Author

قراءة في زيارة الرئيس الصيني

|

جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج، للمملكة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، وخلال الزيارة عقدت ثلاث قمم: سعودية - صينية، خليجية - صينية، وعربية - صينية. وطرح خلال القمم كثير من القضايا ذات القيمة، والأهمية للدول العربية، سواء لدول الخليج، كمنظمة إقليمية، أو للعرب عموما، وكذلك للصين، كدولة صاعدة اقتصاديا، وتقنيا، وسياسيا بحكم عضويتها في مجلس الأمن، الذي حصلت عليه رغم أن انضمامها إلى الأمم المتحدة جاء متأخرا، إلا أن ما حققته من قوة أهلها لذلك.
الاهتمام بالزيارة، وما قد يترتب عليها حظي باهتمام الإعلام، وكذا الساسة، خاصة في أمريكا، حتى إن بعضهم أبدى مخاوفه من تحقيق الصين مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب أطراف تعتقد نفسها حليفا استراتيجيا لدول مجلس التعاون، رغم ما لوحظ من تراجع وعدم مصداقية في بعض الحالات.
تابعت كلمتي ولي العهد، والرئيس الصيني، في القمة الخليجية - الصينية، وتبين فيهما وجود قواسم مشتركة في الكلمتين، حيث تم التذكير بالعلاقات التاريخية التي تجمع المنطقة العربية، وبالذات الخليجية، بالصين، التي حددها الرئيس الصيني بأنها تعود إلى التعامل التجاري، وإن كان الرئيس شي جين بينج قد أشار إلى المثل القائل "اطلبوا العلم ولو في الصين".
أهمية استعادة العلاقة التاريخية تتمثل في كونها أساسا للعلاقة المستقبلية، خاصة إذا كانت هذه العلاقة خالية مما يعكرها إذا ما قورنت بغيرها من العلاقات مع دول أخرى يظهر فيها النفس الفوقي التسلطي الذي لا يليق في التعامل بين الأطراف، ويعزز متانة العلاقة انتماء المملكة وعالمها الخليجي والعربي، إلى الحضارة الشرقية والقيم المشتركة ذات الطبيعة المتواضعة البعيدة عن مشاعر ونزعة التميز العرقي.
الشراكة الاستراتيجية واتفاقيات التفاهم هي العنوان الرئيس الذي ورد في كلمتي ولي العهد، والرئيس الصيني، وهذا ما انتهت إليه القمم الثلاث التي عقدت في الرياض. وهذا العنوان يمكن ترجمته بحزمة كبيرة من البرامج في مجالات عدة تتمثل في الجانب الاقتصادي العنوان الرئيس للزيارة، وذلك بما يتوافر لكل طرف من الأطراف، وحسب الاحتياج، فالصين بلد ذو اقتصاد قوي ومتنام بسرعة يؤهلها إلى الزعامة العالمية في المجال الاقتصادي، كما أن تفوقها التقني والصناعي ذا الأسس العلمية المتينة يمكنها من دعم العلاقات التعليمية والثقافية، وهذا ما تمت الإشارة إليه بتدريس اللغة الصينية في 300 جامعة ومدرسة، إضافة إلى تدريب رواد الفضاء، وإجراء التجارب العلمية المشتركة، والتعاون في مجال الأقمار الاصطناعية. وأرى أن استقطاب بعثات طلابية صينية في الجامعات السعودية والعربية، وكذا إيفاد الطلاب للدراسة في الصين سيكون ذا قيمة كبيرة تمكن من الاستفادة المتبادلة.
ورد في كلمة ولي العهد، أن الصين تمثل عنصرا يسهم في استقرار وأمن المنطقة، وبما يضمن سلاسل الإمداد وأمن الطاقة، وبما يسهم في إيجاد الحلول السياسية للمشكلات القائمة في المنطقة، كل هذا مع الأخذ في الحسبان المشاريع العملاقة المنفذة في المملكة في نيوم وغيرها من مدن المملكة، التي تمثل فرصة ذهبية سانحة للشركات الصينية للمشاركة في تنفيذها.
استوقفتني عبارة وردت في خطاب الرئيس الصيني حين ذكر بناء معادلة جديدة للطاقة، ولا أدري ماذا يقصد بالمعادلة الجديدة، فالمعادلة القائمة لكل السلع تتمثل في قاعدة العرض والطلب، وهذا ما هو معمول به في سلعة النفط، والغاز، مع أن المملكة راعت في أحيان كثيرة حاجة وظروف الدول المستهلكة مع ما قد يترتب على ذلك من أضرار.
لا شك أن مبدأ تعدد الأطراف وتنوعها الثقافي والسياسي في قيادة العالم لمواجهة التحديات، وعدم التدخل في شؤون الدول، الذي أشار إليه الرئيس شي جين بينج، يمثل سياسة ناجحة تجعل الجميع يربح دون غبن وشعور بالضعف عند التعامل مع الطرف الآخر، الذي تنتهجه بعض الدول وتبتز به من يحتاج إلى سلعها وخدماتها الأمنية والعسكرية.
كما أن الحكمة الداعية إلى تنويع السلال التي نضع فيها البيض، وعدم تركه في سلة واحدة حتى لا ينكسر البيض ونخسر الغلة تمثل سياسة رشيدة، وهذا ما تسعى إليه بلادنا.

إنشرها