Author

كيف نطور ذواتنا؟

|

انتشر في عالمنا العربي خلال أعوام مضت دورات، وبرامج تطوير الذات، وحقق القائمون عليها أموالا طائلة، نتيجة الإقبال الكبير الذي حققته الآلة الإعلانية التي وظفت لهذا النشاط، إلا أنه مع الوقت بدأ ينحسر الإقبال عليها شيئا، فشيئا، وفي ظني أن السبب في ذلك يعود إلى اكتشاف الناس، وبالأخص الباحثين عن تطوير ذواتهم، محدودية الاستفادة منها، إن لم يكن انعدام ذلك، وهذا في حد ذاته تطوير للذات، فقدرة الفرد على التمييز بين ما يروج له من خلال الدعاية، وبين الواقع الذي تحقق بعد الالتحاق بمثل هذه الدورات يمثل نجاحا، فاكتشاف زيف تلك الدورات يعد نجاحا للفرد.
سافر أفراد خارج المملكة، بهدف الالتحاق بهذه الدورات، وسافروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى لهثا لإحداث تغييرات في ذواتهم، وهذا في حد ذاته شيء جميل، حين يسعى الفرد إلى تغيير واقعه نحو الأفضل، وبما لا يتنافى مع الثوابت، أو يضر بالصحة، كما يحدث في بعض عمليات التجميل، ذات النتائج السلبية على الفرد في صحته، إلا أن مفهوم تطوير الذات الخاطئ عند البعض يجعل منهم ضحية تتشبث بهذا المفهوم، خاصة حين يكون القائم على الدورة ذا كاريزما، وله شهرة تحلق في الآفاق، بفعل الرسوم المالية الكبيرة التي يأخذها من الزبائن، وأعرف شخصا في دولة عربية له شهرة واسعة، وله كتب في تطوير الذات، إلا أنه ما لبث أن انسحب منه الزبائن بعد اكتشاف فشله في إحداث التغيير الذي يطمحون إليه.
تطوير الذات يعتمد على أي مجال نرغب في تحقيقه، فالتطوير المهني يحتاج إلى متخصص يقوم على الدورة، أو ورشة العمل، فاكتساب سكرتير مهارات إضافية في برامج الحاسب الآلي يمثل هدفا جيدا يمكن أن يحسن العمل، ويرفع جودته، وفي الوقت ذاته يرتقي بالموظف في سلمه الوظيفي، ولذا لا بد من متخصص في مجال الحاسب الآلي ملم بالجديد في المجال، خاصة أن التقنية متجددة متغيرة بشكل سريع، كما أن اكتساب مهارات الإسعافات الأولية يتطلب متخصصا في المجال الصحي، ولا يتوقع أن يقوم به أي أحد، ولو حدث لأدى ذلك إلى نتائج سلبية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، كما أن ما يرتبط بالمالية، والحسابات تحتاج إلى بارع حتى ولو كان ذلك نتيجة خبرة متراكمة اكتسبها من العمل في المجال، وفي الوقت الراهن التطوير المهني تضطلع به مؤسسات، ومعاهد مرخص لها، بدلا من تركها لمن يصنف نفسه بالمدرب في وسائل التواصل الاجتماعي.
مهارات التعامل مع الناس في الحياة العامة، كالسوق، والشارع، والمسجد، والنادي تمثل احتياجات مهمة لكل أحد، وهذه تتوزع المسؤولية في إيجادها بين الأسرة، والمدرسة، والمسجد، ومراكز التثقيف في الحي، وذلك من خلال المعلومات الواجب تعريف النشء بها، والمستمدة من الدين، والعادات، والتقاليد، كاحترام الكبير، وتقدير كل الناس، بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية، فخفض الصوت عند الحديث، وعدم المقاطعة، والبشاشة للآخرين، وعدم تسفيه آرائهم، وإيضاح الخطأ فيها بهدوء واحترام، كل هذه وغيرها تمثل مهارات تعامل يفترض إرضاعها عبر مراحل التنشئة، ولا أعتقد أن الالتحاق بدورة تطوير للذات ستغير الحال.
تعويد الأبناء منذ الصغر على حضور مجالس الكبار يمثل ممارسة قديمة عند العرب لكونها وسط تنشئة مهم يسمع فيه الأطفال القصص، والأشعار، ويلحظون بصورة حسية كيفية التعامل بين الحضور، كما يكتسبون طرائق، ومهارات الضيافة من ترحيب، وبشاشة، وصب للقهوة، وغيرها.

إنشرها