامها بالبحث العلمي والتقدم التقني، الذي لا يثير إعجاب كثيرين فقط، بل قلق الدول الغربية من المنافسة الشرسة، وذلك بناء على أدائها المثير في مؤشرات العلوم والتقنية والتقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والطيران فوق الصوتي، ولا تكتفي الصين بذلك، بل تسعى من خلال استراتيجياتها إلى الانضمام إلى المراتب الأولى للدول المبتكرة بحلول عام 2035، وتصبح "قوة علمية عالمية عظمى" بحلول عام 2050.
وبناء على مقالة نشرت أخيرا في مجلة الطبيعة Nature ذائعة الصيت، فإن بعض المؤشرات يؤكد أن الصين إما أنها قريبة من أن تصبح قوة بحثية رائدة في العالم، أو حققت هذه المكانة بالفعل. ووفق بعض مؤشرات البحث العلمي المعروفة، بلغ نصيب الصين في أعلى 1 في المائة من الأوراق البحثية الأكثر استشهادا بنسبة 27.2 في المائة للمقالات المنشورة بين عامي 2018 و2020، مقارنة بنحو 24.9 في المائة للولايات المتحدة، لكن لا تزال الولايات المتحدة تتصدر الصين حسب مؤشر Nature الذي يعتمد على تتبع مخرجات البحث في 82 مجلة علمية طبيعية عالية الجودة، مع تقلص الفجوة إلى النصف من 6000 تقريبا عام 2020، إلى نحو 3000 عام 2021. ورغم هذا التقدم، إلا أن الصين لا تزال متأخرة إلى حد ما عن الدول البحثية الرائدة الأخرى في مقاييس الابتكار، فهي لا تزال خارج المراكز العشرة الأولى في مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن منظمة الملكية الفكرية العالمية GII.
وكذلك تشير مجلة الطبيعة، إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الـ40 لانطلاق سياسة "الإصلاح والانفتاح" في الصين عام 1982 التي تهدف إلى تحويلها من دولة زراعية إلى عملاق صناعي، ومنذ ذلك الحين، ارتفع ناتجها المحلي الإجمالي من 205 مليارات دولار إلى 17.7 تريليون دولار. وتشير إلى أن التحدي الذي يواجه الصين هو كيفية الابتعاد عن التركيز على اللحاق بالآخرين من خلال المكاسب السريعة والحوافز قصيرة الأجل مثل حجم النشر العلمي. فقد استحوذت البحوث الأساسية على نحو 6 في المائة من إنفاق الصين على البحث والتطوير عام 2021، في حين ترتفع النسبة في الولايات المتحدة إلى أكثر من 15 في المائة عام 2022.
ورغم ذلك كله، فإن هناك إنجازات علمية للصين تبهر العالم، ومنها: نجاح مهمة الهبوط على سطح المريخ، ونجاح الوجود البشري الصيني في مدار الأرض، نجاح تخليق النشا من ثاني أكسيد الكربون لأول مرة، ونجاحاتها المبهرة في تصنيع وسائل النقل وإنشاء الطرق والجسور وكذلك الصواريخ، وغير ذلك من الإنجازات الكبيرة.
في الختام، من المؤكد أنها تتهيأ لقفزات تقنية واقتصادية ستغير موازين القوى في العالم.

إنشرها